الأمل الحقيقي (الرجاء) هو قوة دافعة تدفع الإنسان للعمل والاجتهاد. أما «الأمل الزائد»، وهو الأماني الكاذبة بدون عمل، فيمكن أن يؤدي إلى الوهن والتقاعس، فالقرآن يؤكد على السعي والتوازن بين الرجاء والخوف.
الأمل هو إحدى أجمل الحالات القلبية وأكثرها ضرورة في رحلة العبودية وحياة الإنسان. في التعاليم القرآنية، الأمل في رحمة الله وفضله (الرجاء) ليس فقط جائزاً، بل هو ركن أساسي من أركان الإيمان ومصدر للحركة والدينامية. القرآن الكريم ينهى المؤمنين باستمرار عن اليأس ويؤكد على سعة رحمة الله. على سبيل المثال، في سورة الزمر، الآية 53، يقول تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.» هذه الآية تُظهر بوضوح أن اليأس من رحمة الله ذنب كبير ومذموم. فالأمل في المغفرة والشفاعة والمساعدة الإلهية هو ما يدفع الإنسان للصمود أمام الصعوبات والمضي قدماً في طريق الكمال. هذا الأمل هو الدافع الأساسي للتوبة والإصلاح والجهود المتواصلة، ولا يؤدي أبداً إلى الوهن أو الخمول. لكن السؤال هو: هل يمكن أن يؤدي الأمل «الزائد» إلى الوهن؟ في الإجابة، يجب القول إن المفهوم الذي قد يؤدي إلى الوهن ليس هو «الأمل الحقيقي» بالمعنى القرآني (الرجاء)، بل هو «الأماني الكاذبة» و«الآمال الواهمة» التي يشار إليها في القرآن بلفظ «أَمَانِيّ». هذا النوع من الأمل، الذي لا يستند إلى العمل والجهد، أو مجرد الاعتماد على الفضل الإلهي دون العدل الإلهي، أو الانتظار دون سعي، يمكن أن يصيب الإنسان بالخمول والتقاعس. يؤكد القرآن الكريم أن أحداً لن يصل إلى غايته بمجرد الأماني، بل الثواب والجزاء مبنيان على العمل. في سورة النساء، الآية 123، يقول تعالى: «لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.» هذه الآية تُبين بوضوح أن جزاء أعمال الإنسان ليس مبنياً على الأماني والظنون المجردة، بل على أعماله. لذلك، إذا كان شخص يأمل في تحقيق النجاح دون سعي وجهد، أو أن يُغفر له دون اجتناب الذنوب، فهذا الأمل هو أمنية كاذبة ووهمية تؤدي في النهاية إلى الوهن والفساد. يؤكد الإسلام على التوازن بين الأمل والخوف (الخوف والرجاء). فالأمل في رحمة الله يمنع اليأس، والخوف من عذاب الله يمنع الجرأة على الذنوب والتقاعس. هذان الجناحان يدفعان الإنسان في المسار الإلهي المستقيم. الأمل بدون خوف قد يؤدي إلى الغرور والتكبر والشعور بالأمان الزائف، مما يثني الفرد عن الجهد واليقظة. في المقابل، الخوف بدون أمل قد يؤدي إلى اليأس المطلق وترك العمل. التوازن بينهما يبقي الإنسان في حالة من اليقظة والجهد المستمر. ولهذا السبب، وردت في العديد من الآيات تحذيرات بجانب البشارات. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن الكريم بشدة على أهمية «السعي والجهد» إلى جانب «التوكل». التوكل لا يعني الكسل وترك العمل، بل يعني تفويض نتيجة العمل إلى الله بعد بذل كل الجهود الممكنة. في سورة النجم، الآيتان 39 و 40، يقول تعالى: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ.» تُصرح هذه الآيات بأن طريق الوصول إلى الهدف يمر عبر السعي والجهد، وأن نتيجة كل جهد ستظهر في النهاية للشخص نفسه. لذا، الأمل الحقيقي هو الأمل الذي يدفع الإنسان نحو العمل والاجتهاد، لا أن يتركه في سرير الكسل واللامبالاة. الأمل المفرط الذي يؤدي إلى عدم اتخاذ الإجراءات والاعتماد الكلي على المشيئة الإلهية دون أداء الواجبات الفردية، هو في الواقع نوع من سوء فهم لمفهوم التوكل والرجاء. هذه الحالة هي مثال واضح على الوهن والضعف، الذي لا يعود بالنفع على الفرد فحسب، بل يمنعه من تحقيق أهدافه الدنيوية والأخروية. فنخلص إلى أن الأمل الصادق هو القوة التي تمنح الإنسان أجنحة الطيران، بجانب السعي والتوكل، أما الأمل الكاذب والمبني على أماني لا أساس لها، فقد يلقيه في هاوية الوهن والهلاك.
يُحكى أنه في قديم الزمان، في مدينة تزينها البساتين والحدائق، كان هناك درويش يجلس كل يوم تحت شجرة مثمرة ويرفع يديه بالدعاء. كان يقول: «إن الله هو الرازق، وما عليَّ إلا الدعاء والأمل.» فكان ينتظر تحت الأشجار الجميلة أن تسقط الفاكهة في حجره من تلقاء نفسها، أو أن يأتيه أحد بالطعام دون أي جهد منه. في أحد الأيام، مر الشيخ سعدي من هناك. رأى الدرويش الذي، على الرغم من قدرته البدنية، قد توقف عن العمل وينتظر رزقاً بلا عناء. ابتسم الشيخ سعدي بلطف وسأل: «يا صديقي، لماذا تجلس وتدعو فحسب؟» فأجاب الدرويش: «لدي أمل في الله أنه سيرزقني حتى بدون جهد.» فقال الشيخ سعدي: «جميل جداً أن لديك أملاً في الله، ولكن ألم ترَ أن الطير يخرج من عشه ليبحث عن رزقه، وأن النحلة تمتص الرحيق من الزهور لتصنع العسل؟ أملك يجب أن يجعلك تحلق، لا أن يجعلك ساكناً. الأمل في رحمة الله يجب أن يكون قوة محركة، لا عذراً للوهن. إن من يكتفي بالأماني ويعتزل العمل، لن يصل إلى مبتغاه فحسب، بل سيمضي أيامه في الحسرة والندم.» استمع الدرويش لنصائح الشيخ سعدي الحكيمة، فقام من مكانه، وبدأ طريق الجهد والسعي معتمداً على الله وأمله الحقيقي. ولم يخف أبداً من صعوبة العمل، لأنه فهم أن الأمل الحقيقي، حين يقترن بالعمل، يؤتي ثماره.