ينمو الإيمان بشكل أسرع من خلال المعرفة العميقة، والذكر الدائم لله، والأعمال الصالحة، وتقبل الفضل الإلهي. كلما كان الفرد أكثر اجتهادًا وإخلاصًا في هذا الطريق، كلما ترسخ إيمانه بشكل أسرع وأقوى وأضاء قلبه بنوره.
إن فهم نمو الإيمان في الإنسان هو رحلة روحية عميقة تناولها القرآن الكريم من أبعاد مختلفة. فالقرآن لا يتحدث بشكل مباشر عن 'نمو أسرع' لأفراد معينين، بل يشدد على العوامل والظروف التي كلما سعى إليها الإنسان بجدية وإخلاص أكبر، كلما رسخ إيمانه في قلبه وعمله بشكل أعمق وأكثر استقرارًا، وبمعنى آخر، 'بسرعة' أكبر. هذه السرعة الظاهرية هي في الواقع نتيجة تآزر العوامل الداخلية (مثل الإخلاص والمعرفة) والعوامل الخارجية (مثل الأعمال الصالحة والبيئة). فالحقيقة أن الإيمان ليس مجرد اعتقاد قلبي، بل هو حالة روحية وعملية تزدهر بمرور الوقت ومن خلال تجارب الحياة والتواصل مع الخالق. أحد أهم العوامل في نمو الإيمان هو المعرفة العميقة والتدبر في الآيات الإلهية. فالقرآن يدعو الإنسان مرارًا إلى التفكر في خلق السماوات والأرض، والتدبر في آيات الله في الطبيعة، وفي وجود الإنسان نفسه. هذا التدبر يفتح أبواب القلب على حقائق الوجود ويساعد الإنسان على إدراك عظمة الخالق وقدرته بكل كيانه. وكلما تفكر الإنسان أكثر في هذه الآيات ورآها ليس فقط بالعين المجردة، بل ببصيرة القلب، كلما ترسخت جذور إيمانه. يقول تعالى في سورة آل عمران، الآية 190: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ»، أي: 'إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب'. هذا النوع من التفكر يحول الإيمان من مجرد اعتقاد سطحي إلى يقين عميق لا يتزعزع. عامل آخر هو ذكر الله الدائم. يؤكد القرآن الكريم أن الطمأنينة القلبية والاستقرار الروحي لا يتحققان إلا بذكر الله. يقول تعالى في سورة الرعد، الآية 28: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، أي: 'الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب'. يشمل الذكر تلاوة القرآن، والتسبيح، والتهليل، والاستغفار، وكل عمل يذكر الإنسان بالله. فالذين تتخلل حياتهم ذكر الله يقل تعرضهم للشك والقلق، وتخطو قلوبهم بثبات أكبر في طريق الإيمان. هذا الاستمرار في الذكر هو نوع من التطهير الروحي يزيل العوائق من طريق نمو الإيمان ويسمح للنور الإلهي أن يشع في القلب بسرعة أكبر. العبادة والعمل الصالح يلعبان دورًا حيويًا أيضًا في نمو الإيمان. فالإيمان لا يقتصر على القلب فحسب، بل يجب أن يتجلى في العمل. الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وغيرها من العبادات ليست مجرد واجبات شرعية، بل هي ممارسات لتقوية العلاقة مع الله وتنمية روح التسليم والعبودية. وكلما اجتهد الإنسان في أداء الأعمال الصالحة وأداها بإخلاص، زاد إيمانه قوة. يقول تعالى في سورة العنكبوت، الآية 69: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»، أي: 'والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۚ وإن الله لمع المحسنين'. هذا الجهاد والسعي في سبيل الله، سواء كان في مواجهة العدو الخارجي أو في مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، يؤدي إلى فتح سبل الهداية الإلهية التي تعد عاملًا مسرعًا في نمو الإيمان. فالإيمان الذي يُترجم إلى عمل يحوله من فكرة ذهنية إلى واقع ملموس في الحياة. الصبر والثبات في مواجهة المشاكل والامتحانات من العوامل الهامة الأخرى. فحياة الإنسان دائمًا ما تكون مصحوبة بالتحديات والصعوبات، وكيفية تعامله مع هذه الأمور هي محك إيمانه. فالذين يخرجون من الامتحانات منتصرين بصبرهم وتوكلهم على الله، يزداد إيمانهم قوة. يقول تعالى في سورة البقرة، الآية 153: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»، أي: 'يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ۚ إن الله مع الصابرين'. هذه الآية تبين أن الصبر والصلاة أداتان لتلقي العون الإلهي وتقوية أساس الإيمان في مواجهة الشدائد. وأخيرًا، لا يمكن إغفال التوفيق والفضل الإلهي. فالإيمان هبة من الله، والقلب الأكثر استعدادًا لتلقي هذه الهبة يرى نور الإيمان فيه أسرع. يقول تعالى في سورة الحجرات، الآية 7: «وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ»، أي: 'ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ۚ أولئك هم الراشدون'. هذه الآية تبين أن الله يميل ببعض القلوب إلى الإيمان ويزينه في أعينهم. وهذا التوفيق الإلهي هو بحد ذاته نتيجة لصدق الشخص وإخلاصه واستعداده الداخلي. فالذين يبتعدون عن الأنانية والكبر والعناد، ويطلبون الحقيقة بقلب نقي، ينالون من لطف الله أكثر، ويصبح طريق نمو الإيمان لهم أسهل وأسرع. لذلك، فإن النمو الأسرع للإيمان ليس مؤشرًا على تفوق ذاتي، بل هو نتيجة للجهود المستمرة، والإخلاص في النية، وعمق المعرفة، والمواظبة على العبادة، والصبر في مواجهة الصعاب، والأهم من ذلك، استعداد القلب لتلقي الفضل والتوفيق الإلهي. فمن يسير في هذا الطريق بجدية أكبر، سيشاهد نتائجه في تقوية وتعميق إيمانه بشكل أسرع وأوضح.
يُحكَى أنه في بستان جميل، زُرعت شتلتان صغيرتان جنبًا إلى جنب. إحداهما كان يسقيها البستاني كل يوم بحب وعناية، ويقطع أغصانها اليابسة، ويحميها من الآفات. أما الأخرى، فكانت تُسقى أحيانًا وتُترك أحيانًا أخرى. بعد فترة من الزمن، الشتلة التي كانت تحظى باهتمام وعناية مستمرة، نمت بسرعة وتفرعت وأثمرت قبل الأوان، بينما الشتلة الأخرى كانت تنمو ببطء ولم تُثمر. قال سعدي: 'من كان ثابت القدم في طريق الله، فإن شتلة يقينه تثمر أسرع'. والإيمان كذلك؛ فبالرعاية الدائمة، والجدية في العمل، والري بالذكر والتفكر، يزهر مبكرًا ويؤتي ثماره الحلوة من السكينة والبصيرة.