قد ينبع عدم الشعور بالخفة في العبادة من نقص الإخلاص، أو غياب الخشوع، أو عدم تطابق العبادة مع السلوك اليومي. لتحقيق هذا الشعور، يجب التركيز على الجودة الداخلية للعبادة وتطهير القلب من التعلقات الدنيوية والذنوب.
إن تجربة عدم الشعور بالخفة والراحة الروحية على الرغم من العبادة المستمرة هي شاغل عميق وشائع. وهي لا تتعلق بكمية العبادة بقدر ما تتعلق بجودتها والحالة الداخلية للمتعبد. يؤكد القرآن الكريم وتعاليم الإسلام أن العبادة (العبادة) هي أكثر بكثير من مجرد حركات جسدية أو تلاوات لفظية؛ إنها رحلة داخلية عميقة، واتصال قلبي، وعملية تحول روحي. إذا ظلت هذه الخفة المنشودة بعيدة المنال، فإن ذلك غالبًا ما يشير إلى وجود حواجز تعيق هذا الاتصال الروحي الأساسي. أحد الأسباب الرئيسية لغياب هذه الخفة يمكن أن يكون نقص "الإخلاص". يذكر القرآن صراحة أن العبادة يجب أن تُؤدَّى خالصة لوجه الله، متحررة من أي دوافع أخرى. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ..." إذا اختلطت عباداتنا بنوايا أخرى – مثل السعي إلى مدح الناس، أو تلبية التوقعات الاجتماعية، أو حتى مجرد السعي وراء المنافع الدنيوية دون إخلاص حقيقي للرضا الإلهي – فإن حجبًا تتكون بيننا وبين النور الإلهي، مما يمنع تجربة الخفة الروحية والسلام. الإخلاص هو الجوهر الذي يحول العبادة من حركة جسدية إلى صعود روحي. عندما يسجد الإنسان بصدق أمام ربه، يشعر بحرية من تعلقات الدنيا وتبعياتها، وهذا هو جوهر الخفة الروحية. العامل الثاني الحاسم هو غياب "الخشوع وحضور القلب". في سورة المؤمنون، الآية 2، يقول الله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ". يشير الخشوع إلى حالة من التواضع العميق، والتركيز التام، والاهتمام الكامل للقلب تجاه الخالق أثناء العبادة. إذا كانت عقولنا، أثناء الصلاة أو الذكر، مشغولة بالهموم اليومية، أو المخاوف، أو الرغبات الدنيوية، فلا يمكن إقامة اتصال روحي عميق. في مثل هذه الحالات، تصبح العبادة عادة ميكانيكية، رغم أنها تفي بواجب ديني، إلا أنها تفشل في تغذية الروح. لتحقيق الخشوع، من الضروري تطهير العقل من المشتتات قبل الشروع في العبادة، وفهم معاني الكلمات المتلوة، وتخيل المرء نفسه واقفًا أمام الله عز وجل. هذه ممارسة مستمرة تتطلب الصبر والجهد المركز. عامل ثالث مهم يؤثر على الشعور بالخفة هو "تطابق العبادة مع الحياة اليومية". يوضح القرآن، في سورة العنكبوت، الآية 45: "...إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ". إذا لم تمنعنا صلواتنا من الذنوب والسلوك غير الأخلاقي، أو إذا لم يؤد صيامنا إلى تهذيب النفس والامتناع عن الكذب والغيبة، فإن ذلك يعني أن هذه العبادات فشلت في أداء دورها التحولي والتربوي. تتحقق الخفة الروحية عندما يشعر الشخص أن أعماله العبادية قد حولته إلى إنسان أفضل، وأكثر لطفًا، وعدلاً، وصبرًا. وبالتالي، قد يشير غياب الخفة إلى انفصال بين الأفعال التعبدية والسلوك الأخلاقي في حياة المرء. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون "التعلق المفرط بأمور الدنيا وانشغالاتها" عائقًا كبيرًا أمام الشعور بالخفة الروحية. فعندما يكون قلب الإنسان مرتبطًا بشدة بالثروة والمكانة والشهرة والمخاوف الدنيوية، فإنه يصبح ثقيلاً للغاية. يشير القرآن، في آيات عديدة، إلى طبيعة الدنيا الفانية وطبيعة الآخرة الأبدية، مشجعًا البشرية على التحرر من القيود المادية. في سورة الرعد، الآية 28، يقول: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". لا يمكن تحقيق هذا السلام والخفة حقًا إلا عندما تتضاءل التعلقات الدنيوية، ويصبح ذكر الله هو المحور الرئيسي لحياة المرء. "عبء الذنوب والمعاصي" يثقل القلب أيضًا. فالذنوب تعمل كحجب تمنع اتصالاً واضحًا ومباشرًا بالله. سيستمر شعور الذنب والثقل حتى تتم التوبة الصادقة والاستغفار. التوبة، التي تتضمن عودة صادقة إلى الله وعزمًا ثابتًا على ترك الذنوب، تطهر الروح وتحرر الإنسان من العبء الثقيل لمعاصيه. لتحقيق هذه الخفة والسكينة الروحية، يجب أن نسعى جاهدين لتحويل عباداتنا من مجرد واجبات إلى علاقة حب مع الله. بتجديد النوايا بصدق في كل عمل، وبالسعي إلى حضور القلب في الصلاة والذكر، وبالفهم العميق لمعاني الآيات والأدعية، وبالسماح لعباداتنا بأن تصبح الركائز الأخلاقية لحياتنا، وبالتخلي التدريجي عن التعلقات الدنيوية غير المبررة، يمكننا تعميق هذه الرحلة الروحية. هذه عملية تدريجية تتطلب الصبر والمثابرة والتوكل على الله. كل خطوة صغيرة تُتخذ في طريق الإخلاص والحضور ستفتح بابًا جديدًا نحو النور والخفة الروحية.
في سالف الزمان، كان هناك رجل صالح يواظب على العبادة والطاعات بجد: يؤدي صلواته في أوقاتها، ويصوم صيامه، ويتصدق بمال كثير. ولكن على الرغم من كل هذا الاجتهاد، كان قلبه ثقيلاً، ولم يجد في نفسه السكينة والخفة التي كان يسمع عنها من الصالحين. وذات يوم، ذهب إلى شيخ حكيم، وقال له بأسى عميق: "يا شيخنا العالم، لقد قضيت عمري في عبادة الحق تعالى، ولم أترك عبادة إلا وأدّيتها، ولكن قلبي لا يزال أسير القلق، ولا أذوق طعم الطمأنينة الحقيقية. فماذا أفعل لأزيل هذا الثقل عن روحي؟" فأجاب الشيخ الحكيم بابتسامة دافئة ونظرة حنونة: "يا بني، لقد بنيت سفينة عبادتك بإتقان، ورفعت أشرعتها باسم الحق، ولكن هل طردت منها الحمولة الزائدة التي تثقل قلبك؟ فالحسد والحقد والجشع والخوف من فقدان الدنيا، هي كالحجارة التي تمنع سفينة القلب من الإبحار بخفة، حتى لو هبت الرياح مواتية. العبادة ليست مجرد ركوع وسجود؛ العبادة الحقيقية هي تطهير القلب من كل ما يجذبه إلى الهاوية. وعندما يتخلص القلب من هذه الأعباء الزائدة، فإن عبادتك لن تحملَكَ إلى السماء فحسب، بل إلى رياض الطمأنينة الإلهية." أخذ الرجل الصالح بنصيحة الشيخ، وبدأ في تهذيب نفسه؛ فأزال الأحقاد من قلبه، وكبح جماح طمعه، ونظر إلى الدنيا بعين العابر. ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبح قلبه خفيفًا، ووجد في نفسه السكينة والخفة التي طالما بحث عنها.