يصل بعض الناس إلى قرب الله أسرع من خلال الإخلاص والتقوى والجهد المستمر والذكر الدائم، بفضل النعم والهداية الإلهية. هذه السرعة لا تتعلق بالوقت، بل بعمق الارتباط القلبي والنوايا الصادقة.
إن المسير إلى الله تعالى رحلة روحية عميقة يقطعها كل إنسان بطريقة وسرعة مختلفة. مفهوم 'الوصول إلى الله أسرع' لا يعني سباقًا أو امتيازًا، بل يشير إلى جودة وعمق العلاقة القلبية، ونقاء النية، ومدى استجابة العبد للدعوة الإلهية. لا يعتمد هذا القرب المتسارع على الزمن المادي للحياة فحسب، بل يتأثر أكثر بالحالات الروحية والأعمال القلبية والجهود المستمرة للفرد نحو القرب الإلهي. القرآن الكريم، الدليل الذي لا مثيل له للبشرية، يشير بدقة إلى العوامل التي يمكن أن توصل الإنسان إلى وجهته في هذا الطريق بشكل أسرع وأعمق. هذه العوامل تمهد الطريق لجذب الرحمة الإلهية والهداية والعناية الخاصة، وتضع العبد في فلك القرب من الله. أحد أهم هذه العوامل وأكثرها جوهرية هو 'الإخلاص'. الإخلاص يعني تطهير النية من أي شوائب غير إلهية، وأداء جميع الأعمال، سواء كانت عبادية أو يومية، فقط من أجل رضا الله. في سورة الزمر، الآية 2، يقول الله تعالى: "فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ". عندما يقوم الإنسان بأي عمل بنية خالصة لله، فكأنما يبني جسرًا مباشرًا إليه. هذا الإخلاص يضفي على أعمال الإنسان وزنًا وقيمة مضاعفة، ويزيل الحجب بين العبد والرب. العمل الصغير بنية عظيمة يؤدي إلى مراتب أعلى من العمل الكبير بنية غير خالصة، وهذا بحد ذاته هو المسرع الحقيقي في طريق القرب. العامل الحيوي الآخر هو 'التقوى' أو الخوف من الله وتقواه. التقوى تعني ضبط النفس والرقابة الدائمة على النفس ضد الذنوب والوفاء بالواجبات الإلهية. يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة على أهمية التقوى. في سورة البقرة، الآية 189، يقول تعالى: "وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ". أهل التقوى هم الذين يتذكرون الله دائمًا ويعلمون أنه يراقب أعمالهم. هذا التذكير الدائم يمنحهم البصيرة والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، ويضيء لهم طريق الوصول إلى الله. يقول الله تعالى في سورة الأنفال، الآية 29: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا". هذه البصيرة تساعد الإنسان على اختيار الطريق الصحيح في تعقيدات الحياة والتحرك أسرع نحو الله. 'الجهاد والمجاهدة في سبيل الله' هو أيضًا عامل مهم في تسريع هذه الرحلة. المقصود بالجهاد هنا ليس فقط القتال في ساحة المعركة، بل يشمل محاربة النفس الأمارة بالسوء، ومقاومة وساوس الشيطان، والجهد المستمر في عمل الخير ونشر العدل والبر في المجتمع. يعطي الله وعدًا واضحًا في سورة العنكبوت، الآية 69: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ". تشير هذه الآية إلى أنه كلما بذل الإنسان جهدًا أكبر في تزكية النفس وخدمة الخلق، كلما كشف الله له سبل الهداية وقربه إليه. 'الذكر الدائم لله' هو عامل رئيسي آخر. القلب الذي يذكر الله باستمرار يتطهر ويجد الطمأنينة. في سورة الرعد، الآية 28، جاء: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". هذه الطمأنينة القلبية تحرر الإنسان من هموم الدنيا وتمنحه الفرصة للتوجه بكل وجوده نحو خالقه. الذكر ليس مجرد ترديد كلمات، بل يشمل تذكر حضور الله الدائم في جميع لحظات الحياة والالتفات إلى أوامره ونواهيه. كلما كان هذا الحضور القلبي أعمق وأكثر استمرارًا، قلّت المسافة الروحية بين العبد وربه. علاوة على ذلك، 'التوبة والإنابة' (العودة إلى الله والتوجه إليه) بسرعة وصدق بعد كل خطأ، هو عامل آخر من عوامل التسريع. الإنسان الذي يقر بذنببه بسرعة، ويندم عليه، ويعود إلى الله بنية خالصة، ينال مغفرة ورحمة إلهية خاصة. يأمر القرآن في سورة آل عمران، الآية 133، المؤمنين: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ". هذا الإسراع في التوبة يدل على قلب حي وشغوف لا يريد أن يبتعد عن اللطف الإلهي ولو للحظة. في الختام، 'الصبر والشكر' في مواجهة الشدائد والنعم، وكذلك 'حب الله ورسوله' الذي يجب أن يفضل على كل حب آخر، كلها عوامل تضع الإنسان في فلك القرب الإلهي. فالأشخاص الذين يعيشون بهذه الصفات، كأنهم في مسار روحي سريع، والله تعالى، بفضل جهودهم وإخلاصهم، يجعل طرق القرب إليه أسهل وأسرع بالنسبة لهم. هذه دعوة عامة، وكل من يتوجه إلى الله بكل وجوده، سيجد استجابته الإيجابية ويقترب منه، بغض النظر عن الزمان أو المكان، بل فقط بناءً على جودة العلاقة وعمق الإخلاص القلبي.
يقال إنه في الأزمنة القديمة، عاش رجل صالح قضى حياته في العبادة والزهد، لكنه كان يتساءل دائمًا لماذا، على الرغم من جهوده الكبيرة، لم يشعر بعد بتلك الطمأنينة الحقيقية والقرب من الله. في جواره، عاش دبّاغ بسيط وغير متكلف، لم يكن الناس يرونه كثيرًا في المسجد ولم يعرفوا عن عباداته الظاهرية شيئًا. ذات يوم، رأى الرجل الصالح في المنام أن صوتًا يقول له: "قربك منا كذرة مقارنة بقرب الدباغ منا." استيقظ الرجل الصالح، وبدهشة، ذهب إلى الدباغ وسأله: "ماذا تفعل لتصبح قريبًا جدًا من الله؟" أجاب الدباغ بتواضع: "أنا لا أقرأ ولا أعرف صلوات معقدة، لكن كلما فكرت في الرائحة الكريهة للجلود ومشقة عملي، أشكر الله بكل قلبي أنه شغلني بهذا العمل الحلال وأبعدني عن الخطيئة. في كل لحظة أطلب منه المغفرة، وأعمل على أمل أن أصبح أكثر نقاءً كل يوم." حينها أدرك الرجل الصالح أن معيار القرب الإلهي ليس في المظهر أو كمية الأعمال، بل في عمق الإخلاص والشكر وصدق النية في كل لحظة من الحياة، وهو ما أوصل الدباغ الأمي إلى الله أسرع.