لماذا يؤكد القرآن أن 'بذكر الله تطمئن القلوب'؟

يؤكد القرآن أن ذكر الله يطمئن القلوب لأنه الرفيع الأبدي الوحيد، ويوجه العقل بعيداً عن المادية نحو الغاية السامية من الخلق. هذا الذكر يغرس شعوراً بالأمان والاستسلام والصبر، وهي الجذور الأساسية للسلام الداخلي.

إجابة القرآن

لماذا يؤكد القرآن أن 'بذكر الله تطمئن القلوب'؟

يتناول القرآن الكريم في آيات متعددة وبشكل عميق ومُشبع موضوع طمأنينة القلوب ودور ذكر الله في تحقيقها. الآية المشهورة من سورة الرعد، الآية 28، تنص بوضوح تام: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»؛ أي «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب». هذه الآية لا تعبر فقط عن حقيقة إلهية، بل تقدم وصفة شافية لروح الإنسان المعاصر القلقة دائماً. لفهم أعمق لهذا التأكيد، من الضروري تناول الأبعاد المختلفة لعلاقة الإنسان بخالقه وتأثيراتها على وجوده. أحد أهم الأسباب التي تجعل ذكر الله باعثاً على الطمأنينة هو شعور الارتباط واللجوء الذي يخلقه في قلب المؤمن. الإنسان بطبعه كائن محتاج وفانٍ، وغالباً ما يشعر بالضعف والضآلة أمام عظمة الكون وتعقيدات الحياة. قد تدفع مواجهة المشاكل والتحديات والمعاناة اليومية الإنسان بسهولة إلى دوامة القلق واليأس. ولكن عندما يتذكر الإنسان الله، يتذكر قوة لا متناهية وحكمة لا مثيل لها، هو الخالق والمدبر لكل شيء. هذا التذكر يمنح الإنسان الطمأنينة بأنه ليس وحيداً، وأن له سنداً قوياً وأبدياً. شعور بأن «الله يرى ويعلم ويقدر» يرفع عبء الهموم الثقيل عن كاهل الإنسان، ويحل محله شعور بالأمان والأمل. هذا الشعور باللجوء إلى قوة لا متناهية يمنح الإنسان القدرة على مواجهة الصعاب بهدوء أكبر، لأنه يعلم أن النتيجة النهائية لجميع الأمور بيد الله، وأن الخير والحكمة كامنان فيها. سبب آخر هو تغيير نظرة الإنسان للحياة وموقفه منها. ذكر الله يبعد الذهن عن الماديات والتعلقات الدنيوية التي غالباً ما تكون مصدراً للقلق والاضطراب، ويوجهه نحو الحقائق السامية والروحية. عندما ينغمس الإنسان في شؤون الحياة اليومية والتنافسات الدنيوية، قد يقع في حلقة لا نهائية من الطمع والحسد والضغينة. هذه المشاعر هي بحد ذاتها الجذور الأساسية للاضطرابات الداخلية. لكن ذكر الله يذكر الإنسان بالهدف الأساسي من خلقه: العبودية لله والتقرب منه. بالتركيز على هذا الهدف السامي، يمكن للإنسان أن يتحرر من قيود التعلقات المادية ويصل إلى سلام عميق لا يتأثر بالتقلبات الخارجية. هذا السلام هو سلام داخلي ينبع من معرفة مكانة الإنسان الحقيقية في الوجود وارتباطه بخالق الكون. يدرك الإنسان أن قيمته الحقيقية ليست فيما يجمعه، بل في العلاقة التي يقيمها مع خالقه. وكذلك، ذكر الله يعني قبول القضاء والقدر الإلهي والاستسلام لإرادته. في عالم تكون فيه العديد من الأحداث خارج سيطرتنا، فإن محاولة السيطرة على كل شيء تؤدي فقط إلى القلق والتوتر. ذكر الله والتوكل عليه يعلم الإنسان أنه يجب تسليم بعض الأمور لتدبيره وإرادته الإلهية. هذا الاستسلام لا يعني التخلي عن الجهد، بل يعني بذل كل جهد ممكن ثم تفويض النتيجة إلى الله براحة بال. هذه الحالة الروحية تحرر الإنسان من المخاوف غير الضرورية بشأن المستقبل وتسمح له بالعيش في الحاضر وتقدير النعم الموجودة. هذه النظرة تجعل الإنسان لا ييأس عند الفشل ولا يتكبر عند النجاح، لأنه يرى كل ذلك من فضل الله. من الناحية النفسية، يمكن أن يكون الذكر بمثابة تمرين مستمر للعقل يبقيه بعيدًا عن الأفكار السلبية والمقلقة. على غرار التأمل في التقاليد الأخرى، فإن ذكر الله (بما في ذلك الصلاة، وتلاوة القرآن، والتسبيحات، والتفكر في آيات الله) يساعد على تركيز العقل وتقليل الأنشطة الدماغية المرتبطة بالقلق. إن تكرار الكلمات المقدسة والمفاهيم الإلهية يضبط موجات الدماغ باتجاه الهدوء ويساعد على إفراز الهرمونات المرتبطة بالرفاهية. علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد ذكر الله الإنسان في تنمية الفضائل الأخلاقية مثل الصبر والشكر والعفو واللطف. هذه الفضائل بحد ذاتها هي عوامل رئيسية للسعادة والسلام الداخلي. فالإنسان الصبور يتحمل المشاكل، والإنسان الشاكر يتمتع بالنعم الإلهية. هذه الصفات تساهم بشكل مباشر في تقليل التوتر وزيادة الرضا عن الحياة. في الختام، يشير هذا التأكيد القرآني إلى حقيقة أساسية حول بنية وجود الإنسان: قلب الإنسان هو مركز إيمانه وإدراكه الروحي. ولا شيء سوى ما قدره الخالق له يمكن أن يرويه ويطمئنه. ذكر الله يشبه الماء العذب الذي يروي عطش الروح. في عالم اليوم الصاخب الذي يتعرض فيه البشر للتوتر والاكتئاب أكثر من أي وقت مضى، يعد هذا التعليم القرآني نورًا هاديًا لإيجاد سلام دائم. هذا السلام هو هبة إلهية لا يتحقق إلا باللجوء الصادق إلى ذكره. إذن، كلما تذكر الإنسان الله أكثر ورأى حياته متصلة به في كل لحظة، شعر بقدر أكبر من الطمأنينة والهدوء في قلبه، وتحرر من الاضطرابات الداخلية والخارجية. هذا التذكر المستمر لا يمنع الغفلة والطغيان في أوقات الشدة فحسب، بل أيضًا في ذروة النجاحات، ويبقي الإنسان على المسار الصحيح والإلهي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في گلستان سعدي أن ملكًا عادلاً، ذات ليلة، لم يتمكن من النوم من شدة الهم والغم. فسأل الوزير الحكيم، الذي رأى حالة الملك المضطربة: «أيها الملك، ما الذي حدث حتى أصبح قلبك مضطربًا هكذا؟» أجاب الملك: «من كثرة شؤون المملكة وهمومها، قلبي لا يجد راحة، وقد هجر النوم عيني.» فابتسم الوزير وقال: «أيها الملك، القلب كمرآة، إذا اجتمع عليها الغبار، فإن الصدأ سيعلوها، ولن ينعكس نور الحقيقة فيها. هذا العالم فانٍ، وكل ما فيه زائل. كلما قمت بتجلية القلب بذكر الحق تعالى والتوكل عليه، سترى كيف ينزل الهدوء على روحك كنسيم الربيع، ويعود النوم اللذيذ إلى عينيك. فكما أن القلب الذي يغفل عن ذكر الله يغلبه الهم والحزن، فإن القلب الذي يذكره دائمًا لن يضطرب أبدًا.» أخذ الملك بنصيحة الوزير، ومع ذكر الله والتوكل عليه، اطمأن قلبه وغط في نوم عميق ولذيذ. فكم من القلوب التي تتجول في البحث عن السلام وتغفل عن نبع ذكر الله الصافي!

الأسئلة ذات الصلة