مع الدعاء وذكر الله، قد ينجم الأرق أحيانًا عن عدم التوكل الكامل، أو التعلق المفرط بالدنيا، أو الابتلاء الإلهي. السكينة الحقيقية تتحقق بجودة الإيمان، وحضور القلب في الدعاء، والتسليم لإرادة الله.
إن الشعور بالقلق والأرق، حتى بعد أداء العبادات والدعاء، هو تجربة يواجهها العديد من الأفراد في مراحل مختلفة من حياتهم. يمكن أن تثير هذه الحالة، التي يصاحبها أحيانًا القلق والاضطراب الداخلي، تساؤلات عميقة حول علاقة الإنسان بخالقه وفعالية العبادات في جلب السلام. من منظور القرآن الكريم، الراحة الحقيقية وطمأنينة القلب هما نعمة يمنحها الله، وهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بجودة الإيمان، والتوكل، وحضور القلب في العبادات. عندما يستمر الفرد في المعاناة من الأرق والقلق على الرغم من الدعاء وذكر الله، فقد تكون هذه المسألة إشارة للتأمل الأعمق في جوانب مختلفة من حياته الروحية والدنيوية. يصرح القرآن الكريم بوضوح أن ذكر الله يجلب السكينة للقلوب. في سورة الرعد، الآية 28، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. هذه الآية الأساسية توضح أن طمأنينة القلب هي نتيجة مباشرة للاتصال بمصدر الوجود وذكره. إذا لم تتحقق هذه الطمأنينة على الرغم من الدعاء، فيجب الانتباه إلى جودة هذا الذكر والدعاء. هل الدعاء مجرد كلمات على اللسان أم أنه يُعبّر عنه من أعماق القلب بحضور الفكر والروح الكاملين؟ وهل بعد الدعاء، نُسَلِّم أمورنا إلى الله أم أن المخاوف والوساوس الدنيوية لا تزال تسيطر علينا؟ أحد أهم العوامل التي تمنع السكينة هو عدم التوكل الكامل على الله. الكثير منا يدعو، ولكن في الواقع، ما زلنا نحمل عبء القلق بشأن المستقبل، والمشاكل المالية، والعلاقات الإنسانية، أو حتى المشاكل الصحية، دون أن نسلمها لقوة أعلى. في سورة الطلاق، الآية 3، يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾. التوكل لا يعني التخلي عن المسؤولية، بل يعني بذل كل جهد ممكن ثم تفويض النتيجة إلى الله بثقة تامة في حكمته وتدبيره. عندما تتحقق هذه الثقة القلبية العميقة، تجف العديد من جذور القلق، وتحل السكينة محلها. علاوة على ذلك، الحياة الدنيا مصحوبة دائمًا بالابتلاءات والمحن، وهذا جزء من مشيئة الله. يشير القرآن مرارًا إلى أن الصعوبات والقلق هي جزء من مسار نمو الروح وتنقيتها. في سورة البقرة، الآية 155، جاء: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. أحيانًا، يكون هذا الأرق أو القلق نفسه نوعًا من الابتلاء الإلهي لدفع الإنسان نحو مزيد من التضرع والصبر وتذكير بقوة الله المطلقة. في هذه الظروف، يمكن أن يكون الثبات والصبر، إلى جانب تحسين جودة الدعاء والتوكل، مفتاحًا لتجاوز هذه المرحلة وتحقيق السكينة الدائمة. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون الاضطرابات الداخلية أحيانًا متجذرة في الذنوب، أو حقوق العباد، أو التقصير في أداء الواجبات الشرعية والأخلاقية. إذا كان القلب ملوثًا بالذنب أو كان الضمير يعاني بسبب ظلم ارتكبناه بحق الآخرين، فلن يمكن تحقيق السلام الحقيقي حتى بالدعاء. التوبة الصادقة، وجبر حقوق العباد، وتطهير النفس، هي خطوات أساسية لعودة السكينة إلى القلب. يشدد القرآن الكريم كثيرًا على أهمية الاستغفار والتوبة، ويعد بأنه بالعودة إلى الله، تُغفر الذنوب وتُنار القلوب. في الختام، نقطة مهمة أخرى هي عدم التعلق المفرط بالنتائج والرغبات الدنيوية. في بعض الأحيان، ندعو لتحقيق ما نرغب فيه، وإذا لم يتحقق، نصاب بالقلق. ولكن الحكمة الإلهية قد تكون في عدم استجابة رغباتنا الظاهرية. التسليم لإرادة الله وقبول ما قدره لنا، حتى لو اختلف عن رغباتنا، يؤدي إلى السكينة. هذا هو مفهوم 'الرضا بالقضاء الإلهي' الذي يمثل أعلى درجات الإيمان. لذا، إذا كنت لا تنام بسلام على الرغم من الدعاء، فربما يكون من الضروري النظر بعمق أكبر في جودة دعائك، ومدى توكلك، واستعدادك لمواجهة الابتلاءات، ونقاء قلبك، ودرجة تعلقك بالدنيا. هذه فرصة للنمو الروحي والوصول إلى سلام عميق لا يمكن لشيء دنيوي أن يعكره.
يُروى أن ملكًا، على الرغم من كل جلاله وكنوزه التي لا تعد ولا تحصى وجيوشه الواسعة، لم يستطع النوم ليلة بسبب القلق والاضطراب المفرط. في مكان قريب، في زاوية مسجد بسيط، كان درويش بسيط القلب ينام بسلام، خالياً من أي هموم. نظر إليه الملك بحسرة وسأل حاشيته: 'عجباً! كيف لهذا الدرويش الفقير الذي لا يملك كنوزاً ولا جيوشاً، أن ينام بهذه السكينة، بينما أنا، بكل هذا الثراء والسلطة، لا أجد لحظة راحة؟' فقال أحد الحكماء الحاضرين: 'أيها الملك! الدرويش لم يُعلّق قلبه بالدنيا؛ فهو يرى كل ما يملك من فضل الله، وهو راضٍ بنصيبه. إنه يعلم أن رزقه من الله، ولا يقلق أبدًا بشأن الغد. أما أنت، بكل ملكك ومالك، فأنت دائمًا في خوف من الخسارة وتسعى لزيادة ما لديك، وهذا هو ما يسرق النوم من عينيك. السلام يكمن في القناعة، والتوكل على الله، وتسليم الأمور إليه، لا في كثرة المال والجاه.' تذكرنا هذه القصة أن السلام الداخلي يتحرر من التعلقات الدنيوية ويتحقق بالتوكل الحقيقي على خالق الوجود.