لا، الإيمان لا يعني عدم الشعور بالحزن أبدًا، بل هو أداة قوية لمواجهة الحزن. فالمؤمنون يحزنون، ولكن بالصبر والتوكل على الله والأمل في الآخرة، يتجاوزون هذه الأوقات ويحققون نموًا روحيًا.
إن السؤال عما إذا كان الإيمان يعني عدم الشعور بالحزن والأسى أبدًا هو أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الإيمان وحياة المؤمن. والإجابة القاطعة من منظور القرآن الكريم وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هي: لا، الإيمان لا يعني أبدًا الحصانة الكاملة من الحزن أو الأسى أو الغم أو أي مشاعر إنسانية سلبية أخرى. بل الإيمان هو أداة قوية لمواجهة هذه المشاعر وفهمها وتجاوزها؛ أداة تساعد المؤمن على إيجاد طمأنينة عميقة ودائمة حتى في خضم عواصف الحياة. فالحزن جزء طبيعي من الوجود الإنساني، وقد خلقه الله تعالى في تركيبتنا. حتى الأنبياء والأولياء، الذين هم قمة الإيمان، قد عاشوا الحزن والأسى. على سبيل المثال، يروي القرآن الكريم كيف أصاب الحزن الشديد يعقوب عليه السلام، حتى كاد يفقد بصره، بسبب فقدان ابنه يوسف عليه السلام. هذا يظهر أن الحزن والأسى ظواهر طبيعية وإنسانية حتى لأولئك الذين يتمتعون بأعلى درجات الإيمان. وقد بكى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عند وفاة ابنه إبراهيم، وقال: 'إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا'. هذا القول النبوي يعكس بوضوح قبول المشاعر الإنسانية، مع الحفاظ على التسليم والرضا بقضاء الله تعالى. يعلمنا القرآن الكريم أن الحياة الدنيا هي دار اختبار وابتلاء. يشير الله تعالى في آيات عديدة إلى أن المؤمنين سيُختبرون بأنواع مختلفة من الصعوبات، والخوف، والجوع، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات. وهذه الابتلاءات غالبًا ما تأتي معها الحزن والألم والمعاناة. ليس الهدف من هذه الاختبارات إضعاف إيمان المؤمنين، بل تهذيب الروح، وتقوية العزيمة، ورفع الدرجات، وتمييز الصادق من غير الصادق. في مثل هذه الظروف، يلعب الإيمان دور المرشد والملاذ. فالإيمان يعلم المؤمن أن كل صعوبة تأتي من الله تعالى، وأن فيها حكمة عميقة. هذا المنظور لا يمنع الغرق في اليأس فحسب، بل يحول الحزن إلى فرصة للتأمل والدعاء والاقتراب أكثر من الخالق. من أهم المفاهيم القرآنية في هذا السياق مفهوم 'الصبر'. والصبر لا يعني قمع المشاعر، بل يعني الثبات والمثابرة في مواجهة المشاكل والصعوبات. يقول القرآن الكريم: 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ' (البقرة، 153). الصبر هو العمود الفقري للإيمان عند مواجهة الأحزان. فالمؤمن الصابر ليس من لا يحزن، بل هو من يحزن لكنه لا ينحرف عن طريق الحق، ولا يتوقف عن الدعاء، ولا يفقد توكله على الله. كذلك، يساعد مفهوم 'التوكل' على الله المؤمن على إلقاء عبء الحزن والأسى الثقيل على كاهل الله القدير، وإيجاد سلام داخلي. فمعرفة أن كل الأمور بيد الله، وأنه خير مدبر، تبعث الطمأنينة في القلوب القلقة. الإيمان بالحياة الآخرة ومكافآتها يمنح المؤمن منظورًا واسعًا. فعندما يدرك المؤمن أن هذه الدنيا مؤقتة وفانية، وأن الحياة الأبدية والمكافآت التي لا نهاية لها تنتظره في الآخرة، تصبح الصعوبات والأحزان الدنيوية ضئيلة ومحتملة مقارنة بذلك. هذا الأمل في الآخرة قوة هائلة لتجاوز اللحظات الصعبة والحفاظ على هدوء القلب. يقول القرآن الكريم: 'فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا' (الشرح، 5-6). تعد هذه الآيات المؤمن بأن لا حزن أو صعوبة تدوم إلى الأبد، وأن بعد كل عاصفة يأتي الهدوء واليسر. لذلك، الإيمان لا ينكر أو يلغي الحزن أبدًا. بل الإيمان يزيد من قدرة المؤمن على فهم الحزن وتحمله، بل وتحويله إلى مصدر للنمو الروحي والقرب الإلهي. المؤمن يحزن، لكنه لا يغرق في الحزن؛ يذرف الدموع، لكنه لا يفقد الأمل؛ يتألم، لكنه يظل شاكرًا. هذه هي جمالية الإيمان التي، حتى في أحلك اللحظات، تضيء نورًا من الأمل والتسليم في قلب المؤمن، وترشده نحو الطمأنينة الحقيقية. يعلمه الإيمان كيف يدير هذه المشاعر من خلال الدعاء والذكر وتلاوة القرآن واللجوء إلى الله، ويستفيد منها لتقوية علاقته بالخالق. في الختام، الإيمان لا ينقذنا من الأحزان، بل يمنحنا القدرة على مواجهتها بقلب مليء بالسكينة والرضا والأمل في فضل الله. هذا القبول للواقع الإنساني مقترنًا بالتوكل على الخالق هو جوهر الإيمان الحقيقي الذي يجلب السلام الدائم.
كان هناك ذات يوم درويش بين الناس، فرغم فقره وصعوبات الحياة، كان الابتسامة لا تفارق شفتيه والسكينة تملأ عينيه. فسأله الناس: 'يا رجل الله، كيف لنا، ومع كل ما نملك، أن نكون في ضيق وقلق، بينما أنت، مع كل هذا الفقر، سعيد ومطمئن؟' أجاب الدرويش بنظرة مليئة بالحكمة: 'يا أحبائي، قلب الإنسان حديقة، وأزهارها إما فرح أو حزن. فإذا حزنت على ما لم يكن ملكًا لي قط ولن يكون، فإنني فقط أزرع الشوك. أما إذا تذكرت ربي الكريم في قلبي، حتى في النقص، فإن روحي تفيض بالوفرة. فوالله، لم يملأ القلق كيسًا فارغًا قط، ولم يصلح الحزن جرة مكسورة. لذا، أوكل أموري إلى الحائك الإلهي، لأنني أعلم أنه حتى في أكثر خيوط الحياة تشابكًا، هناك نمط من الجمال والحكمة مخبأ، لا يكشفه إلا الصبر والثقة.'