لماذا أتوكل على الله عندما يصبح كل شيء صعبًا؟

حتى في أشد الصعوبات، التوكل على الله يجلب السكينة والقوة، فهو العليم، القدير، والكافي. هذا التوكل يعني بذل الجهد ثم تسليم النتيجة للحكمة الإلهية.

إجابة القرآن

لماذا أتوكل على الله عندما يصبح كل شيء صعبًا؟

في لحظات الحياة التي تحيط بنا فيها المشاكل والصعوبات ونشعر أننا في طريق مسدود، قد يتبادر هذا السؤال إلى أذهاننا: لماذا أتوكل على الله وقد اشتدت بي الأمور؟ هذا السؤال طبيعي وإنساني تماماً، ففي أوج المحن، يصبح الأفق غامضاً أحياناً وتتسارع نبضات القلوب. ولكن في تعاليم القرآن الكريم، التوكل على الله ليس مجرد توصية أخلاقية، بل هو ركن متين للسكينة والثبات والنجاح في الحياة، خاصة في الأوقات العصيبة. يدعو القرآن المؤمنين مراراً وتكراراً إلى التوكل، مقدماً هذا المبدأ ليس فقط سبيلاً للخروج من المشاكل، بل أساساً للرؤية الكونية التوحيدية. السبب الأول والأهم للتوكل على الله هو إدراك عظمته وقدرته اللامتناهية. فالله تعالى خالق السماوات والأرض؛ هو عليم بكل شيء وقادر على كل شيء. بينما معرفة الإنسان وقدراته محدودة، فإن الله يحيط بكل أمر ولا يخفى عليه شيء. عندما نتوكل على الله، فإننا في الواقع نسلم أمورنا لمن هو غالب على كل مشكلة، ويعلم حل كل معضلة، ويمتلك قوة لا حدود لها لتنفيذ إرادته. هذا الفهم بحد ذاته يمنح القلب طمأنينة عميقة، لأننا نعلم أننا في حماية قوة أزلية لا يعتريها نقص أو ضعف. في سورة الطلاق، الآية 3، يقول الله تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"، أي: "ومن يتوكل على الله فهو كافيه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرًا". هذه الآية دليل على أن المتوكل لن يضيع أبداً، وأن الله سيكفيه أموره. السبب الآخر للتوكل هو اكتساب السلام الداخلي والتحرر من القلق. فالإنسان قلق بطبعه على المستقبل وعلى عواقب أفعاله، خاصة عندما يواجه الصعاب. التوكل على الله يرفع هذا الحمل الثقيل من القلق عن كاهل الإنسان. طبعاً، التوكل لا يعني التخلي عن السعي والاجتهاد؛ بل يعني أننا بعد بذل قصارى جهدنا وتدبيرنا، نسلم النتيجة النهائية للقدرة المتعالية. هذا النهج يساعدنا على التحرر من الوقوع في فخ اليأس والقنوط. عندما نعلم أن لدينا سنداً إلهياً حتى في أصعب الظروف، يهدأ قلبنا وينجو عقلنا من الاضطراب. هذه السكينة تقوي قدرتنا على اتخاذ القرارات وإرادتنا للمضي قدماً. يقول القرآن في سورة هود، الآية 123: "وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"، أي: "ولله غيب السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، فاعبده وتوكل عليه، وما ربك بغافل عما تعملون". هذه الآية لا تؤكد فقط على التسليم المطلق للإرادة الإلهية، بل تطمئننا بأن الله ليس غافلاً عن أي من أعمالنا وهو حاضر ومراقب دائمًا. التوكل على الله يساعدنا أيضاً على تغيير نظرتنا إلى الصعاب. في المنظور التوحيدي، المشاكل ليست مجرد بلاء ومصائب، بل يمكن أن تكون فرصة للنمو، واختباراً للإيمان، وتقوية للروح. يقول الله في القرآن إن مع العسر يسراً (سورة الانشراح، الآيات 5-6). هذا يعني أنه حتى في أوج الصعوبة، ستُفتح أبواب الرحمة والتيسير الإلهي. التوكل يجعلنا أكثر صبراً ويعلمنا الإيمان بالحكمة وراء الأحداث. ربما ما يبدو لنا اليوم كارثياً يتحول في المستقبل القريب أو البعيد إلى خير عظيم لم نكن نعلم به. هذا التوجه يتجاوز بنظرة الإنسان القيود المادية والظاهرية، ويربطه بآفاق أوسع من الأمل والفضل الإلهي. في سورة آل عمران، الآية 160، يقول القرآن: "إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، أي: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون". تصور هذه الآية القوة والكفاية الإلهية المطلقة، وتوضح أن النصر الحقيقي يأتي من الله وحده، وأنه وحده الجدير بالتوكل والثقة الكاملة. التوكل، بالإضافة إلى فوائده الروحية والنفسية، له آثار عملية أيضاً. فالشخص الذي يتوكل على الله يخطو بشجاعة أكبر، لأن الخوف من الفشل أو النتائج غير المرغوبة يبتعد عنه. إنه يعلم أنه بذل كل جهده وسلم الباقي لله. هذا التفكير يسمح له أن يكون أكثر إبداعاً وأن يجد حلولاً جديدة للمشاكل. العديد من قصص الأنبياء والأولياء الصالحين في القرآن هي أمثلة ساطعة للتوكل العملي؛ لقد واجهوا أعداء أقوياء، وجفافاً، وأمراضاً، وغيرها من البلايا، ولكن بدلاً من اليأس، اختبروا المعجزات الإلهية بالتوكل على الله والسعي المستمر. لذلك، التوكل ليس مفهوماً سلبياً، بل هو عامل فعال للحركة والسعي والأمل. هذه الثقة القلبية بأن الله هو أفضل مدبر للأمور، تمنحنا قوة داخلية تتجاوز قدرتنا الظاهرية وتمكننا من الصمود والثبات في وجه المصائب وتجاوزها. هكذا، فإن التوكل في أصعب الظروف لا يبرر نفسه فقط، بل يصبح الحاجة الروحية والنفسية الأكثر ضرورة للإنسان، ويمهد الطريق للتيسير والفضل الإلهي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن تاجراً فقد ثروته في رحلة بحرية ووصل إلى أقصى درجات الفقر. تركه أصدقاؤه وتوالت عليه الصعاب من كل جانب. في حالة اليأس تلك، خرج ذات ليلة إلى الصحراء ورفع رأسه إلى السماء وقال بكل جوارحه: "يا ربي! أنت تعلم أنه ليس لي ملجأ سواك، وقد انقطعت عن كل الأسباب الظاهرية. أنت وحدك تعلم تدبير أمري، فعبدك ليس له أحد سواك." نام تلك الليلة بقلب هادئ، وفي الصباح، جاءه نداء في قلبه: "انهض واذهب نحو المدينة." فنهض وذهب. وفي طريقه، وجد كنزاً كان يخص الملك وقد ضاع. حمله بأمانة إلى القصر. فرح الملك بأمانته، وبالإضافة إلى مكافأته، جعله وزيراً أميناً. فهم التاجر أن التوكل على الله في أوج الصعاب يفتح أبواب الرحمة والفرج التي لا يمكن لعقل بشري أن يدركها. وكان يقول دائماً: "من يتوكل على الله، فالله وكيله."

الأسئلة ذات الصلة