يشتد الإيمان في الأزمات لأن المصاعب هي أدوات إلهية للاختبار والتنقية وإعادة الإنسان إلى الله. هذه التجارب توقظنا من الغفلة، وتكشف حقيقة الدنيا، وتؤسس للتوكل الخالص على القوة الإلهية.
تعتبر تجربة تقوية الإيمان في أوقات الأزمات ظاهرة إنسانية شائعة ومتأصلة بعمق في التعاليم القرآنية. يعلمنا القرآن الكريم أن الحياة الدنيا هي دار اختبار وابتلاء، وأن الأزمات والصعوبات جزء لا يتجزأ من هذا المسار. يختبر الله تعالى عباده بأنواع مختلفة من الشدائد، وذلك للكشف عن مدى إيمانهم وصبرهم، وأيضاً ليعودوا بقلوبهم إليه ويتحرروا من التعلقات الدنيوية. هذه الأزمات في جوهرها هي فرص لتطهير الروح وتعميق الصلة بالخالق. في أوقات الهدوء والرخاء، قد يغفل الإنسان بسهولة ويبتعد عن ذكر الله. فالثروة، والسلطة، والصحة، والنجاحات الدنيوية يمكن أن تكون حجاباً على القلب، تدفع الإنسان إلى الغرور ونسيان المبدأ والمعاد. في مثل هذه الظروف، يميل اعتماد الإنسان إلى الأسباب والإمكانيات المادية بدلاً من القوة الإلهية اللامتناهية. ولكن عندما تفشل هذه الأسباب ويجد الإنسان نفسه في طريق مسدود، يضطر إلى مد يد العون نحو قوة أعلى. عندها تزال ستائر الغفلة، وتتجه القلوب نحو مصدر القوة والخير المطلق. يشير القرآن الكريم في آيات متعددة إلى أن الإنسان يتذكر الله عند الشدة، لكنه يعرض عنه مرة أخرى بعد زوال البلاء، مما يدل على ميل طبيعي ولكنه يحتاج إلى تصحيح. هذه التجربة الداخلية هي سعي لا واعٍ لإيجاد الملاذ والهدوء وسط العاصفة، وغالباً ما تؤدي إلى العودة إلى الفطرة التوحيدية. إحدى الحكم الإلهية من الابتلاء بالأزمات هي تنقية الإيمان وتصفيته. الإيمان ليس مجرد قول باللسان، بل يجب أن يثبت في العمل وفي الظروف الصعبة أيضاً. تؤكد آيات القرآن بوضوح أن الله لا يترك الذين يدعون الإيمان دون اختبارهم، ليميز الصادق من الكاذب. هذه الاختبارات، مثل الفرن الذي يفصل الشوائب عن الذهب، تكشف الإيمان النقي والخالص. في هذه العملية، يصبر المؤمن الحقيقي أمام الشدائد، ويتوكل توكلاً كاملاً على الله، ويبحث عن الحلول الروحية بدلاً من الشكوى واليأس. هذا النوع من الإيمان هو إيمان راسخ ومتجذر، لا يهتز بأي نسمة، بل يقف أقوى حتى في العواصف. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الأزمات الإنسان على فهم حقيقة الدنيا وزوالها بشكل أفضل. عندما يفقد الإنسان كل شيء أو يصبح معرضاً للخطر، يدرك أن الشيء الوحيد الذي يدوم حقاً هو الذات الأحدية. هذا الفهم العميق يدفع الإنسان إلى معرفة القيم الحقيقية وإعادة تقييم أولوياته في الحياة. ترتفع الصلة بالله والسعي لرضاه من المرتبة الثانية إلى المرتبة الأولى في الأهمية، وتقل التبعية للأمور المادية الزائلة. هذا التحول في النظرة يساهم بشكل كبير في استقرار الإيمان وتقويته. التجربة الشخصية للمساعدة الإلهية في الظروف التي لا يوجد فيها سبيل آخر، تقوي الإيمان بقوة الله ورحمته أضعافاً مضاعفة مقارنة بسماع الآيات والروايات فحسب. من منظور آخر، تعتبر الأزمات فرصاً للاستيقاظ من الغفلة واللجوء إلى التوبة والاستغفار. فكثير منا في حياتنا اليومية، ننشغل بالروتين اليومي ونرتكب الذنوب الصغيرة والكبيرة. وعندما تحدث أزمة، غالباً ما نفكر أن هذا قد يكون نتيجة لأفعالنا، فنعود بتضرع وبكاء إلى الله. هذا العودة والتوبة، بحد ذاتها، عامل مهم في تقوية الإيمان وتطهير الروح. إن الله يحب التوابين ويفتح لهم أبواب رحمته. في الختام، إن تقوية الإيمان في الأزمات يدل على حقيقة أن الله دائماً مع عباده، خاصة في أوج الشدائد. إنه يريد أن يتقرب الناس إليه، وألا يضعوا أملهم في أحد سواه. هذه التجارب المريرة ولكنها تعليمية، تقوي أسس الإيمان وتهيئ الإنسان لمواجهة تحديات أكبر في طريق الكمال. الهدف هو أن يصل المؤمن إلى هذا العمق من الإيمان ليس فقط في الشدائد، بل في الرخاء أيضاً، وأن يكون دائم الذكر والتوكل على الله. في الواقع، تعمل الأزمات كمحفز يسرع عملية النمو الروحي ويوصل الإنسان إلى معرفة حقيقية لنفسه ولربه. لا ينبغي النظر إلى هذه الظاهرة على أنها مجرد رد فعل طارئ، بل يجب استخدامها كدرس حياة للاستمرارية وتعميق الإيمان في جميع الأوقات. فقد أكد الله مراراً في القرآن أنه رقيب على أعمالنا، وأنه يجزي الصابرين والشاكرين أجراً عظيماً.
يُحكى أنه كان في سفينة رجل فارسي لم يرَ براً ولا بحراً. من شدة اضطراب البحر وتلاطمه، صار قلقاً للغاية بحيث لم يهدأ مهما قيل له، ولم يُسمع منه إلا الصراخ والعويل. ضاق الركاب كلهم ذرعاً بحاله. كان هناك رجل حكيم في السفينة فقال: 'إذا سمحتم لي، سأجد حلاً لهذا الرجل.' فأذنوا له. أمر الرجل الحكيم: 'ألقوا هذا الرجل في البحر!' فلما ألقوه في البحر، غطس بضع غطسات وجاهد، لكن لم يُجدِ ذلك نفعاً. ثم أمسكوه بشعر رأسه وأعادوه إلى السفينة. جلس الرجل هادئاً وساكناً، ولم يتكلم ولم يصرخ مرة أخرى. سأل الملك: 'ما الحكمة في هذا الفعل؟' فقال الحكيم: 'لم يكن يعرف قيمة سلامة السفينة إلا عندما رأى بعينيه خطر الغرق.' وهكذا حالنا نحن البشر؛ فبينما نحن في رخاء، قد نكون أقل تذكراً لله، ولكن بمجرد أن تهب عواصف الحياة ونجد أنفسنا في خطر، نعود بكل وجودنا إلى الملاذ الحقيقي الوحيد، وندرك قيمة الإيمان والهدوء. نأمل أن تكون قلوبنا دائماً مطمئنة بذكر الله، سواء في الأزمة أو في الرخاء.