الشعور بعدم الأهلية لا يمنع استجابة الدعاء بحد ذاته، فالله يؤكد على رحمته اللامحدودة واستجابته غير المشروطة لعباده. من المهم ألا يؤدي هذا الشعور إلى اليأس، بل يتحول إلى تواضع وتوبة وزيادة في الأمل برحمة الله.
في تعاليم القرآن الكريم الغنية والتقاليد الإسلامية، يقوم مفهوم استجابة الدعاء على معايير تتجاوز مجرد "الشعور بعدم الأهلية" أو "الاستحقاق الشخصي". الله سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم، يقدم نفسه على أنه "المجيب"، ويدعو عباده للدعاء إليه، وأن يسألوه حاجاتهم. هذه الدعوة عامة وشاملة، وتمتد إلى البشرية جمعاء، بغض النظر عن الذنوب أو أوجه القصور المتصورة التي قد يشعرون بها في أنفسهم. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن العلاقة بين العبد وربه مبنية على رحمة الله الواسعة، وفضله اللامتناهي، ومبادئ التوبة والإنابة إليه، وليس على الاستحقاق البشري أو الكمالات التي غالبًا ما تكون ناقصة ومحدودة. في الواقع، إذا تم فهم هذا الشعور بعدم الأهلية وإدارته بشكل صحيح، فإنه ليس عائقًا على الإطلاق؛ بل يمكن أن يفتح بابًا لتواضع أعمق وصدق أكبر في الدعاء، وهما بحد ذاتهما محفزان للتقرب إلى الله ولقبول الدعوات. من الآيات المحورية التي تتناول هذا الأمر بوضوح هي الآية 186 من سورة البقرة، والتي تقول: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ». هذه الآية تُظهر بلا شك قرب الله واستعداده لاستجابة دعوات أي داعٍ. لا يوجد شرط مذكور هنا لكون الداعي بلا عيب أو كامل أو لديه إحساس كامل بالجدارة الشخصية. بل التأكيد هو على فعل "الدعاء" و "الإيمان" بالله. هذا الوعد الإلهي يسلط الضوء على أن رحمة الله تسبق جميع القيود البشرية والعيوب المتصورة ذاتيًا. جوهر هذه الآية يشجع على علاقة مفتوحة وواثقة حيث يشعر العبد بالحرية في التوجه إلى خالقه في أي وقت، وتحت أي ظرف، دون أن يعيق عبء الحكم على الذات اتصاله. إنها ترسم صورة لله موجود دائمًا، ويسمع دائمًا، وينتظر بفارغ الصبر أن يتوجه إليه عباده، مهما كانت حالتهم. علاوة على ذلك، في سورة غافر الآية 60، يقول الله تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ». في هذه الآية، يرتبط الأمر بالدعاء بوعد قاطع بـ"الاستجابة". العائق الوحيد المذكور هنا هو "التكبر" في العبادة، وليس "الشعور بعدم الأهلية". في الواقع، إذا أدت مشاعر عدم الأهلية إلى التواضع والخشوع أمام عظمة الله، فإنها يمكن أن تسهل قبول الدعاء. وذلك لأن الله يكره المتكبرين ويمنح رحمته للمتواضعين. تذكرنا هذه الآية بأن الحاجز الأساسي أمام التواصل مع الله هو الكبرياء وعظمة الذات، وليس الشعور بالضعف أو النقص. فالقلب الذي يدرك قصوره ومع ذلك يتوجه إلى الله بالأمل والتواضع غالبًا ما يكون أكثر تقبلاً للنعمة الإلهية من القلب المليء بالبر الذاتي. غالبًا ما تنبع مشاعر عدم الأهلية من وعي الفرد بذنوبه ونواقصه. ومع ذلك، يؤكد القرآن مرارًا على سعة الرحمة والمغفرة الإلهية. ففي سورة الزمر الآية 53، نقرأ: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». هذه الآية هي دعوة قوية لمن "أسرفوا على أنفسهم" (مما يدل على ارتكاب الكثير من الذنوب) ألا ييأسوا من رحمة الله. يجب أن يؤدي الشعور بالذنب إلى التوبة والعودة إلى الله، لا إلى اليأس من الدعاء والانقطاع عنه. فباب رحمة الله مفتوح دائمًا، والشرط الوحيد للدخول إليه هو التوجه الصادق والنقي نحوه. هذه الآية تضيء بلا ريب منارة أمل في قلب كل مذنب، وتدعوه للعودة والتوبة، فالله غفور رحيم بلا حدود، ولا يوجد ذنب عظيم جدًا لا يمكن غفرانه، شريطة وجود توبة صادقة. لذلك، فإن الشعور بعدم الأهلية، في حد ذاته، لا يمنع استجابة الدعاء. بل إن طريقة تعامل الشخص مع هذا الشعور هي الأهم. إذا أدى هذا الشعور بالفرد إلى اليأس وقطع اتصاله بالله، فإنه بالتأكيد لن يسفر عن نتائج إيجابية. ومع ذلك، إذا أدى هذا الشعور بالذات إلى التواضع، والتوبة، والاعتراف بتقصيره أمام العظمة الإلهية، ثم إلى الدعاء بالأمل والتوكل على الله، فإنه لا يصبح عائقًا فحسب، بل يمكن أن يكون حافزًا للانفتاح والاستجابة. فالله ينظر إلى نيتنا الصادقة، وتواضعنا، وندمنا على الذنوب، وثقتنا بكرمه اللامتناهي، أكثر مما ينظر إلى استحقاقنا الذاتي. إنه المانح الذي يحب أن يعطي ويسمع دعاء المحتاجين، حتى لو رأوا أنفسهم غير مؤهلين. هذا الإيمان بسعة رحمة الله هو أحد أهم أركان الإيمان، يمنح البشرية السلام والأمل، ويشجع على استمرار الدعاء والاتصال بالرب. هذه العلاقة مبنية على الحب والأمل والثقة المتبادلة، وليست على الخوف من عدم الأهلية. ولهذا السبب، لا ينبغي السماح للأفكار السلبية واللوم الذاتي أن يحرمنا من أعظم مصدر للقوة والسكينة: الدعاء والاتصال بالله. في الختام، ما يهم في الدعاء هو خشوع القلب، وحضور الذهن، واليقين بالاستجابة، والإلحاح في الطلب. يجب ألا يُفسر الشعور بعدم الأهلية على أنه حرمان للنفس من هذه النعمة الإلهية العظيمة. الله هو "أرحم الراحمين"، وهو لا يطرد أي عبد من بابه، إلا إذا أدار هو ظهره وتوقف عن الطلب. مهما كنا مذنبين، فنحن ما زلنا من ذرية آدم، والله يدعونا إليه، فاتحًا أبواب رحمته للجميع. المهم هو أن نعود إليه بكل وجودنا، بقلب منكسر ولسان محتاج، وأن نؤمن بأنه السامع والمستجيب. هذا هو "خيط الأمل" الذي لا ينبغي التخلي عنه أبدًا، لأن اليأس من رحمة الله هو بحد ذاته ذنب أعظم. فالله مستعد دائمًا لقبول التوبة واستجابة دعاء العباد الذين يأتون إليه بقلب منكسر وصادق، حتى لو لم يروا أنفسهم مستحقين. بهذه التوضيحات، يتضح أن الشعور بعدم الأهلية ليس عائقًا أمام استجابة الدعاء، بل يمكن أن يصبح وسيلة للتقرب أكثر إلى الله، بشرط أن يتحول من اليأس إلى التوبة، والإنابة، وزيادة الأمل في رحمة الله التي لا حدود لها. فالله الذي يسمي نفسه الغفار والرحيم، لن يطرد أبدًا عبدًا يدعوه بكل وجوده وبإحساس حقيقي بالحاجة إليه. الأهم هو ألا نحرم أنفسنا وأن نلجأ إلى بابه الذي لا يحتاج، بيقين وأمل، مع العلم أن كرمه وفضله يتجاوزان كل تصوراتنا حتى لو لم نعتبر أنفسنا مستحقين.
في قديم الزمان، كان هناك رجل زاهد وعابد شديد الفخر بعبادته وتقواه، يتباهى باستمرار بطاعته. وفي نفس المدينة، كان هناك رجل مذنب يعيش في ندم وألم على أفعاله، ويرى نفسه غير أهل لأي خير. كلما أراد هذا المذنب أن يرفع يديه بالدعاء، تنهد من أعماق روحه وقال لنفسه: "يا ربي، أنا عديم الأهلية وغارق في الذنوب لدرجة أنني أخجل حتى من أن أدعوك. ولكن يا ربي الرحيم، أعلم أن بحر رحمتك لا حدود له، وأنت تنظر إلى توبتنا وانكسار قلوبنا أكثر مما تنظر إلى أعمالنا. فبالرغم من أنني لا أستحق، فليس لي أحد سواك أطلب منه." بهذه الحالة من التواضع والاعتراف بالتقصير، كان يدعو وعيناه تذرفان الدموع. في المقابل، كان ذلك الزاهد، المليء بالكبرياء والإعجاب بالنفس، يتمتم بصلواته، معتقدًا في قلبه أنه أحب إلى الله بكثير. ولكن يا له من فهم خاطئ! لقد أحب الله تعالى دعاء ذلك المذنب الخجل النادم، الذي عاد إليه بقلب منكسر وأمل صادق، واستجاب له أكثر بكثير من دعوات الزاهد المتكبر. تعلمنا هذه القصة أن الصدق والتواضع في القلب، في حضرة الله، أكثر قيمة بكثير من المظاهر الخارجية والافتراضات الخاطئة حول استحقاق المرء. إن الرحمة الإلهية واسعة جدًا حتى أن الخجل من الذنب يمكن أن يصبح جسرًا للوصول إلى الاستجابة، إذا اقترن بالأمل والتوبة.