لماذا لا أستمتع بترك المعاصي؟

عدم الاستمتاع بترك المعصية ينبع من التعلقات النفسية والعادات. اللذة الحقيقية والدائمة تتحقق في طاعة الله، وتطهير القلب، وبلوغ الطمأنينة الداخلية بذكر الله والصبر.

إجابة القرآن

لماذا لا أستمتع بترك المعاصي؟

«لماذا لا أستمتع بترك المعاصي؟» هذا سؤال عميق ومليء بالتحديات يواجهه العديد من الأفراد في رحلتهم الروحية. ظاهريًا، قد توفر المعاصي لذة فورية وخادعة، لكن هذه اللذة سطحية وعابرة، وغالبًا ما تكون مصحوبة بالندم والقلق. القرآن الكريم لا يجيب مباشرة عن سؤال «لماذا لا أستمتع بترك المعاصي؟» بطريقة وصفية، بل يوضح طبيعة المعصية، وعواقبها، والمسار المؤدي إلى السعادة الحقيقية والطمأنينة الداخلية. غالبًا ما ينبع عدم الشعور بالمتعة عند ترك المعصية من التعلقات النفسية، والعادات الراسخة، ووساوس الشيطان الذي يزين لذات المعصية الظاهرة في عين الإنسان ويخفي قبح حقيقتها. وهذا ناتج عن انحراف في الذوق الروحي، يتكون بفعل تكرار الأخطاء والابتعاد عن الفطرة الإنسانية النقية. يعلمنا القرآن أن النفس البشرية لها أبعاد مختلفة. على مستوى واحد، هناك «النفس الأمارة بالسوء» التي تدفع الإنسان نحو الشرور والشهوات. وهذا هو الجانب الذي قد يميل إلى المعصية ويجعل التخلي عنها صعبًا أو غير مستساغ في البداية. اللذات المادية والحيوانية، التي غالبًا ما ترتبط بها المعاصي، تنبع من هذا البعد من النفس. ولكن على المستويات الأعلى، توجد «النفس اللوامة» (التي تلوم نفسها) و«النفس المطمئنة» (النفس الهادئة المطمئنة). الوصول إلى مرحلة النفس المطمئنة، حيث يجد الإنسان السلام بذكر الله ويستمتع بطاعته، يتطلب جهادًا مستمرًا وتطهير النفس من دنس المعاصي. هذا المسار هو مسار تدريجي يؤتي ثماره بالصبر والثبات. مجاهدة النفس واكتساب اللذات الدائمة يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على ضرورة مجاهدة النفس والابتعاد عن أهوائها. الشيطان دائمًا في كمين ليجعل المعصية تبدو جذابة في نظر الإنسان وليحرفه عن الطريق المستقيم. وهذا بالضبط ما يجعل ترك المعصية يبدو صعبًا في البداية ولماذا قد لا يشعر المرء بالمتعة فيه. لكن اللذة الحقيقية والدائمة تكمن في طاعة الله وتطهير القلب. هذه اللذة ليست من النوع المادي أو الحيواني؛ بل هي طمأنينة داخلية، ورضا عميق، وشعور بالسكينة لا يمكن تحقيقه إلا بالاتصال بمصدر الوجود، وهو الله تعالى. هذه الطمأنينة لا تقارن بأي لذة دنيوية، وكلما زاد الإنسان منها، ازداد كراهية للمعاصي. في سورة الرعد (الآية 28)، يقول الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». هذه الآية تشير بوضوح إلى أن السلام الحقيقي واللذة في قلب الإنسان لا تتحقق من خلال المعصية، بل من خلال ذكر الله. وترك المعصية هو خطوة أساسية نحو تطهير القلب وإعداده لاستقبال هذا الطمأنينة الإلهية. وهذا السلام هو جزاء إلهي دنيوي لمن يبتعد عن المعاصي. عملية التطهير وتغيير الذوق الروحي قد يشعر المرء في البداية، بأن ترك المعصية أشبه بالتخلي عن عادة حلوة اعتاد عليها الجسم، مثل طفل اعتاد على الحلويات الضارة ولا يستمتع في البداية بالفواكه الصحية. ولكن بمرور الوقت والاستمرار في ترك المعاصي وفعل الخيرات، يتغير الذوق الروحي للإنسان. يصبح القلب أكثر إشراقًا ويكتسب القدرة على إدراك اللذات الأعلى والأعمق. وهذا ما يشير إليه القرآن بـ«الفلاح» و«تزكية النفس». هذا التغيير في الذوق يدل على النمو والنضج الروحي. في سورة الشمس (الآيات 9-10)، جاء: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا». هذه الآيات تعلن صراحة أن الفلاح والنجاح الحقيقي يكمن في تزكية النفس. وهذا التزكية يشمل الابتعاد عن الذنوب وتزيين النفس بالفضائل الأخلاقية. وعلى الرغم من أن هذا المسار قد يكون مصحوبًا في البداية بصعوبات وعدم وجود متعة محسوسة، إلا أن نتيجته النهائية هي الفلاح واللذة الأبدية التي تؤدي في النهاية إلى رضا الله تعالى. نظرة القرآن إلى اللذات الدنيوية والأخروية لا ينكر القرآن اللذات الدنيوية، لكنه يعتبرها عابرة وفانية. في المقابل، يعتبر لذات الآخرة واللذات الروحية خالدة وأسمى. ترتبط المعاصي عمومًا باللذات المادية الفانية التي تحرم الإنسان من لذات أكثر استدامة وروحانية. عندما يتخلى الإنسان عن معصية، فإنه في الواقع يختار لذة أعظم وأبدية بدلاً من لذة أصغر وفانية. قد يكون هذا الاختيار صعبًا في البداية لأن النفس تميل إلى الإشباع الفوري والأسهل، وتفتقر إلى القدرة على رؤية الآفاق الأبعد. علاوة على ذلك، يجب ملاحظة أن الشيطان لا يكتفي بالوسوسة بالمعصية فحسب، بل يحاول أيضًا تثبيط البشر عن فعل الخيرات وسلب شعورهم بالمتعة الداخلية. لذلك، يمكن أن يكون شعور عدم الاستمتاع بترك المعصية جزءًا من الوساوس الشيطانية التي تهدف إلى إعادة الإنسان إلى المعصية. ويذكر القرآن مرارًا عداوة الشيطان للبشرية وينصح الأفراد باعتباره عدوًا لهم ومقاومة وساوسه. دور الصبر والصلاة والاستغفار للتغلب على المرحلة التي لا يكون فيها ترك المعصية ممتعًا، يقدم القرآن حلولًا: 1. الصبر والمثابرة: ترك المعصية يتطلب صبرًا وثباتًا. مثل الرياضي الذي يجب أن يتحمل ألم وصعوبة التدريب ليحقق متعة الصحة والقوة. هذا الصبر هو رأسمال الإنسان في طريق العبودية. 2. الصلاة وذكر الله: الصلاة هي اتصال مباشر بالله وتقوي الروح. ذكر الله يجلب الطمأنينة للقلب ويذكر الإنسان بالغرض الحقيقي من الحياة. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (سورة البقرة، الآية 153: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). هذان الأداتان القويتان توفران القوة الروحية اللازمة للتغلب على الوساوس. 3. الاستغفار والتوبة: الندم على الذنوب الماضية والعودة إلى الله يفتح بابًا للرحمة الإلهية وتطهير الروح. التوبة الصادقة تزيل الشعور بالذنب وتخلق أرضية خصبة لتجربة المتعة في الطاعة. كل توبة هي ولادة جديدة. 4. التفكير في عواقب المعصية وجزاء الطاعة: التأمل في العواقب السلبية للمعصية في الدنيا والآخرة، وكذلك المكافآت الإلهية العظيمة للمتقين، يمكن أن يقوي الدافع لترك المعصية ويكشف عن لذتها الروحية. هذا التأمل يغير نظرة الإنسان للقيم والأولويات. في النهاية، يتم تحقيق الاستمتاع الحقيقي بترك المعصية عندما يفهم الإنسان بعمق مفهوم «القرب الإلهي» ويدرك أن كل خطوة يبتعد فيها عن المعصية هي خطوة أقرب إلى الله والكمال الإنساني. هذه اللذة لا تتجلى فقط في السلام الداخلي والرضا الإلهي، بل تجلب أيضًا بركات وخيرات وفيرة في الحياة الدنيوية. نقاء القلب، وضوح الرؤية، ونور داخلي يقوي الإنسان ضد ظلمات المعصية، هي من بين هذه البركات. وبمواصلة السير في طريق الطهارة، يصل الإنسان إلى مرحلة لا يعاني فيها من ترك المعصية فحسب، بل يصبح ترك المعصية نفسه مصدرًا للمتعة والفرح، لأن قلبه يتزين بنور الإيمان والطهارة. هذه الرحلة لا تتحقق بين عشية وضحاها؛ بل تتطلب ثباتًا وإرادة واعتمادًا على الله. في كل مرة تُترك معصية، تفتح نافذة من النور إلى القلب، وتدريجيًا، يمتلئ كيان الإنسان كله ببهجة العبودية والقرب من الله، ويدرك المعنى الحقيقي للحياة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن ملكًا سأل درويشًا: «كيف لي أن أكون حزينًا دائمًا بكل هذا الثراء والسلطة، بينما أنت بفقرك وعدم امتلاكك شيئًا، سعيد دائمًا؟» ابتسم الدرويش وقال: «يا ملك! لقد علقت قلبك بالدنيا وتزيد من ممتلكاتك يومًا بعد يوم، ولهذا السبب، لا يفارقك خوف الفقدان وحسرة عدم الامتلاك. أما أنا فقد فصمت قلبي عن الدنيا وراضٍ بما لدي. لذتي تكمن في الاستغناء عن الخلق والقرب من الحق (الله). فكلما جمعت أكثر، تورطت أكثر، أما أنا فكلما تركت أكثر، تحررت أكثر.» فكر الملك في كلام الدرويش وأدرك أن اللذة الحقيقية تكمن في التحرر من القيود والتعلقات، لا في زيادتها.

الأسئلة ذات الصلة