ينبع الظلم من ضعف الإيمان، واتباع الشهوات الدنيوية، والتكبر، ووساوس الشيطان، والجهل. تؤدي هذه العوامل إلى الابتعاد عن الله وانتهاك حقوق الآخرين، مما يؤدي إلى عواقب سلبية في الدنيا والآخرة.
إن التساؤل عن سبب سهولة ارتكاب بعض الناس للظلم، أو "الظلم" كما هو معروف في القرآن، هو سؤال عميق يتغلغل في صميم الطبيعة البشرية وعلاقتها بالهداية الإلهية. في اللاهوت الإسلامي، "الظلم" مصطلح شامل لا يقتصر على القمع والطغيان ضد الآخرين فحسب، بل يشمل أيضًا أي فعل خاطئ أو تجاوز أو انحراف عن طريق الحق والعدل. إنه يعني وضع شيء في غير موضعه الصحيح، سواء كان ذلك إساءة الأمانة، أو إساءة استخدام السلطة، أو إنكار الحقوق. يقدم القرآن الكريم رؤى عميقة في الأسباب الجذرية لهذا الميل البشري المدمر، وغالبًا ما يربطه بالابتعاد عن وعي الله واحتضان الأوهام الدنيوية. أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل بعض الناس يرتكبون الظلم بسهولة ينبع من **ضعف الإيمان ونسيان الله (الغفلة)**. عندما يضعف اتصال الفرد بخالقه، تبدأ بوصلته الأخلاقية الداخلية في التذبذب. الخوف من الله (التقوى)، الذي هو الرادع الأقصى ضد الأفعال الخاطئة، يضعف. إذا لم يؤمن الشخص بوجود محاسبة عليا، أو إذا نسي يوم الحساب المحتوم حيث سيوزن كل عمل، مهما كان صغيراً، فإنه يفقد قيداً أساسياً على أفعاله. يحذر القرآن مراراً وتكراراً من نسيان الله، لأن هذا النسيان يمكن أن يؤدي إلى نسيان المرء لنفسه ومصيرها النهائي. بدون هذا المرساة الروحية، يصبح الفرد عرضة لإغراءات العالم المؤقت ووساوس الشياطين. قد يرى الكسب الشخصي الفوري أكثر قيمة من المكافأة الأبدية أو العواقب، مما يسهل عليه تجاوز حقوق الآخرين أو ارتكاب أعمال الفساد. هذا الفراغ الروحي يملأ غالبًا بالرغبات الأنانية، مما يؤدي إلى طريق الظلم. يظهر ضعف الإيمان هذا في تجاهل الأوامر والنواهي الإلهية، مما يسمح للأنا والرغبات الدنيوية بالتقدم على الواجبات الأخلاقية. إنها حالة يصبح فيها البصر الروحي غائماً، مما يجعل من الصعب تمييز الصواب من الخطأ، ويسهل تبرير الأفعال الضارة لتحقيق مكاسب شخصية متصورة. عامل آخر مهم هو **المطاردة الجامحة للرغبات والتعلقات الدنيوية (الهوى)**. يميل البشر بطبيعتهم إلى بعض الممتلكات والمناصب الدنيوية – الثروة، السلطة، المكانة، الشهرة، والملذات الحسية. بينما هذه الأشياء ليست شريرة بطبيعتها، إلا أنها عندما تصبح القوة الدافعة الوحيدة أو الأساسية في حياة الشخص، يمكن أن تعميه عن العدالة والاعتبارات الأخلاقية. يمكن أن يؤدي الجشع للمال إلى الاستغلال، والرشوة، والسرقة، حيث يعطي الأفراد الأولوية للتراكم على الصدق والعدل. يمكن أن يؤدي العطش للسلطة إلى الطغيان، وقمع الضعفاء، وتجاهل كرامة الإنسان، حيث يسعون للسيطرة بأي ثمن. يمكن أن تدفع الرغبة في المكانة الأفراد إلى خيانة المبادئ وظلم أولئك الذين يقفون في طريقهم، مضحين بالنزاهة من أجل المكانة الاجتماعية. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا من الانغماس المفرط في "الدنيا" (الحياة الدنيوية) على حساب "الآخرة" (الحياة الآخرة). عندما يعطي الشخص أولوية للمكاسب الدنيوية الزائلة على القيم الأبدية، يصبح ضميره متبلداً، وتصبح الحدود بين الصواب والخطأ غير واضحة. قد يبرر أفعاله الظالمة بالقول إن "الجميع يفعل ذلك" أو أنها ضرورية للبقاء أو النجاح، متجاهلاً تماماً التداعيات الأخلاقية والمعاناة التي يلحقها بالآخرين. يتحول هذا السعي إلى حلقة مفرغة، حيث يرتكب المزيد من الظلم لإرضاء رغبات لا تشبع. يلعب **الغطرسة والكبر** أيضًا دوراً حاسماً في تعزيز الظلم. فالشخص المتغطرس يعتبر نفسه أرفع من الآخرين، فوق المساءلة، ومخولاً للتصرف كما يشاء. هذا الشعور بالأهمية الذاتية يمكن أن يدفعه إلى تجاهل حقوق ومشاعر الآخرين، ويرى أولئك الذين هم أدنى منه مجرد أدوات لتحقيق تقدمه الخاص أو عقبات يجب إزالتها. يدين القرآن الكبر بشدة، مسلطاً الضوء على كيف أن شخصيات مثل فرعون، بسبب غطرستهم الهائلة، أصبحوا ظالمين عظماء، معتقدين أنهم السلطة النهائية. غالباً ما يحيط هؤلاء الأفراد أنفسهم بالمنافقين الذين يعززون صورتهم المتضخمة لذاتهم، مما يزيد من عزلهم عن أي تفكير أخلاقي أو تغذية راجعة حقيقية. يصبحون صماً للانتقاد وعمياً عن عيوبهم، معتقدين أن أفعالهم مبررة دائماً، مما يؤدي إلى أنماط متسقة من الظلم. يمنعهم غرورهم المتضخم من الاعتراف بأخطائهم أو طلب المغفرة، مما يعزز طريقهم نحو المزيد من القمع. هذا الخداع الذاتي يغذي تجاهلاً خطيراً للقوانين الإلهية وحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، فإن **تأثير الشيطان** يشكل تهديداً مستمراً يحرض بنشاط على الظلم. الهدف الأساسي للشيطان هو إخراج البشرية عن الصراط المستقيم. إنه يوسوس بالإغراءات، ويزين الأفعال الشريرة، ويجعل الخطأ يبدو صواباً. يستغل نقاط ضعف الإنسان، فيشعل الرغبات، ويغذي الغضب، ويثير الفتنة بين الناس. يصف القرآن الشيطان بأنه عدو مبين يعد بالأكاذيب ويزين الضلال، مما يجعله جذاباً للنفس البشرية. عندما يكون إيمان الفرد ضعيفاً، ورغباته غير مقيدة، يصبح أرضاً خصبة للاقتراحات الشيطانية. قد يقنعه الشيطان بأن أفعاله الظالمة ضرورية للبقاء، أو أنه قوي جداً بحيث لا يحاسب، أو أن ضحاياه يستحقون مصيرهم. يمكن لهذا التأثير الخبيث أن يقوض تدريجياً نسيج الشخص الأخلاقي، مما يجعله مرتاحاً للظلم ويزيل حساسيته تجاه آلام ومعاناة الآخرين. إنه يتغذى على الشكوك والمخاوف، ويدفع الأفراد أعمق في هاوية الأخطاء. أخيراً، يمكن أن يساهم **الجهل**، وخاصة الجهل بالقوانين الإلهية والهدف الحقيقي للحياة، في الظلم. بينما يكون الجهل أحياناً غير مقصود، فغالباً ما يكون ابتعاداً متعمداً عن الحقيقة. عندما لا يكون الناس على دراية بأوامر الله الواضحة المتعلقة بالعدل والإنصاف وصيانة الحقوق، أو عندما يختارون تجاهل هذه الأوامر، فإنهم أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء. لا يتعلق الأمر هنا فقط بنقص المعلومات، بل بعمى روحي أعمق يمنعهم من إدراك الكرامة المتأصلة لكل إنسان وقدسية حقوقهم. يؤكد القرآن على المعرفة كوسيلة للتمييز بين الحق والباطل، والهداية والضلال. إن نقص هذه المعرفة، بالإضافة إلى الميل نحو الأهداف الأنانية، يمكن أن يدفع الأفراد إلى طريق الغفلة وفي النهاية إلى الظلم. يسمح هذا الجهل المتعمد للأفراد بالبقاء في حالة من الظلام الأخلاقي، حيث يتم نسيان المساءلة ويتم تقليل التعاطف، مما يمهد الطريق للأفعال القاسية وغير العادلة. باختصار، فإن سهولة ارتكاب بعض الناس للظلم هي نتيجة تفاعل معقد للعوامل الروحية والنفسية والخارجية. وينبع ذلك أساساً من الانفصال عن وعي الله، والتركيز المفرط على المكاسب الدنيوية الزائلة، وغرور الأنا المتضخم، وسهولة التأثر بوساوس الشيطان، والجهل العميق بالمبادئ الإلهية. يحذر القرآن باستمرار من الظلم، مؤكداً أنه بينما قد يجلب فوائد دنيوية مؤقتة، فإن عواقبه النهائية هي عقوبة شديدة وخراب روحي، في هذه الحياة وفي الآخرة. إن فهم هذه الأسباب الجذرية هو الخطوة الأولى نحو تعزيز المجتمعات المبنية على العدل والرحمة والمساءلة، كما أمر الله تعالى.
في كتاب گلستان لسعدي، يُروى أن ملكاً قوياً، ولكنه ظالم، كان يحكم بلاده. كان فخوراً بقوته ويتخيل أنه لا أحد يستطيع مساءلته. في أحد الأيام، مر درويش عليم بجوار قصره ورأى أن الحراس كانوا يعذبون الناس المظلومين بشدة. بقلب محترق، اقترب الدرويش من الملك وقال: "أيها الملك! قوة الدنيا لا تدوم، وهذا العرش والتاج لم يبقيا مخلصين لأحد. الملوك من قبلك، بكل مجدهم وبهائهم، عندما مارسوا الظلم، زالت سلطانهم، ونسي اسمهم الطيب. إذا استمررت في الظلم على هذا النحو، فاعلم أن نهايتك لن تكون سوى الحسرة والندم؛ فمن يزرع بذور الظلم لا يحصد إلا الندم." في البداية، سخر الملك من كلام الدرويش ولم يأبه به. ولكن الأيام دارت، وسرعان ما وجد الملك نفسه وسط الثورات والاضطرابات؛ أولئك الذين كانوا يعانون من ظلمه في السابق، ثاروا عليه الآن. فقد تاجه وعرشه، وفي النهاية لقي المصير نفسه الذي لقيه الملوك الظالمون من قبله. عندئذ تذكر كلمات الدرويش وعلم أن الظلم لا يدوم، وأن العدل هو الخالد.