النفور من العبادة غالبًا ما ينبع من وساوس الشيطان، التعلق بالدنيا، الغفلة عن ذكر الله، وضعف الإيمان. يؤكد القرآن على الذكر، الصبر، الصلاة، وإعادة تقييم الأولويات للتغلب على هذه الحالة وإيجاد الطمأنينة القلبية.
إن الشعور بالنفور أو التردد تجاه العبادة هو تجربة يمر بها الكثير من الناس، حتى المؤمنين، في بعض الأحيان. يمكن أن ينبع هذا الشعور من عوامل مختلفة يشير إليها القرآن الكريم بشكل مباشر وغير مباشر، ويقدم حلولًا للتغلب عليها. إن القرآن يدرك بدقة خبايا الروح البشرية وتحديات طريق العبودية لله. وهو يدعونا إلى فهم أعمق لهذه العقبات حتى نتمكن من العودة إلى ربنا ببصيرة وأمل أكبر. عندما ينشأ هذا الشعور في داخلنا، فإن الخطوة الأولى ليست إنكاره، بل البحث عن جذوره في التعاليم السماوية. أحد أهم الأسباب التي يشير إليها القرآن هو وساوس الشيطان. فالشيطان، العدو اللدود للإنسانية، يستغل كل فرصة لإبعادنا عن ذكر الله وعبادته. إنه يسعى جاهدًا لجعل العبادة تبدو ثقيلة وغير مجدية في أعيننا، ويسلبنا متعتها، ويدفعنا نحو الغفلة والملاهي الدنيوية. يشير القرآن الكريم في آيات عديدة إلى هذا العداء الواضح. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 208، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ». هذه الآية تشير إلى أن اتباع خطوات الشيطان يمكن أن يخرجنا عن مسار العبودية. يمكن لوساوسه أن تحوّل العبادة إلى واجب جاف لا روح فيه، وتطفئ حماسنا. سبب آخر هو الانبهار بالحياة الدنيا وزينتها. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا من أن التعلق المفرط بالمال والأولاد والمكانة وملذات الدنيا الزائلة يمكن أن يصرف الإنسان عن هدفه الأساسي من خلقه، وهو عبادة الله. عندما يصبح كل همّ الإنسان وانشغاله هو الدنيا وملذاتها، فلا يتبقى مكان للأنس بالله والاستمتاع بالعبادة. في سورة التوبة، الآية 38، نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ». هذه الآية توضح بجلاء أن الميل إلى الدنيا والراحة يمكن أن يعيق السير في طريق الله وأداء الواجبات، بما في ذلك العبادات. الغفلة ونسيان ذكر الله هما أيضًا عاملان مهمان. فالقرآن الكريم يصف الغفلة بأنها حالة خطيرة للقلب تجعل الإنسان غير مبالٍ بالآيات الإلهية وعلامات وجود الله، وبالتالي تقل أهمية العبادة بالنسبة له. فالقلب الغافل لا يمكنه إدراك متعة المناجاة مع الرب. في سورة الأعراف، الآية 179، يقول الله تعالى: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا یَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْیُنٌ لَّا یُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا یَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِکَ کَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِکَ هُمُ الْغَافِلُونَ». هذه الآية تشير إلى أن الغفلة يمكن أن تبعد الإنسان عن إدراك الحقائق الإلهية وتدفعه نحو اللامبالاة تجاه العبادة. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ضعف الإيمان وعدم الفهم الصحيح لفلسفة العبادة إلى النفور منها. عندما لا يدرك الإنسان عمق العبادة وجوهرها، ويرى أنها مجرد مجموعة من الأعمال الظاهرية أو واجب إجباري، فمن الطبيعي أن يتجنبها. فالقرآن الكريم يقدم العبادة كوسيلة لراحة القلب، والنمو الروحي، والتقرب إلى الله. فالصلاة والدعاء ليسا عبئًا ثقيلًا، بل هما وسيلتان للمساعدة في مواجهة الصعوبات وإيجاد الطمأنينة. في سورة البقرة، الآية 45، يقول الله تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَکَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ». هذه الآية توضح صراحة أن الصلاة يمكن أن تكون ثقيلة، ولكن ليس على الخاشعين، أي أولئك الذين يتوجهون إلى الله بكل وجودهم ويعرفونه من أعماق قلوبهم. للتغلب على هذه الحالة من النفور، يقدم القرآن حلولًا شاملة: الحل الأول والأهم هو ذكر الله الدائم. فالذكر ليس مجرد تسبيح وتهليل، بل هو تذكر حضور الله الدائم في جميع شؤون الحياة والتأمل في آياته الإلهية. يقول القرآن: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: 28)؛ اطمئنوا، بذكر الله تطمئن القلوب. ذكر الله يحيي القلب ويزيد من حماسة العبادة فيه. ثانيًا، الاستعانة بالصبر والصلاة، كما ورد في الآية 153 من سورة البقرة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ». الصلاة كعمود الدين ومعراج المؤمن، هي مكان للتواصل المباشر مع الخالق، والصبر يساعدنا على الثبات في طريق العبودية. ثالثًا، إعادة تقييم الأولويات وفهم قيمة الآخرة. يجب على الإنسان أن يذكّر نفسه بأن الحياة الدنيا زائلة وفانية وأن الهدف الرئيسي هو الاستعداد للحياة الباقية. رابعًا، تجديد النية والإخلاص. إذا كانت العبادة مجرد أداء لواجب وتخليص للذمة، فستصبح مملة، ولكن إذا كانت بنية خالصة للتقرب إلى الله وشكره، فسيكون لها حلاوة خاصة. خامسًا، التوبة والاستغفار. يمكن للذنوب أن تخلق حجابًا على القلب وتمنع متعة العبادة. تنقية القلب بالتوبة تمهد الطريق للنور الإلهي. وأخيرًا، طلب العلم والتفكر في آيات الله يساعد أيضًا في زيادة البصيرة وعمق الإيمان، ويحوّل العبادة من نشاط سطحي إلى تجربة ذات معنى وممتعة. يدعونا القرآن إلى التدبر في الآيات الآفاقية والأنفسية لإدراك عظمة الخالق، وهذا الإدراك بحد ذاته محفز قوي للعبادة الخالصة. إذن، النفور من العبادة هو علامة للعودة إلى الذات ومراجعة علاقتنا بالله، والقرآن هو دليلنا في هذه العودة. يمكن أن يكون النفور من العبادة بمثابة منبه للنظر بعمق داخل أنفسنا وتحديد العقبات الخفية في المسار الروحي والتغلب عليها. إنها دعوة لتجديد العهد مع الله وإحياء شغف وبهجة العبودية في القلب.
روي أن رجلاً صالحًا قد ابتعد أيامًا عن المسجد والجماعة، وانشغل قلبه بأمور الدنيا. رآه صديق له وسأله: «يا أخي، ما أصابك حتى تبتعد عن مجالسة الأنس مع الله؟» فتنهد الرجل الصالح وقال: «لقد وقع قلبي في شباك الدنيا المخادعة، ونسيت طعم العبادة.» فقال له صديقه بلطف: «تذكر قصة الدراويش الذي ضل في الصحراء. عندما كاد يهلك من العطش، وجد فجأة نبع ماء فشرب منه وارتوى. فتغيرت حاله ونجا من الموت. حالك كذلك؛ فمع أنك ابتعدت لحظة عن نبع الفيض الإلهي، إلا أن هذا النبع يتدفق دائمًا. يكفي أن تشرب منه مرة أخرى لتنتعش روحك. العبادة ماء يغسل غبار القلب ويروي الروح. كلما شعرت بالبعد، تذكر أن الله قريب دائمًا ومشتاق لعودتك.» فأخذ الرجل الصالح بهذه النصيحة وسارع بالعودة إلى القبلة، ومنذ ذلك الحين، انخرط في العبادة بقلب أكثر حماسة.