هل يملك كل إنسان القدرة على تلقي الهداية؟

نعم، كل إنسان يملك القدرة الكامنة على تلقي الهداية الإلهية، التي تنبع من «فطرته» و«عقله». لقد بيّن الله الطريق للجميع ووفر الوسائل، لكن قبولها أو رفضها يعتمد على «حرية الإرادة» والجهد الشخصي للإنسان.

إجابة القرآن

هل يملك كل إنسان القدرة على تلقي الهداية؟

«هل يملك كل إنسان القدرة على تلقي الهداية؟» هذا السؤال العميق والأساسي يجد جذوره الراسخة في تعاليم القرآن الكريم، وإجابته المستنبطة بوضوح وقوة من كلام الوحي هي: نعم، لقد خلق الله تعالى الإنسان على نحو يجعله يمتلك القدرة الذاتية والكامنة على تلقي الهداية الإلهية. هذه القدرة جزء لا يتجزأ من خلق الإنسان، وتعود إلى «فطرته» السليمة. الفطرة هي تلك الميول الفطرية النقية التي يولد بها كل إنسان، والتي تدفعه نحو التوحيد، والخير، والحقيقة. في الحقيقة، الإنسان بطبعه فطري يبحث عن الله والحق، ويميل طبيعياً نحو الخير والصلاح. هذا الميل الأولي يشير إلى الإمكانات الكبيرة للإنسان في النمو الروحي وقبول الطريق المستقيم. يشير القرآن الكريم في آيات متعددة إلى هذه الحقيقة. على سبيل المثال، في سورة الشمس، الآية 8، يقول الله تعالى: «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»؛ أي «فألهمها طريق الشر وطريق الخير». هذه الآية توضح بجلاء أن الله قد ألهم النفس البشرية القدرة على التمييز بين الخير والشر، وعلى معرفة طريق الصلاح والفساد. هذا الإلهام الداخلي هو بمثابة نور هادٍ يري الإنسان أي مسار يؤدي إلى السعادة وأي مسار يؤدي إلى الشقاء. هذه القدرة عامة وشاملة لجميع البشر، بغض النظر عن عرقهم، لغتهم، أو موقعهم الجغرافي. فكل إنسان، منذ ولادته، مجهز بهذه البوصلة الداخلية التي توجهه نحو القيم الأخلاقية والروحية الصحيحة. بالإضافة إلى الفطرة، فقد وهب الله الإنسان «العقل». والعقل هو أداة للفهم، والتحليل، والتمييز بين الحق والباطل. باستخدام العقل، يمكن للإنسان أن يتدبر في «الآيات الآفاقية» (دلائل الله في الكون الواسع) و«الآيات الأنفسية» (دلائل الله في داخل نفسه)، فيتوصل بذلك إلى إدراك وجود الخالق وحقيقة طريق الهداية. يدعو القرآن مرارًا وتكرارًا البشر إلى التفكر، والتعقل، والتدبر، ويحثهم على عدم اتباع الأهواء أو التقاليد الباطلة بشكل أعمى. هذه الدعوة إلى التعقل نفسها دليل قوي على وجود قدرة تلقي الهداية لدى الإنسان. لو لم يكن الإنسان يمتلك القدرة على الفهم والإدراك، لكانت الدعوة إلى التعقل بلا معنى. هذه الدعوات المتكررة إلى التفكير والعقلنة تؤكد أن الإنسان يمتلك الإمكانات الفكرية اللازمة للتعرف على الحقيقة والسير في الطريق الإلهي. والأهم من ذلك، أن الله تعالى قد مهد طريق الهداية خارجيًا وماديًا بإرسال الأنبياء، وإنزال الكتب السماوية، وإقامة الحجج الواضحة. لقد قام الأنبياء، من خلال جلب الرسالات الإلهية وتقديم نماذج السلوك الصالح، بتعريف الناس على الصراط المستقيم. ويُعد القرآن الكريم، باعتباره الكتاب السماوي الأخير والأكثر اكتمالاً، مصدرًا عظيمًا للهداية، يضيء بالحق والنور للباحثين عنه. هذا الكتاب معجزة تبين كلام الله بلغة واضحة ومفهومة للبشر. في سورة الإنسان (الدهر)، الآية 3، نقرأ: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»؛ أي «إنا بيَّنَّا للإنسان طريق الخير والشر، ليهتدي أو يضل». هذه الآية تُصرِّح بأن طريق الهداية قد بُيِّن لجميع البشر، وأن اختيار قبوله أو رفضه يعود إليهم. هذه هي «الحجة البالغة» الإلهية التي لا تترك الطريق غامضاً لأحد. إذن، لماذا يضل بعض الأفراد على الرغم من هذه القدرة الفطرية ووفرة وسائل الهداية؟ تكمن الإجابة في «الإرادة الحرة» و«الاختيار» البشري. لقد خلق الله الإنسان كائنًا مخيرًا؛ يمكنه أن يختار طريق الشكر والهداية أو طريق الكفران والضلال. إن ضلال الإنسان لا يعود إلى عدم وجود قدرة داخلية أو نقص في إرشاد الله، بل بسبب اختياراتهم الخاطئة. فالعوامل مثل الغرور، والتعصب، والتقليد الأعمى للأسلاف أو المحيطين، والشهوات، وحب الدنيا المفرط، والغفلة عن الآيات والعلامات الإلهية، يمكن أن تلقي حُجبًا على قلب الإنسان وعقله، وتمنعه من إدراك وقبول الهداية. هذه الحجب هي نتيجة لأعمال الإنسان واختياراته، وليست سلبًا للقدرة من قبل الله. ويذكر القرآن الكريم أن الله يهدي الذين يسعون بأنفسهم نحو الهداية ويفتحون قلوبهم لقبول الحق. هذه الهداية هي «توفيقية»، وليست إجبارية. وهذا يعني أن الله يوفر الأسباب والفرص للهداية ويساعد أولئك الذين لديهم نية صادقة وإرادة للإصلاح، ويمكنهم من الوصول إلى الحق. في الواقع، تُظهر العديد من الآيات أن الضلالة هي نتيجة للاستكبار، والفسق، والظلم، وتكذيب آيات الله. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 26، نقرأ: «وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ»؛ أي «ولا يضل به إلا الخارجين عن طاعته». هذه الآية تُظهر بوضوح أن الضلالة هي نتيجة لفسق الإنسان وخروجه عن طريق العبودية، وليست نقصًا في قدرته على الهداية. فالله لا يُعادي أحدًا، ودائمًا ما يُبقي أبواب الهداية مفتوحة بمنّه ورحمته. في الختام، يمكن التأكيد على أن كل إنسان يولد بقدرة كاملة على فهم وقبول الهداية. هذه القدرة هي هبة إلهية تمكنه من تمييز طريق السعادة. ومع ذلك، فإن تفعيل هذه القدرة يتطلب جهدًا فرديًا، وإخلاص النية، وفتح القلب نحو الحقيقة. لقد بيّن الله تعالى الطريق وترك للإنسان حرية الاختيار. وهذا الاختيار يمثل المسؤولية العظمى للإنسان أمام ربه. فمن يسعى بصدق نحو الهداية، سيعينه الله في هذا المسار، لأن رحمة الله وفضله واسعان، والله لا يغلق الباب أبدًا أمام من يطلب الهداية بجدية. هذا هو المعنى الحكيم لحرية الإرادة ومسؤولية الإنسان عن مصيره الأبدي، مؤكدًا أنه بينما إمكانية الهداية عالمية، فإن تحقيقها هو رحلة شخصية عميقة من البحث والقبول، وهو ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات ويكرمه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن شيخًا عالمًا نصح تلاميذه ذات يوم قائلاً: «لقد بيّن الله طريق الحق والباطل لكل إنسان، ولكن فقط أولئك الذين يفتحون آذان قلوبهم ويتخلون عن أهوائهم، هم من يجدون طريق الهداية إلى الحقيقة.» أحد التلاميذ، وكان من أهل الفضل والعلم، سمع هذا القول وقال في نفسه: «إلى متى أظل بين الكتب والمناقشات؟ حان الوقت لأطبق ما تعلمته، وأبحث عن الهداية من داخلي.» ففارق الجماعة واعتزل الناس، وصقل قلبه بالتقوى والتفكر. وبعد مدة، أشرق نور من داخله أنار له الطريق. أما تلميذ آخر، كان شديد التعلق بزينة الدنيا، فقد استهزأ بهذه النصيحة وقال: «ما يقوله الشيخ هو للزهاد. ما شأننا نحن بهذه الكلمات؟» فسعى لجمع المال والمناصب، وكل يوم زاد ثراءً ومكانة. لكن قلبه أصبح أضيق وأكثر ظلمة يومًا بعد يوم، ولم يذق طعم السكينة الحقيقية أبدًا. حتى أدركه الكبر، وعلى الرغم من كل ممتلكاته، وجد نفسه فارغًا ووحيدًا، وأدرك أنه قد ضيَّع فرص الهداية في سبيل تعلقات الدنيا الزائلة. هذه الحكاية تُظهر أن القدرة على الهداية موجودة في الجميع، ولكن المستفيد الوحيد هو من يطلبها بقلب مشتاق ونية صافية.

الأسئلة ذات الصلة