الإيمان بدون عمل كالبذرة في أرض بور؛ عقيم وغير قادر على النمو. هذا التظاهر بالإيمان دون عمل هو خداع للذات يمنع الفرد من إدراك وتجربة الإيمان الحقيقي والسعادة الناتجة عنه، ويقضي على فرصة النمو الروحي.
في تعاليم القرآن الكريم العميقة والشاملة، يتم التأكيد بشكل خاص ومستمر على الرابطة التي لا تنفصم بين الإيمان والعمل الصالح. هذان الاثنان، كوجهي عملة واحدة، يكملان بعضهما البعض ولا يمكن فصلهما. إذا ادعى شخص الإيمان بلسانه فقط، ولكن في الواقع لا تظهر أي علامة لهذا الإيمان في سلوكه، كلامه، وقراراته، فإنه في الحقيقة يخدع نفسه. هذا الخداع لا يؤدي فقط إلى تبديد فرص النمو الروحي والسعادة الأخروية، بل يحرمه أيضًا من بركات وثمار الإيمان الحقيقي في هذه الحياة الدنيا. لقد كرر القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا وبكل وضوح، أن النجاة والفلاح يعودان إلى «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» أي «الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة». وقد تكررت هذه العبارة في أكثر من خمسين آية من القرآن، وهذا بحد ذاته دليل قاطع على الأهمية الحيوية للعمل بجانب الإيمان. الإيمان القلبي، على الرغم من كونه الركن الأساسي، يجب أن يتجلى في العمل ليحصل على معناه ومصداقه الحقيقي. فالإيمان، بدون عمل صالح، كمثل شجرة عقيمة لا تثمر، أو كبذرة زرعت في أرض مالحة لا تنبت أبدًا. وهذا الإيمان، وإن وجد في ذهن وقلب الفرد، فلن يكون لديه القدرة على تغيير حياته وبيئته المحيطة به. إن خداع الذات يكمن هنا في أن الإنسان يتوهم أن مجرد الاعتقاد بوجود الله، والأنبياء، والكتب السماوية، ويوم القيامة، كافٍ، وأنه لا داعي لتحمل مشقة العبادات، ومراعاة حقوق الآخرين، والابتعاد عن الذنوب، وأداء الأعمال الصالحة. هذا النوع من النظرة هو وهم خطير يمنع الفرد من التحرك نحو الكمال. ومن يعيش بهذا الوهم، قد يستسلم لإغراءات النفس والشيطان، لأن الإيمان الذي لم يُدعّم بالعمل، يتزعزع بسهولة. قد يقول لنفسه: «أنا أؤمن بالله، لذا سيُغفر لي ذنبي» أو «الإيمان القلبي هو الأهم، لا المظاهر»؛ في حين أن هذا الظاهر هو تجلّي الباطن، وهذا العمل هو علامة ذلك الإيمان. العمل الصالح هو تجلي الإيمان وإثباته. فالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وجميع الأوامر الأخلاقية والاجتماعية في الإسلام، هي في الواقع أعمال ترسخ الإيمان في وجود الإنسان وتقويه. عندما يقف الفرد بإيمانه ضد الظلم، ويساعد المحتاجين، ويتكلم بالصدق، ويحفظ الأمانات، ويتجنب الغيبة والكذب، فإنه في الواقع قد أفعّل إيمانه وأعطاه وجودًا ملموسًا. هذه الأعمال ليست مفيدة للمجتمع فحسب، بل هي أيضًا سبب لتزكية النفس، وراحة الروح، والقرب من الله للفرد نفسه. يضع القرآن الكريم الإيمان بلا عمل في مقابل النفاق. المنافق هو من يعلن الإيمان بلسانه ولكنه كافر في قلبه، وأفعاله تتعارض مع الإيمان الحقيقي. وعلى الرغم من أن الإيمان بلا عمل قد لا يكون بنفس شدة النفاق، إلا أنه يمكن أن يمهد له، لأن عدم التوافق بين القول والفعل يؤدي تدريجيًا إلى ابتعاد القلب عن حقيقة الإيمان. في سورة العصر، يوضح الله سبحانه وتعالى أن جميع الناس في خسران، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. هذه الآية وحدها كافية لإظهار عمق العلاقة بين الإيمان والعمل. الإيمان الحقيقي هو إيمان يدفع الإنسان إلى الحركة، والسعي، وأداء الواجب، ولا يتركه أبدًا في وادي اللامبالاة والتقاعس. وبناءً عليه، يمكن القول إن الإيمان بدون عمل هو في الواقع إيمان ناقص، ضعيف، وعقيم، لا ينجي فحسب، بل يمكن أن يكون سببًا للخداع وخداع الذات. هذا الخداع يحرم الإنسان من إدراك حقيقة الإيمان واللذات الحقيقية للعبودية، ويغرقه في وهم زائف بالصلاح. فقط عندما يتجلى الإيمان في العمل، يمكن للمرء أن يأمل في التحرر والخلاص في الدنيا والآخرة. فالأعمال الصالحة مرآة ينعكس فيها حقيقة إيمان الإنسان. وكلما كانت هذه المرآة أنقى وأكثر إشراقًا، كان الإيمان أقوى وأكثر أصالة. ولذلك، من الأهمية بمكان لكل مؤمن أن يسقي إيمانه باستمرار بالأعمال الصالحة والجيدة وألا يسمح له بالجفاف في صحراء خداع الذات.
في قديم الزمان، كان هناك زاهد يقضي ساعات طويلة في مسجد المدينة يتحدث عن فضائل الإيمان ومقامات أهل التقوى. كان يتكلم بفصاحة وبلاغة عن التوحيد والآخرة، حتى كأنما كان هو نفسه في قمة هذه المقامات. وكان الناس يثنون عليه كثيرًا ويحسدونه على علمه وتقواه الظاهرة. ولكن في نفس المدينة، كان يعيش مزارع بسيط غير متعلم لم يلقِ خطبًا قط. كان يذهب كل يوم قبل شروق الشمس إلى مزرعته، ويعمل بجد، وما يكسبه كان يعطي جزءًا منه للفقراء، ويساعد جيرانه، ولم يكذب أبدًا. في يوم من الأيام، مرض الزاهد وطلب المساعدة من الناس. جاء الكثير ممن استمتعوا بخطبه لزيارته وأثنوا عليه، لكنهم لم يفعلوا شيئًا عمليًا له. كان هذا المزارع هو الذي، دون أي ادعاء، قام برعايته ليل نهار ولم يدخر جهدًا حتى تعافى الزاهد. عند رؤية هذه الحقيقة، أدرك الزاهد أن الإيمان الحقيقي يكمن في القلب الذي لا يؤمن بالحقائق فحسب، بل يظهرها أيضًا في العمل وخدمة خلق الله. أدرك أنه لسنوات طويلة كان يخدع نفسه بالقول دون الفعل، وأن ذلك المزارع البسيط، على الرغم من بساطته، كان يمتلك إيمانًا أقوى وأكثر صدقًا. تذكرنا قصص سعدي بأن: "الكلام ينبغي أن يكون مصحوبًا بالفعل، لا بمجرد القول".