لماذا أقوم ببعض الأعمال الصالحة بشعور عدم الجدوى؟

الشعور بعدم الجدوى في الأعمال الصالحة ينبع غالبًا من نقص الإخلاص، توقع النتائج الفورية، والوساوس الشيطانية. يعلم القرآن أن كل عمل صالح، مهما صغر، محفوظ ومجزى عند الله، والتركيز على النية الخالصة والأجر الأخروي يزيل هذا الشعور.

إجابة القرآن

لماذا أقوم ببعض الأعمال الصالحة بشعور عدم الجدوى؟

الشعور بعدم الجدوى عند القيام بالأعمال الصالحة هو تجربة إنسانية شائعة، ولكنها قد تكون مضللة وتعيق النمو الروحي. من منظور القرآن الكريم، غالبًا ما ينبع هذا الشعور من فهم غير كافٍ لطبيعة الأعمال الصالحة، والنوايا الحقيقية الكامنة وراءها، والجزاء الإلهي. يعلمنا القرآن أن كل عمل صالح، مهما بدا صغيراً أو تافهاً في نظرنا، يحمل قيمة عظيمة ومكانة خاصة عند الله تعالى، ولن يضيع منه مثقال ذرة دون مكافأة. ينشأ هذا الشعور بعدم الجدوى عادةً من توقع نتائج فورية ومادية، أو نسيان الهدف الأسمى لخلق الإنسان، أو من وساوس شيطانية تهدف إلى تحويل الأفراد عن طريق الخير والصلاح. أحد أهم أسباب هذا الشعور هو نقص الإخلاص الكامل في النية. يؤكد القرآن الكريم بشدة على الإخلاص، أي أداء الأعمال فقط ابتغاء وجه الله، وليس للحصول على استحسان الناس، أو منفعة دنيوية، أو حتى لمجرد الشعور الشخصي بالرضا. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة). عندما يتم أداء العمل بنية خالصة لله، فإن نتائجه الدنيوية أو عدم ظهورها تفقد أهميتها الرئيسية؛ لأن الجزاء الأسمى عند الرب، وهذا بحد ذاته يجلب للإنسان الطمأنينة والرضا الداخلي. إذا كانت نيتنا لشيء آخر، فعند عدم تحققه، قد تنشأ مشاعر الإحباط وعدم الجدوى. لذلك، فإن مراجعة النية وتنقيتها خطوة أساسية في التغلب على هذا الشعور. سبب آخر لهذا الشعور هو التركيز المفرط على النتائج المادية والفورية في هذه الدنيا. يميل البشر بطبيعتهم إلى رؤية ثمار أعمالهم على الفور. ومع ذلك، فإن التعاليم القرآنية توجهنا إلى النظر إلى ما هو أبعد من النتائج العابرة لهذه الدنيا الفانية. في سورة الزلزلة، الآيتين 7 و 8، نقرأ: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). توضح هاتان الآيتان صراحة أن أصغر عمل صالح يسجل في صحيفة أعمال الإنسان وسيظهر بوضوح يوم القيامة. قد يظهر هذا الجزاء في الدنيا في شكل بركة في الحياة، أو راحة نفسية، أو حل للمصاعب، ولكن الجزاء الكامل والأصلي له محفوظ للآخرة. عندما نفهم هذه الحقيقة بعمق، فلن نتوقع جزاءً دنيوياً فورياً، وسيحل محل شعور عدم الجدوى اليقين بوعد الله. الصبر والثبات في طريق الخير، حتى في مواجهة عدم رؤية نتائج فورية، مؤكدان بشدة في القرآن. علاوة على ذلك، تلعب الوساوس الشيطانية دوراً هاماً في خلق شعور بعدم الجدوى. يسعى الشيطان باستمرار إلى ردع البشر عن طريق الحق والأعمال الصالحة. يزرع الأفكار السلبية مثل: «ما فائدة هذا العمل؟» أو «جهودك عبثية»، محاولاً إضعاف الإيمان وإحباط الأفراد. يحذرنا القرآن من مكر الشيطان ويوصينا بالاستعاذة بالله من شره. التركيز على ذكر الله، وتلاوة القرآن، والتفكر في الآيات الإلهية يمكن أن يكون درعاً ضد هذه الوساوس. إن تقوية الإيمان بالغيب والاعتقاد بأن الله مطلع على أعمالنا، ويرى كل ما نقوم به، وسيكافئنا عليه، أمر بالغ الأهمية. في سورة هود، الآية 115، يقول الله تعالى: «وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» (واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين). تقدم هذه الآية طمأنينة عظيمة لأولئك الذين قد يشعرون بالإحباط في طريق فعل الخير. للتغلب على هذا الشعور، من الضروري أن نغير نظرتنا من منظور محدود ومادي إلى منظور أوسع وإلهي. كل عمل خير نقوم به، حتى لو بدا لنا صغيراً (مثل ابتسامة، كلمة طيبة، مساعدة بسيطة للمحتاج، أو حتى الامتناع عن الغيبة والنميمة)، لا يجلب لنا الأجر والثواب فحسب، بل يترك أثراً إيجابياً في المجتمع والكون قد لا نراه أبداً. هذه الأعمال هي جزء من شبكة واسعة من الخير والصلاح في العالم، والتي يديرها الله. ممارسة الشكر على فرصة فعل الخير، والتأمل في لا نهائية الرحمة الإلهية وسعة جزاءاته، وتذكر أن العبودية الخالصة هي الغاية الأساسية من خلقنا، يمكن أن يقضي على هذا الشعور. في النهاية، أداء الأعمال الصالحة بنية خالصة وإيمان كامل بوعود الله، لا يزيل شعور عدم الجدوى فحسب، بل يزرع سلاماً عميقاً ودائماً في القلب لا يمكن مقارنته بأي مكافأة دنيوية. الله لا يضيع أجر المحسنين، وهو يرى ويقدر حتى أصغر عمل مخلص.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في بستان سعدي أن رجلاً زاهداً كان يحرص كل يوم على كنس الطريق المؤدي إلى المسجد، يرفع منه الحصى الصغيرة، بنية ألا يتأذى قدم أحد. فكان بعض المارة يسخرون منه ويقولون: «يا درويش، ما فائدة عملك هذا في هذا العالم الكبير؟ أين شوك العالم وأين جهودك؟» فأجاب الزاهد بابتسامة لطيفة: «أعلم أن الله يعطي قيمة عظيمة للعمل الصغير والنية الخالصة، قيمة لا تراها عين البشر أبداً. أنا لا أكنس من أجل الخلق، بل من أجل الخالق.» مرت السنون، ووصل هذا الزاهد إلى حكمة وبركة عظيمة حتى أصبح الجميع يذكرونه بالخير، وكان الذين يسخرون منه يلجأون إليه في مشاكلهم. هذا يظهر أن قيمة كل عمل صالح لا تكمن في عظمته الظاهرية، بل في إخلاص النية والنظرة الإلهية التي تحكمه.

الأسئلة ذات الصلة