يؤكد القرآن الكريم بشكل قاطع على قدرة الإنسان على التغيير، مشدداً على مفاهيم مثل التوبة وجهاد النفس والإرادة الحرة. فبالجهد الواعي والتوجيه الإلهي، يستطيع الإنسان تحويل حياته وصفاته من الظلام إلى النور والكمال.
من منظور القرآن الكريم، الإجابة على سؤال ما إذا كان يمكن للإنسان أن يتغير حقًا، هي إيجابية بشكل قاطع. القرآن لا يؤكد فقط على إمكانية التغيير، بل يعتبره مسارًا ضروريًا وهادفًا للنمو والتطور البشري. فالإنسان، على عكس التصورات الشائعة، ليس كائنًا ثابتًا أو جامدًا، بل يمتلك إمكانات لا نهائية للتحول والتغير. هذه الإمكانات تنبع من الاختيار وحرية الإرادة التي وهبها الله له؛ فالإنسان لديه القدرة على الاختيار بين طريق الخير والشر، ويمكنه بإرادته الخاصة تغيير مسار حياته. أحد المفاهيم القرآنية الأساسية التي تؤكد على قدرة الإنسان على التغيير هو مفهوم "التوبة". التوبة تعني العودة من الذنب والخطأ إلى طاعة الله والانقياد لأمره. هذه العودة ليست مجرد ندم سطحي، بل تتطلب تحولاً داخليًا عميقًا وتغييرًا في السلوك. يدعو الله في القرآن عباده بوضوح إلى التوبة ويعد بالقبول والمغفرة، حتى لأكبر الذنوب. هذه الدعوة إلى التوبة تظهر أنه لا يوجد ذنب عظيم لدرجة أنه يغلق باب العودة والتغيير أمام الإنسان، ولا يوجد فرد غارق في الفساد لدرجة أنه لا يستطيع العودة إلى النور. آيات مثل "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (سورة الزمر، الآية 53) هي خير دليل على هذه الرحمة وإمكانية التغيير. بالإضافة إلى التوبة، يؤكد القرآن على مفهوم "جهاد النفس" أو الصراع ضد النفس الأمارة بالسوء. هذا الصراع يعني الجهد المستمر للتغلب على الميول النفسية والشهوات الجامحة التي تحرف الإنسان عن طريق الحق. جهاد النفس هو عملية مستمرة مدى الحياة تقود الإنسان نحو تهذيب النفس وتزكية الروح. من خلال هذا الجهاد، يمكن للإنسان أن يتخلى عن عاداته السيئة وأن ينمي في نفسه الصفات الأخلاقية الإيجابية. هذا التغيير ليس داخليًا فحسب، بل يظهر أيضًا في سلوك الفرد وأفعاله. على سبيل المثال، يمكن للشخص الذي كان غاضبًا أو حسودًا في السابق أن يتحول، بالممارسة والمجاهدة، إلى إنسان حليم وغفور. هذا التغيير هو علامة على النمو الروحي والسعي البشري نحو الكمال. ويوضح القرآن أيضًا المبدأ الأساسي "التغيير من الداخل". الآية الشهيرة "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (سورة الرعد، الآية 11) تنص صراحة على أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. تضع هذه الآية مسؤولية التغيير على عاتق الإنسان نفسه وتؤكد أن التحولات الخارجية والاجتماعية تنبع من التحولات الداخلية للأفراد. هذه دعوة إلى بناء الذات واليقظة، حيث يجب على الإنسان أن يخطو الخطوة الأولى ويخلق الإرادة للتغيير في نفسه. هذه الإرادة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تقترن بالعمل والمثابرة. والله لا يعين إلا الذين يبذلون الجهد في سبيل التغيير والتحسين. علاوة على ذلك، يشير مفهوم "الهداية" في القرآن أيضًا إلى قدرة الإنسان على التغيير. لقد بيّن الله للإنسان طريق الهداية والضلالة، وترك له الخيار. باختيار طريق الحق واتباع الأوامر الإلهية، يمكن للإنسان أن يغير مسار حياته من الضلالة إلى النور والنجاة. هذه الهداية ليست عملية ذات اتجاه واحد؛ فمن خلال طلب الهداية والسعي لتحقيقها، يعرض الإنسان نفسه لرحمة الله وتوجيهاته. فكلما سار الإنسان أكثر في طريق الحق، كلما أصبح قلبه ألين وأكثر استعدادًا لقبول النور الإلهي، وظهرت فيه تحولات أعمق. يمكن أن تشمل هذه التغييرات تحولات في المعتقدات والقيم والمواقف والسلوكيات الشخصية. الأمثلة القرآنية على تغير البشر كثيرة؛ من سحرة فرعون الذين تابوا وآمنوا بالله بعد رؤية معجزة موسى عليه السلام، إلى العديد من الأفراد الذين تحولوا من الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد. هذه القصص هي دليل حي على حقيقة أن التغيير ممكن في أي مرحلة من مراحل الحياة ولأي شخص. وبالتالي، يؤكد القرآن على أن التغيير عملية ديناميكية ومستمرة تتطلب معرفة الذات، وبناء الذات، والمجاهدة، والصبر، والتوكل على الله. وباستيعاب هذه المبادئ والاستفادة من الفرص التي وفرها الله، يمكن للإنسان أن يصبح أفضل نسخة من نفسه ويحقق الكمال المنشود.
في گلستان سعدي، يُروى أن ملكًا عادلاً كان له وزير، كان في بداية خدمته حكيمًا وفاضلاً للغاية. ولكن مع مرور الوقت، وبسبب مصاحبة الأشرار، تغيرت أخلاقه وانحرف عن الصراط المستقيم. دعا الملك الوزير، الذي كان حزينًا لحاله، وقال له: "أيها الوزير، أنت الذي شربت من نبع الحكمة، كيف أصبحت الآن تفوح منك رائحة الفساد؟" فخجل الوزير وقال: "يا مولاي، كانت هذه الصحبة هي التي غيرتني." أجاب الملك بحكمة: "انظر جيدًا! على الرغم من أن الصحبة السيئة يمكن أن تؤثر، إلا أن الأصل الطيب لا يجف أبدًا. إرادة الإنسان أقوى من أي رفيق. لو كنت تمتلك إرادة قوية من داخلك وتمسكت بالنقاوة، لما استطاع أي خيانة أن تحرفك عن الطريق الصحيح." استوعب الوزير كلام الملك، وتاب، وبإصرار وعزيمة، حرر نفسه من تلك التلوثات وعاد إلى مكانته السابقة من الأخلاق والفضيلة. فرح الملك بعودته وقال: "نعم، ما دام الإنسان يريد، يستطيع أن يتغير ويعود من بئر الظلمات إلى الأنوار." تعلمنا هذه القصة أنه على الرغم من أن البيئة والصحبة تؤثران على الإنسان، إلا أن قوة التغيير الحقيقية تكمن في إرادة الإنسان وقلبه؛ التوبة والعودة ممكنتان دائمًا.