ينمو إيمان بعض الناس بسرعة بسبب انفتاح قلوبهم واستعدادها، وتدبرهم للقرآن، وذكرهم الدائم لله، وجهادهم في سبيله، وإخلاص نيتهم، وكل هذا بفضل الله.
الإيمان، ذلك الشعور الداخلي العميق والارتباط القلبي بالله، ليس شيئًا ثابتًا أو جامدًا؛ بل هو كالبذرة التي تُزرع في تربة قلب الإنسان، ومع العناية والسقاية ونور الهداية الإلهية، يمكن أن ينمو ويتحول إلى شجرة باسقة. أما سبب نمو إيمان بعض الأشخاص بهذه السرعة الملحوظة، فهو موضوع يشير إليه القرآن الكريم إشارات دقيقة ومعبرة. هذا النمو السريع لا يرجع فقط إلى فضل الله ورحمته، بل يعتمد أيضًا على مدى استعداد القلب، والجهد الفردي، ونوعية التفاعل مع الآيات الإلهية. أولاً، يمكن القول إن سرعة نمو الإيمان تعود إلى "انفتاح واستعداد القلب". القلوب الطاهرة المستعدة لاستقبال الحقيقة تمتص كلام الحق بسرعة أكبر. يشير القرآن الكريم إلى أن الله يهدي من يشاء ويرى أنه يستحق الهداية. في سورة الأنعام الآية ١٢٥ نقرأ: «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ»؛ أي: "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام". هذا الانشراح الصدري يعني الاستعداد الداخلي لتقبل نور الإيمان، والتحرر من حجب الغفلة والتعصب. بعض الأشخاص، إما منذ البداية أو في مرحلة معينة من حياتهم، يمتلكون قلوبًا كهذه تستجيب بسرعة للرسالة الإلهية. ثانيًا، يلعب "تلاوة آيات القرآن وتدبرها" دورًا محوريًا في تسريع نمو الإيمان. فالقرآن ليس مجرد كتاب قوانين جاف، بل هو كلام الله الحيّ والنوراني الذي يؤثر تأثيرًا عميقًا في القلوب المستعدة. في سورة الأنفال الآية ٢ ورد: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»؛ أي: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون". هذه الآية تبين بوضوح أن تلاوة القرآن والتأمل فيه لا يزيد الإيمان فحسب، بل يمكن أن يجعل هذا الزيادة متسارعة، لأن القلب المستعد يتأثر بسرعة بالحقيقة القرآنية ويدرك أعماق معانيها. ثالثًا، يعتبر "ذكر الله الدائم" عاملاً آخر يسهم في النمو السريع للإيمان. ذكر الله يعني حضور الله الدائم في الذهن والقلب. هذا التذكير المستمر يمنح القلب الطمأنينة ويقوي العلاقة بين العبد وخالقه. في سورة الرعد الآية ٢٨ نقرأ: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»؛ أي: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب". هذه الطمأنينة واليقين القلبي يوفران أساسًا متينًا لنمو سريع وعميق للإيمان. فعندما يرتوي القلب بذكر الله، يزول كل شك، ويتجذر الإيمان فيه بسرعة مذهلة. رابعًا، "الجهاد والمجاهدة في سبيل الله" والعمل بتعاليم الدين يقويان الإيمان بسرعة أيضًا. الإيمان ليس مجرد اعتقاد ذهني، بل يجب أن يتجلى في العمل. فكلما سار الإنسان أكثر في طريق الحق وأدى الأعمال الصالحة، أصبح إيمانه أقوى وأرسخ. يقول القرآن الكريم في سورة العنكبوت الآية ٦٩: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»؛ أي: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين". هذا الجهاد يشمل الصبر على المشقات، والثبات أمام المغريات، والسعي لأداء الواجبات وترك المحرمات. والذين يخطون في هذا الطريق بإخلاص وجدية، ينالون جزاء الهداية الأكبر والنمو الأسرع للإيمان. خامسًا، "الإخلاص في النية وصفاء القلب" من العوامل الرئيسية الأخرى. فعندما تكون نية الإنسان خالصة لوجه الله تعالى، بعيدًا عن أي رياء أو تفاخر، فإن الله يخص هذا القلب بعناية خاصة. الإخلاص يفتح أبواب القلب أمام الحكمة والنور الإلهي. فالذين يترافق إيمانهم بالإخلاص، يختبرون اتصالًا أعمق وأسرع بحقائق الإيمان، لأنه لا يوجد أي عائق من هوى النفس أو الأغراض الدنيوية يحول دون هذا الاتصال. في الختام، إن هذا النمو السريع للإيمان هو نتيجة لفضل الله ورحمته الواسعة على أولئك الذين أعدوا الأرضية في وجودهم. فالله يساعد كل من يتوجه إليه بصدق وشوق أن يقطع هذا الطريق بسرعة أكبر. الإيمان رحلة داخلية لكل فرد، وسرعة هذه الرحلة تعتمد على مدى الجدية والصدق والتوفيق الإلهي. قد يجد بعض الأفراد، بسبب تجارب حياتية خاصة، أو مواجهة آيات إلهية، أو التواجد في بيئات روحانية، أن أبواب قلوبهم تنفتح فجأة، وينمو الإيمان فيهم بسرعة البرق. هذه العملية تتشابك دائمًا مع الهداية الإلهية والإرادة البشرية. في الواقع، يمكن اعتبار النمو السريع للإيمان بمثابة هدية إلهية تُمنح لأولئك المستعدين والشوقين لاستقبالها، والذين يخطون بكل كيانهم نحو نور الهداية الإلهية.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك رجل يعيش في الجبال، قلبه بعيد عن صخب الدنيا وأهلها، ولكنه كان يمتلك قلبًا منفتحًا يبحث عن الحقيقة. ذات يوم، كان يسير في طريق فصادف مجموعة من أهل المعرفة. كان أحد الشيوخ الكبار يعظ، ويتحدث عن حقيقة الوجود وفضل الله اللامحدود. الرجل الجبلي، الذي لم يسمع مثل هذا الكلام من قبل، كان يشعر مع كل كلمة تخرج من فم ذلك الشيخ وكأن حجابًا يُرفع من أمام عين قلبه. انفتح قلبه بسرعة، وتجمعت الدموع في عينيه، وفي تلك اللحظة، كأنه اختبر سنوات من العبادة والمعرفة في لمحة واحدة. وقرر في الحال أن يقضي بقية عمره في ذكر الحق وعبادته. هذا يظهر كيف أن القلب المستعد والمشتاق يمكن أن يمتص نور الإيمان بسرعة لا تصدق، ويغير مسار الحياة فجأة، لأن اللطف الإلهي أقرب إلى القلوب النقية.