لا، الفشل لا يعني بالضرورة غضب الله؛ بل غالبًا ما يكون اختبارًا للإيمان، وفرصة للنمو، أو وسيلة لتكفير الذنوب، وكل ذلك من حكمة الله ورحمته. إنها طريقة للتقرب من الله وفهم أعمق لحكمته في أقدار الحياة.
عند مواجهة الفشل والصعوبات في الحياة، يتساءل الكثير من الناس بشكل تلقائي ما إذا كانت هذه الابتلاءات علامة على غضب الله وسخطه. ولكن بالنظر العميق إلى تعاليم القرآن الكريم والفهم الدقيق لصفات الله وأسمائه الحسنى، يمكننا أن ندرك أن الإجابة على هذا السؤال أعمق بكثير من مجرد تفسير سطحي. يصف القرآن الكريم الله تعالى بصفات مثل 'الرحمن' و'الرحيم' (كثير الرحمة والرأفة)، و'الحكيم' (بالغ الحكمة والعلم)، و'العدل' (الذي يقيم العدل المطلق). هذه الصفات الأساسية تدل على أن أفعال الله وتدبيراته تنبع دائمًا من حكمة لا متناهية، ورحمة شاملة، وعدل مطلق. لذا، فإن تفسير كل فشل أو مصيبة على أنه مجرد غضب إلهي مباشر سيكون تبسيطًا مخلًا لا يستوعب مدى الحكمة والرحمة الإلهية، ويمثل نظرة اختزالية للعلاقة بين الإنسان وربه. من أهم المفاهيم القرآنية في هذا السياق هو مفهوم 'الابتلاء' أو الاختبار الإلهي. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الحياة الدنيا كلها ابتلاء واختبار. يختبر الله الناس باليسر والعسر، بالنجاح والفشل، وبالرخاء والشدة. وليس الهدف من هذه الاختبارات مجرد العقاب، بل هو التنمية والتزكية والتطهير وإظهار حقيقة إيمان الإنسان. ففي سورة البقرة، الآية 155، يقول الله تعالى صراحة: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". هذه الآية تبين أن تجربة الخوف، الجوع، نقص الأموال أو الأنفس أو الثمرات، هي جزء لا يتجزأ من الخطة الإلهية لنمو الإنسان وتكامله. هذه ليست علامات على الإعراض أو الغضب، بل هي فرص لإظهار الصبر، والتوكل على الله، والثبات على الإيمان. وقد صممت هذه الابتلاءات لتمييز الصادق من الكاذب، ولإظهار عمق شخصية الفرد والتزامه تجاه خالقه. الفشل يمكن أن يكون وسيلة لتكفير الذنوب وتطهير الخطايا. ففي التعاليم الإسلامية، حتى المصاعب والمشاكل البسيطة التي يواجهها الإنسان يمكن أن تعمل ككفارة لذنوبه. وهذا مظهر عميق من مظاهر رحمة الله الواسعة. فبدلاً من أن يحمل الإنسان عبء كل ذنوبه إلى الآخرة، فإن الله بكرمه ورحمته يسمح بتخفيف هذه الأعباء من خلال المصاعب الدنيوية. هذا المنظور يحول 'الفشل' من مصدر لليأس إلى فرصة للتزكية الروحية والاقتراب من حالة النقاء أمام الله. إنه يشبه تصرف الوالد المحب الذي، حتى عند تأديب ولده، يكون قصده النفع والإصلاح. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي المصاعب والإخفاقات إلى رفع درجات المؤمن الروحية. فالأنبياء والأولياء الصالحون، على الرغم من مكانتهم العالية، واجهوا دائمًا أعظم الابتلاءات. وصبرهم وثباتهم في مواجهة هذه المصائب لم يكن علامة على غضب الله عليهم، بل كان شهادة على مكانتهم الرفيعة ووسيلة لرفع منزلتهم وتقربهم أكثر إلى الله تعالى. عندما يتحمل المؤمن الفشل بصبر وشكر وتوكل على الله، يتعمق إيمانه، وتتقوى شخصيته، ويتضاعف أجره عند الله. من هذا المنظور، تتحول الإخفاقات إلى درجات للتقدم الروحي والمعنوي. بطبيعة الحال، يقر القرآن أيضًا بوجود رابط واضح بين أفعال الإنسان ونتائجها. ففي سورة الشورى، الآية 30، جاء: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ". هذه الآية تبين أن بعض المشاكل هي نتيجة مباشرة لأفعالنا، اختياراتنا، أو غفلتنا. ومع ذلك، حتى في هذه الحالات، تظل رحمة الله واضحة: "ويعفو عن كثير". أي حتى عندما نكون نحن السبب في مشاكلنا، فإن الله في رحمته الواسعة يغفر ويتجاوز عن كثير من زلاتنا، والمصائب التي تصيبنا قد تكون تذكيرًا لطيفًا، أو جرس إنذار، أو شكلاً من أشكال التطهير، وليست غضبًا لا يُغفر. هذه الآية دعوة للتوبة والإصلاح، وليست حكمًا نهائيًا. البشر غالبًا ما يمتلكون منظورًا محدودًا، ويحكمون على الأحداث بناءً على النتائج الفورية ورغباتهم. ولكن حكمة الله لا متناهية، وخططه تشمل أبعادًا لا يمكننا إدراكها. فما يبدو فشلاً على المدى القصير قد يكون خيرًا عظيمًا في جوهره على المدى الطويل، يمنع ضررًا أكبر أو يؤدي إلى خير غير متوقع. يؤكد القرآن على التوكل على حكمة الله والثقة في قضائه وقدره، حتى في الظروف الصعبة. وهذا يشجع على عقلية القبول والسعي وراء الحكمة الخفية في كل موقف، مع العلم بأن "الله يعلم وأنتم لا تعلمون" (البقرة: 216). عند مواجهة الفشل، ينهى التعليم القرآني عن اليأس والقنوط، وبدلاً من ذلك يوصي بالتوجه إلى الله بالصبر والصلاة وطلب المغفرة (الاستغفار). هذه هي الأدوات الأساسية التي يقدمها الله لمواجهة تحديات الحياة. فالصبر في الشدائد يحظى بثناء كبير ووعد بأجور عظيمة. والتوبة، إذا كانت صادقة، تُقبل دائمًا عند الله. هذا الانخراط النشط في الإيمان يحول تجربة الفشل من استلام سلبي للعقاب إلى عملية نشطة للنمو الروحي وإعادة الاتصال بالذات الإلهية. وفي الختام، فإن الغضب الإلهي الحقيقي (غضب الله) عادة ما يكون مخصصًا لأولئك الذين يصرون على الكفر والعصيان والظلم العلني بعد أن أُعطوا علامات واضحة وتحذيرات، والذين لا يظهرون أي ميل للتوبة أو الإصلاح. إنه ليس شيئًا ينزل تلقائيًا على مؤمن تعرض لنكسة. بالنسبة للمؤمن، حتى عندما يواجه صعوبات بسبب أخطائه، فإنها غالبًا ما تكون شكلاً من أشكال التأديب الإلهي، أو رحمة، أو اختبارًا، تهدف إلى إرشاده مرة أخرى إلى الطريق المستقيم، بدلاً من أن تكون حكمًا لا رجعة فيه من الغضب. وبناءً عليه، من المنظور القرآني، نادرًا ما تفسر الإخفاقات، إن لم يكن أبدًا، على أنها علامات أحادية الجانب لغضب الله على المؤمن. بل هي جوانب عميقة ومتعددة الأوجه للتجربة الإنسانية ضمن الخطة الإلهية. إنها اختبارات مصممة لتقوية الإيمان، وفرص للتنقية الروحية والارتقاء، وعواقب تدفع للتأمل والتوبة، وتجليات لحكمة الله ورحمته اللامتناهية، توجه عباده نحو النجاح المطلق في الدنيا والآخرة. الاختبار الحقيقي لا يكمن في تجنب الفشل، بل في كيفية الاستجابة له - بالصبر والتأمل والثقة المطلقة في حكمة الله ورحمته.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، فقد تاجر شاب شغوف يدعى فريدون، ثروة كبيرة أثناء رحلة تجارية. حزينًا ويائسًا، ذهب إلى شيخ حكيم وشكى حاله قائلاً: "يا شيخ، يبدو أن الله قد أدار وجهه عني، حيث نزلت بي مثل هذه المصيبة!" فقال الشيخ بابتسامة دافئة: "يا شاب، ما أعجب حكمك المتسرع! لا تظن أن كل ما يأتي بغير مرادك هو علامة غضب. اسمع قصة من الأيام الخوالي: كان رجل صالح في صحراء قاحلة قد غلبه العطش. وصل إلى بئر ماؤها مالح ومُر. تذمر قائلاً: 'لماذا يختبرني الله بماء كهذا؟' ولكن بعد قليل، وصل لص كان ينوي قتله. عندما رأى اللص الرجل يشرب الماء المالح، ظن أنه فقير يحتضر فتركه ولم يقتله. حينها أدرك الرجل الصالح أن ذلك الماء المالح كان وسيلة لإنقاذ حياته." وتابع الشيخ: "فيا فريدون، كم من الإخفاقات التي تبدو مؤلمة في ظاهرها، لكنها في باطنها تحمل دروسًا ورحمات لا تتجلى إلا بمرور الوقت. تحلَّ بالصبر وثق بالحكمة الإلهية، فإن الله هو الخير المطلق ولا يهدي عباده إلا إلى ما فيه خيرهم." اطمأن فريدون بهذه الكلمات، وعاد إلى عمله بعزم جديد، ومنذ ذلك الحين، رأى كل صعوبة لا على أنها بلاء، بل فرصة للتأمل والنمو.