لماذا يعاني بعض الناس أكثر مني؟

القرآن يوضح أن المعاناة هي اختبارات من الله لقياس الإيمان والصبر. هذه الاختلافات تنبع من الحكمة الإلهية للنمو الروحي أو تكفير الذنوب، والأجر الحقيقي ينتظر في الآخرة.

إجابة القرآن

لماذا يعاني بعض الناس أكثر مني؟

سؤالك، "لماذا يعاني بعض الناس أكثر مني؟"، هو سؤال عميق ومحوري يلامس جوهر الوجود الإنساني وفهمنا للعدالة الإلهية والغرض من المعاناة. يقدم القرآن الكريم، بصفته كلام الوحي، رؤى شاملة في هذا الشأن، مما يساعدنا على فهم مفاهيم المعاناة والبلاء والاختبار والعدالة الإلهية بشكل أفضل. هذا السؤال لا يتعلق فقط بآلام الآخرين، بل يتعلق أيضًا بمكانتنا في هذا العالم وعلاقتنا بخالقنا. إن إجابة القرآن على هذا السؤال متعددة الأوجه وغنية بالبصائر الروحية التي يمكن أن تجلب السكينة والتوجيه، وتساعدنا على اكتساب منظور أوسع للشدائد في الحياة. أحد المفاهيم المحورية التي يطرحها القرآن في الإجابة على هذا السؤال هو مفهوم "الابتلاء" أو الاختبار. يذكر القرآن صراحة أن الحياة الدنيا بأسرها عبارة عن سلسلة من الاختبارات، وأن الله يختبر عباده بالخير والشر. تتجلى هذه الابتلاءات في أشكال متنوعة: أحيانًا بالفقر، وأحيانًا بالثراء؛ أحيانًا بالمرض، وأحيانًا بالصحة؛ أحيانًا بالخوف، وأحيانًا بالأمن. الغاية القصوى من هذه الاختبارات هي قياس إيمان الإنسان وصبره وشكره وإخلاصه. ليس الأمر أن جميع الناس يُختبرون بنفس النوع أو الشدة من المشقة. كل شخص يُختبر وفقًا لقدرته وإمكانياته ومكانته الروحية. فبالنسبة للمؤمنين، يمكن أن تكون الابتلاءات وسيلة لتطهير الذنوب، ورفع درجاتهم، وتقريبهم من الله، بينما قد تكون للكافرين فرصة للتوبة والعودة، أو تحذيرًا من عواقب أفعالهم. والسبب في أن بعض الأفراد يبدو أنهم يعانون أكثر قد يكون لأن اختباراتهم أشد، وبالتالي سيكون أجرهم أكبر إذا صبروا وثبتوا وأدوا واجباتهم كعباد لله. في سورة البقرة، الآية 155، يقول الله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (ولَنَخْتَبِرَنَّكُم بشيء من الخوف والجوع، ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات، وبشِّر -أيها النبي- الصابرين). تشير هذه الآية بوضوح إلى أن المعاناة والمشقة جزء لا يتجزأ من الحياة الدنيا، وأن هذه البلايا وسيلة لاختبار البشر. هذه الاختبارات ليست مجرد عقوبة؛ بل توفر فرصًا للنمو الروحي والارتقاء. وفي سورة العنكبوت، الآيتين 2 و3، نقرأ أيضًا: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" (أحسب الناس أن يُتركوا دون ابتلاء واختبار لمجرد أن يقولوا آمنا؟ ۝ ولقد امتحنا واختبرنا الأمم قبلهم، فليُظهرنَّ الله الذين صدقوا في إيمانهم، وليُظهرنَّ الكاذبين). هذه الآيات تؤكد صراحة أن اختبار الإيمان أمر حتمي. مفهوم آخر حاسم هنا هو "الحكمة الإلهية". نحن كبشر، بمعرفتنا المحدودة، لا نستطيع فهم جميع أبعاد وأسباب كل حدث. الله تعالى هو العليم الحكيم المطلق، وجميع أفعاله وتدابيره مبنية على عدل وحكمة لا متناهية. ما نعتبره معاناة ظاهرية قد يكون في الواقع يحتوي على خير عظيم ويخدم كمقدمة للسعادة الأبدية. هذا يعلمنا ألا نحكم على الأمور بمجرد ظاهرها، بل أن نؤمن بالحكمة الكامنة وراءها. كل فرد في هذا العالم له دوره ومكانته الفريدة، واختباراته تتناسب مع ذلك الدور وقدراته. الصبر والشكر فضيلتان عظيمتان يؤكد عليهما القرآن بشدة عند مواجهة الشدائد. فالذين يتحلون بالصبر في مواجهة البلايا، وفي الوقت نفسه يعبرون عن الشكر على النعم، ينالون أجورًا عظيمة من الله. يقول القرآن: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" (إنما يُعطى الصابرون ثوابهم يوم القيامة بغير تقدير ولا عدٍّ لما لهم من عظيم الأجر) (سورة الزمر، الآية 10). وهذا يعني أن المعاناة يمكن أن تكون وسيلة لتكفير الذنوب، ورفع الدرجات الروحية، والوصول إلى أجور إلهية لا حصر لها. أحيانًا يختبر الله شخصًا معينًا بمزيد من البلايا، ليس لأنه أكثر ذنوبًا، بل لأنه يمتلك قدرة أكبر على الصبر والوصول إلى مقام القرب الإلهي. في الواقع، لقد تحمل الأنبياء والعلماء والصالحون أعظم الاختبارات، وهذا يدل على عظمة مقامهم. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن المعاناة في بعض الأحيان تكون نتيجة مباشرة لأفعال الإنسان وخياراته. يذكر القرآن صراحة أن المصائب والكوارث قد تكون أحيانًا نتيجة لذنوب الإنسان وتجاوزاته، وتعمل كتذكير أو جرس إنذار للعودة إلى الطريق المستقيم. "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" (وما أصابكم -أيها الناس- من مصيبة في أبدانكم وأموالكم وأولادكم، فبما كسبت أيديكم من الذنوب والآثام، ويعفو سبحانه عن كثير من ذنوبكم، فلا يعاقبكم عليها) (سورة الشورى، الآية 30). تشير هذه الآية إلى أن جزءًا من المعاناة قد يكون بسبب سلوكنا، لكن هذا لا يعني أن كل معاناة هي مجرد عقوبة على ذنب. فكما ذكرنا سابقًا، الكثير من المعاناة هي لغرض الاختبار ورفع الدرجات، ولا تتعلق بالضرورة بالذنوب. ويؤكد الله في القرآن أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" (سورة البقرة، الآية 286). إضافة إلى ذلك، يجب أن ندرك الطبيعة المؤقتة للحياة الدنيا. هذه الدنيا دار فانية ومؤقتة، وأفراحها وأحزانها ليست دائمة. الثواب والعقاب الحقيقي يكمن في الآخرة، حيث ستُنفذ العدالة الإلهية المطلقة بشكل كامل. فالذي تحمل الكثير من المعاناة في الدنيا بصبر وإيمان، سيحصل على أجر عظيم في الآخرة، لدرجة أنه قد يتمنى لو أن معاناته في الدنيا كانت أعظم ليحصد أجرًا أكبر. وعلى العكس من ذلك، فإن من غرق في متع الدنيا المادية وغفل عن ذكر الله، قد يواجه صعوبات لا تعوض في الآخرة. يساعدنا هذا المنظور على رؤية المعاناة الدنيوية ضمن إطار أوسع، وفهم قيمة وأهمية الصبر في مواجهتها. باختصار، إن التباين في مقدار المعاناة والراحة بين البشر في هذا العالم، هو جزء من الخطة الإلهية لاختبار البشرية وتنشئتها وهدايتها. هذه الاختلافات ليست بالضرورة دليلاً على التمييز أو الظلم؛ بل يتم اختبار كل فرد وفقًا لظروفه الخاصة وتقدير الله. يمكن أن تكون المعاناة وسيلة لتطهير الذنوب، ورفع الدرجات الروحية، والتقرب من الله. واجبنا في مواجهة هذه التباينات ليس الشكوى، بل التأمل في الحكمة الإلهية، والتحلي بالصبر، والتعبير عن الشكر على النعم. علاوة على ذلك، تدعونا هذه الاختلافات إلى التعاطف وتقديم المساعدة لمن يعانون أكثر، مما يعزز نمو الفضائل الأخلاقية في المجتمع. في نهاية المطاف، بالإيمان بعدل الله المطلق والثواب والعقاب الحقيقيين في الآخرة، يمكننا أن نجد السلام والرضا في أنفسنا، حتى عند مواجهة أعظم المعاناة. يساعدنا هذا المنظور القرآني على وضع صراعاتنا الخاصة في إطار ذي معنى أوسع، وأيضًا على النظر إلى معاناة الآخرين بتعاطف وفهم أعمق ولعب دورنا في تخفيف آلامهم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

سمعت أن درويشًا حافيًا كان يتألم بشدة من عدم وجود حذاء له، وكان محزونًا لدرجة كاد أن يصرخ من اليأس. ذات يوم، دخل مسجدًا فرأى رجلاً فقد قدميه الاثنتين. سجد الدرويش على الفور شكرًا، وبقلب منكسر وعينين دامعتين، قال: "يا إلهي، ما أرحمك وما أعدلك! كنت أشتكي من عدم وجود حذاء، وهذا المسكين ليس لديه قدمان على الإطلاق!" وهكذا أدرك الدرويش الحكمة الإلهية الخفية، وبدلًا من الشكوى، اختار الشكر ووجد السلام. تعلمنا هذه القصة أننا يجب أن نكون شاكرين دائمًا لما نملك، وأن نرى آلام الآخرين وسيلة لفهم أعمق للحكمة الإلهية وإيجاد السلام الداخلي.

الأسئلة ذات الصلة