لماذا يفر بعض الناس من الروحانية؟

يحدد القرآن حب الدنيا المفرط، الكبر، والغفلة كأسباب رئيسية لفرار الناس من الروحانية. هذه العوامل تبعد الأفراد عن خالقهم، مما يؤدي إلى فقدان السلام الحقيقي.

إجابة القرآن

لماذا يفر بعض الناس من الروحانية؟

لماذا يفر بعض الناس من الروحانية؟ هذا سؤال عميق يمس جوهر الطبيعة البشرية وعلاقتها بالإله. القرآن الكريم، بصفته دليلاً شاملاً للبشرية، يقدم رؤى عميقة حول هذه الظاهرة، ويحدد عدة أسباب رئيسية تدفع الناس إلى الابتعاد عن المبادئ والممارسات الروحية. غالبًا ما تتشابك هذه الأسباب، لتشكل شبكة معقدة من الضغوط الداخلية والخارجية التي تسحب الأفراد بعيدًا عن مسار النمو الروحي والاتصال بخالقهم. أحد أبرز الأسباب التي يسلط عليها القرآن الضوء للابتعاد عن الروحانية هو الحب المفرط للحياة الدنيا وجاذبيتها الزائلة. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا البشر من الانخداع بالطبيعة المؤقتة لهذا العالم وزينته. ففي سورة الكهف (18:46)، يقول الله تعالى: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا". تؤكد هذه الآية، جنبًا إلى جنب مع العديد من الآيات الأخرى، أن الممتلكات المادية، والمكانة الاجتماعية، والملذات العابرة، وإن كانت جذابة، إلا أنها فانية في النهاية. عندما ينغمس الأفراد في السعي وراء هذه المكاسب الدنيوية، تتعلق قلوبهم بما هو مؤقت وزائل. يعمل هذا التعلق كحجاب يحجب أهمية الآخرة والبعد الروحي للوجود. إن السعي المستمر وراء المزيد من الثروة، أو مكانة أعلى، أو الترفيه العابر، يترك مجالًا ضئيلًا للتأمل، أو الصلاة، أو الاتصال بالذات الإلهية. الممارسات الروحية، التي غالبًا ما تتطلب الصبر، والتضحية، والتخلي عن الإشباع الفوري، قد تبدو مرهقة أو غير ذات صلة لأولئك الذين يتركز اهتمامهم بالكامل على الجوانب الخارجية والمادية. إنهم يفضلون الراحة واللذة الفورية على السلام العميق والدائم الذي يتجلى في اتصال عميق بالله. غالبًا ما يؤدي هذا إلى شعور بالفراغ على الرغم من النجاح الظاهري، حيث تتوق الروح بطبيعتها إلى شيء أعمق وأكثر معنى مما يمكن أن يقدمه العالم المادي وحده. يصف القرآن بوضوح هذا التفضيل للزائل على الدائم في سورة الأعلى (87:16-17): "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى". يسلط هذا التفضيل الضوء على اختلال أساسي في الأولويات يؤدي إلى تدهور روحي تدريجي، وأحيانًا سريع. فبريق هذا العالم يعمي البصيرة عن النور الأبدي للحقيقة، مما يجعل المساعي الروحية تبدو غير جذابة أو حتى غير ضرورية. حاجز آخر مهم أمام الروحانية، يتناوله القرآن الكريم مرارًا، هو الكبر والاستغناء. الكبر مرض روحي عميق، وغالبًا ما يُصوَّر على أنه أول خطيئة ارتكبها إبليس (الشيطان) عندما رفض السجود لآدم بسبب كبريائه، معتقدًا أنه أفضل منه لأنه خُلق من نار، كما ورد في سورة البقرة (2:34): "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ". تعمل هذه الرواية كتحذير خالد ضد مخاطر الكبر. فالشخص المتكبر يعتقد أنه مكتفٍ بذاته، متفوق في الذكاء أو الثروة أو المكانة، وبالتالي لا يحتاج إلى توجيه من قوة عليا أو تعاليم الأنبياء. تؤدي هذه العقلية إلى رفض الحقيقة ببساطة لأنها تأتي من مصدر خارجي أو تتحدى الصورة الذاتية المتضخمة للفرد. يقول القرآن في سورة الأعراف (7:146): "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا". قد ينظر هؤلاء الأفراد إلى الروحانية على أنها ضعف، أو عكاز للضعفاء، أو مفهوم عتيق. تمنعهم غرورهم من التواضع أمام الله، ومن الاعتراف بحدودهم، ومن طلب الحكمة الإلهية. قد يرفضون النصوص الدينية أو التجارب الروحية فكريًا، ويفضلون الاعتماد فقط على عقولهم ورغباتهم المحدودة. هذا العمى الذاتي يجعلهم صُمًّا عن النداءات الخفية للروح وعن آيات الله الواضحة في الكون، مما يؤدي إلى اغتراب عميق عن الإله والابتعاد عن أي شيء يتحدى نظرتهم المتضخمة للعالم. كلما اعتمد الشخص أكثر على حكمته وقوته المتصورة، قلّت حاجته إلى التوجيه الإلهي، وبالتالي يغلق قلبه أمام الغذاء الروحي. علاوة على ذلك، تلعب الغفلة ونسيان الله دورًا حاسمًا في الانفصال الروحي. هذا ليس بالضرورة رفضًا فعالًا للروحانية، بل هو إهمال سلبي ونسيان لله، والآخرة، وهدف المرء الأسمى في الحياة. في عالم مليء بالمشتتات المستمرة، يمكن للأفراد أن ينغمسوا بسهولة في روتينهم اليومي، وعملهم، وترفيههم، وحياتهم الاجتماعية، بحيث ينسون ببساطة تخصيص وقت للتأمل الروحي، أو الصلاة، أو الاتصال الواعي بالإله. يذكر القرآن البشر باستمرار بخالقهم وعودتهم الحتمية إليه، ويحثهم على ألا يكونوا من الغافلين. على سبيل المثال، تسأل سورة الحديد (57:16): "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ". تسلط هذه الآية الضوء على كيف أن الغفلة المطولة يمكن أن تؤدي إلى قسوة القلب، مما يجعل من الصعب تلقي التوجيه الروحي أو الشعور بتأثيره. عندما يعيش المرء دون وعي بوجود الله، ونعمه، ومحاسبته في الآخرة، يتلاشى البعد الروحي للحياة تدريجيًا في الخلفية. يؤدي التعرض المستمر لشؤون الدنيا دون مرساة روحية إلى بلادة حساسية القلب. هذا يشبه الحديقة التي لا تُسقى – تذبل ببطء. هذه الحالة من النسيان تجعل المرء عرضة لإغراءات الدنيا وأقل قدرة على تمييز الصواب من الخطأ، مما يؤدي في النهاية إلى اغتراب كامل عن المسار الروحي وشعور بالفراغ على الرغم من الراحة المادية. قلب الإنسان، عندما يُحرم من الغذاء الروحي، يصبح قاحلاً ويفقد قدرته على السلام الحقيقي والرضا. وفي الختام، يقدم القرآن فهمًا واضحًا لسبب ابتعاد بعض الأفراد عن الروحانية. يُعزى هذا الابتعاد في المقام الأول إلى الحب المفرط للحياة الدنيا، الذي يشتت القلب ويُعميه؛ والكبر العميق والاستغناء عن الله، الذي يمنع التواضع والخضوع للحقيقة؛ والغفلة والنسيان المنتشرين لهدف المرء الأسمى وخالقه. تخلق هذه العوامل، منفردة أو مجتمعة، حواجز كبيرة أمام تجربة السلام العميق، والهداية، والوفاء الذي توفره الروحانية. ومع ذلك، يقدم القرآن أيضًا الترياق: الذكر المستمر لله، والتأمل الصادق، وطلب العلم، وتنمية التواضع، وتقديم الأبدية على الزائل. من خلال معالجة هذه الأمراض الداخلية بوعی، می‌توانند گرایش معنوی ذاتی خود را دوباره کشف کنند و به مسیری از ارتباط عمیق و آرامش درونی بازگردند. إن الرحلة نحو الروحانية هي رحلة إعادة ترتيب الأولويات، والوعي الذاتي، والعودة المتواضعة إلى المصدر الإلهي لكل الوجود.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في مدينة صاخبة، عاش تاجر ثري يُدعى فيروز. قضى كل وقته في جمع الثروات وتوسيع تجارته، ولم يجد لحظة للراحة أو للتأمل في معاني الحياة الأعمق. على الرغم من ممتلكاته التي لا تُحصى، كان قلبه دائمًا قلقًا، ولم يتذوق طعم السعادة الحقيقية قط. في نفس المدينة، في زاوية هادئة، عاش درويش بسيط ومتواضع يُدعى سليم. لم يكن سليم يملك سوى ثيابه ووعاء للماء، ومع ذلك كان وجهه دائم الابتسامة، وقلبه مليئًا بالسلام. ذات يوم، رأى فيروز سليمًا، فدهش من الهدوء الغريب الذي يلفه. سأل سليمًا: 'يا درويش، كيف لك بهذا الفقر أن تكون مرتاح البال ومسرورًا، بينما أنا، بكل ثروتي، لا أجد لحظة راحة؟' ابتسم سليم وقال: 'يا فيروز، الكنز الحقيقي ليس في أكياس الذهب ولا في القصور، بل في قلب متحرر من قيود الدنيا ومنشغل بذكر الله. أنت تجمع المال وهو يستعبدك، أما أنا فقد أودعت قلبي لله وهو أغناني. سلامي يأتي من رؤيتي لهذا العالم كجسر للوصول إلى معانٍ أسمى، لا كوجهة للتوجه إليها.' في البداية، استخف فيروز بكلام الدرويش، لكن مع مرور الوقت وازدياد همومه، أدرك تدريجيًا عمق حكمة سليم. بدأ في تقليل تعلقاته المادية وتحول شيئًا فشيئًا إلى ذكر الله. وبالتدريج، وجد السلام الذي بحث عنه لسنوات في الثروة، داخل قلبه. أدرك أن الهروب من الروحانية هو هروب من الذات الحقيقية والسلام الأبدي، وأن العودة إليها هي السبيل الوحيد لتحقيق السعادة الحقيقية.

الأسئلة ذات الصلة