ينبع الخوف من حكم الناس من الحاجات الاجتماعية والعواقب الفورية، بينما يتعلق حكم الله بالآخرة. يعلمنا القرآن أن نخشى الله وحده ونعطي الأولوية لحكمه، فهو القاضي الأسمى والعادل.
الخوف من حكم الناس أكثر من الخوف من حكم الله هو تجربة إنسانية عميقة وشائعة الجذور في عوامل نفسية واجتماعية وحتى روحية. في جوهرها، الإنسان كائن اجتماعي لديه حاجة فطرية للقبول والتأكيد والمكانة في المجتمع. هذه الحاجة الفطرية تدفعنا لاشعورياً إلى إعطاء أهمية خاصة لآراء وردود فعل من حولنا. هنا، أحكام البشر ملموسة، فورية، وتحمل عواقب مباشرة؛ فالمظهر المحتقر، أو الكلمة الساخرة، أو الإقصاء الاجتماعي يمكن أن يؤثر بعمق على نفسية الفرد في اللحظة نفسها، بل ويمكن أن يؤدي إلى فقدان مكانات اجتماعية أو مادية. في المقابل، حكم الله غالباً ما يرتبط بالمستقبل وبالآخرة، وعواقبه، وإن كانت أعظم وأبدية، لا تُختبر في اللحظة الراهنة بشكل ملموس. هذا الفارق الزمني وعدم الملاحظة المباشرة، يجعل العقل البشري يميل أكثر نحو المخاطر الملموسة والأقرب، أي أحكام البشر، ويأخذها بجدية أكبر. القرآن الكريم أشار مراراً إلى هذه المسألة، ويدعو المؤمنين إلى التغلب على هذا الخوف والتركيز على الحكم الإلهي. يقول الله تعالى في سورة الأحزاب، الآية 37: «وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ» (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه). هذه الآية تشير بوضوح إلى هذا الميل البشري وتذكر بأن المصدر الأساسي للخوف والخشية يجب أن يكون الله، لا خلقه. إن الجذر الأصلي لهذه المشكلة يكمن في ضعف التوكل والإيمان الكامل بقدرة الله وعلمه المطلق. عندما لا يدرك الإنسان أن القاضي الحقيقي والنهائي هو الله وحده، وأنه لا توجد قوة أعلى منه، فإنه يتأثر بسهولة بآراء الناس المتقلبة وغير المستقرة. قد يحكم الناس بناءً على الظواهر، أو معلومات ناقصة، أو حتى سوء فهم، لكن الله هو العليم المطلق وهو يعلم جميع الأسرار الخفية والنوايا القلبية. حكمه مبني على العدل المطلق والحكمة اللامتناهية، ولا يشوبه أي خطأ. لذلك، فإن الخوف من حكم الناس يدل على وجود نقص في نظرتنا لأهمية الله وسلطته في حياتنا، مما يدفعنا إلى السعي وراء تأييد الدنيا بدلاً من رضا الله. هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى النفاق والرياء وفقدان السلام الداخلي. من يخاف من حكم الناس قد يتهاون في أداء واجباته الدينية والأخلاقية خشية المذمة أو السخرية. قد يمتنع عن قول الحق أو فعل الخير الذي يخالف التيار السائد في المجتمع، لمجرد الحفاظ على مكانته الاجتماعية أو الخوف من الوصمة. في حين أن الله في القرآن يشجع المؤمنين دائماً على الثبات والاستقامة على طريق الحق، دون الاكتراث بلوم اللائمين (المائدة: 54). للتغلب على هذا الخوف، الحل القرآني هو التعمق في التوحيد ومعرفة صفات الله. فكلما زاد إيمان الإنسان بعظمة الله وقدرته وعلمه وعدله، بدت أحكام البشر في نظره أصغر وأقل أهمية. التذكير الدائم بيوم القيامة والحساب الأخير، الذي لن يجد فيه أحد ناصراً سوى أعماله، يساعد الفرد على تحويل تركيزه من هذا العالم الفاني وآراء الناس المتقلبة إلى الحقيقة الأبدية ورضا الله. في النهاية، يتحقق السلام الحقيقي والاطمئنان القلبي عندما يهدف الإنسان فقط إلى رضا خالقه ويتحرر من أحكام مخلوقاته. هذه الحرية من قيود آراء الناس تمكن الفرد من العيش بشجاعة وصدق، بناءً على المبادئ الإلهية، والبقاء ثابتاً على طريق الحق. مثل هذا الشخص، بالاعتماد على الله، لا ينتشي بالمدح ولا يجزع من الذم. إنه يعلم أن القاضي النهائي ليس سوى الرب المتعال، وأن حكمه هو الوحيد الذي يحمل الأهمية الحقيقية والأبدية.
في بستان سعدي، يُحكى أن ملكاً كان يستشير وزيراً حكيماً. في أحد الأيام، قرر الملك أن يقوم بعمل بدا غير مستحسن في نظر الناس العاديين، ولكنه في الحقيقة كان يحمل خيراً عظيماً للرعية. بدأ الناس بالهمس والانتقاد، وأصبح الملك مضطرباً من لومهم. ابتسم الوزير وقال: «أيها الملك، إذا كنت ستظل قلقاً بشأن ما يقوله الناس وما يعتقدونه، فلن تجد السلام أبداً. حكم الناس كالريح؛ لحظة يأتي من الشرق، ولحظة من الغرب. انشغل بما هو مقبول عند الله ومفيد في الدار الآخرة. رضا الخالق أفضل من رضا المخلوقين، لأن رضا الخلق فانٍ ورضا الخالق باقٍ.» أخذ الملك هذه النصيحة وعلم أن القاضي الحقيقي والأبدي هو الرب القدير، وليس آراء عباده المتقلبة.