قد تظل أعمالنا الصالحة بلا رد كاختبار في الحياة، حيث قد تكون الحكمة الإلهية مخفية في هذه الأمور والأجر موعود في الآخرة.
في القرآن الكريم، يبرز موضوع المكافآت وأعمال الخير كجزء أساسي من الإيمان الإسلامي والتفاعل الإنساني. إذ يُذكر أن الناس يتوقعون مكافآت لجهودهم وأعمالهم الصالحة في هذه الدنيا والآخرة. فالإنسان بطبعه يسعى للخير ويتمنى أن يرى ثمار عمله من طاعة وإحسان، إلا أن هذا الأمر قد يكون أحيانًا محاطًا ببعض التحديات التي تؤدي إلى شعور بالإحباط أو اليأس. وهذا ما نلاحظه في مختلف جوانب الحياة، حيث تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ولا تُقابل الأعمال الصالحة بالمكافآت الفورية كما يجب. في هذا السياق، يجب أن ندرك أنه في بعض الأحيان قد تُختبر نوايا البشر وأعمالهم. وهذه الفكرة تتجلى بوضوح في سورة البقرة، حيث يقول الله تعالى في الآية 155: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". هذه الآية تؤكد على أن الحياة ليست مجرد طريق سهل، بل هي رحلة مليئة بالتحديات التي تواجه الفرد لأسباب معينة، من بينها اختبار صبرهم وثباتهم في وجه الصعوبات. من جهة أخرى، تتوجه الأنظار إلى الآية 180 من سورة آل عمران، حيث يُقال: "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ بَخِلُوا بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ أَنَّهُ خَيْرًۭ لَّهُمْ ۚ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ...". هذه الآية تحمل في طياتها درسًا عميقًا حول كيفية النظر إلى المكافآت والموارد التي أُعطيت للبشر. فعندما نقوم بعمل صالح، قد يكون من السهل علينا أن نرى استحقاقاتنا، ولكن يُشير القرآن إلى أن كل تقدير له حكمة معينة من الله. في واقع الأمر، قد تبدو المكافآت غير مرئية أو مؤجلة، ولكن كل ما يحدث ليس عبثًا، فقد يكون هناك فائدة أكبر مخفية وراء ما نعيشه. هنا يأتي دور الإيمان، حيث ينبغي على المؤمن أن يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يمنح أفضل المكافآت في الوقت المناسب، وفي السياق المناسب. تستند هذه الفكرة إلى أهمية الصبر والتسليم لقضاء الله وقدره. فكما يعلم المؤمن، فإن المواقف الصعبة أو الأوقات العصيبة قد تكون بلاءً في ظاهرها، ولكنها تستبطن الخير في باطنها. كثيراً ما نرى أمثلة في حياة الأنبياء والصالحين، حيث واجهوا العديد من التحديات والابتلاءات، ولكن بفضل صبرهم وثباتهم، كانت لهم عاقبة محمودة. تتجلى أهمية الصبر أيضاً في الأثر النفسي العميق الذي يتركه في النفس. فعندما يتعرض الفرد لحالة من عدم الرد على أعماله، قد يشعر بالإحباط، لكن من خلال الصبر واحتساب الأجر عند الله، يستطيع أن يسترجع شعور السلام الداخلي. إن الإيمان بذلك يُعزز من قوة النفس ويبعث في الروح الأمل ويعمل على تعزيز التفاؤل، بغض النظر عن المشاكل التي قد تطرأ. علاوة على ذلك، يُظهر التأمل في حكمة الله في تأخير المكافآت أو عدم ردها على الفور أن تقديم الخير هو عمل خالص يُحتسب فقط لله. عندما نُقدم الخير، يجب أن نكون مُخلصين في نوايانا ونتجنب انتظار المُكافأة، بل يجب أن يكون عملنا هو السبيل إلى رضا الله فقط. وفوق كل ذلك، تصبح الأعمال الخيرية أكثر عمقًا عندما نقوم بها بلا انتظار مكافآت. فكلما كانت نوايا الإنسان صادقة، كان الاقتراب من الله أكبر، وظهور أثر الأعمال الصالحة أكثر وضوحًا في حياته. إن الأعمال الصالحة تُعد بمثابة استثمار حقيقي، لها عوائد لا تُحصى سواء في الدنيا أو الآخرة. لذلك، تعتبر الشجاعة التي تتحلى بها النفوس في مواجهة الصعوبات، وعدم الاستسلام للاحباط، من أسمى القيم التي يُحث عليها في الإسلام. إن الإنسان الذي يصمد ويصبر على بلاءاته، ويرجو الجزاء من الله، يصبح رمزاً للأمل والإلهام في مجتمعه. ولا ننسى أن المؤمن الحق هو الذي يُؤمن بأن كل ما يصيبه في هذه الحياة هو خير له، وأن الجزاء من الله وحده هو الأسمى في النهاية. في ختام هذا البحث، يجب أن ندرك جيداً أننا في كل اختبار نتعرض له، هناك دروس ينبغي تعلمها. سواء أكان الابتلاء تجريبيًا لصبرنا أو اختبارًا لمبادئنا، فإن الإيمان بأن الله يراقبنا ويُدير الخير في حياتنا يجب أن يُعزز من شعور السكينة في قلوبنا. لنجعل من أعمالنا الصالحة وسيلة للتقرب إلى الله، ولنُجدد نوايانا ونتذكر أن النهاية دائماً خير لمن صبر وثبت.
في يوم من الأيام، رأيت صبيًا صغيرًا يساعد الأشخاص المسنين في الشارع. قال لي: 'الله دائمًا مع الأشخاص الطيبين، حتى لو لم نتمكن من رؤية نتائج جيدة.' ذكرتني كلماته بآيات القرآن، وأدركت أن صمت الله أحيانًا عن أعمالنا الصالحة هو علامة على الاختبار. يجب أن نكون صبورين وأن نؤمن، لأن الله لا ينسى أبدًا.