نعم، يعتبر الله جميع البشر مميزين بطبيعتهم؛ فكل فرد خُلق في أحسن تقويم ومُنح كرامة إلهية. ومقياس التفوق لديه ليس المكانة الدنيوية، بل التقوى والصلاح، اللذين يمكن لأي إنسان بلوغهما.
من منظور إلهي، واستنادًا إلى تعاليم القرآن الكريم، يتجاوز مفهوم "تميز" الإنسان التعريفات والمعايير الدنيوية التي غالبًا ما نستخدمها لتصنيف الأفراد. فالله سبحانه وتعالى ينظر إلى كل إنسان، بغض النظر عن مكانته الاجتماعية أو ثروته أو عرقه أو شهرته، بصفة مميزة وجوهرية، ويمنحه الكرامة والقيمة. هذه الكرامة الفطرية هي هبة إلهية مُنحت لجميع بني آدم وليست مقتصرة على أفراد معينين أو نخبة. يؤكد القرآن بوضوح أن خلق الإنسان هو خلق هادف وعظيم، وأن كل فرد خُلق في أسمى صور العظمة والجمال. يقول القرآن الكريم في سورة التين، الآية 4: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، أي: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وتقويم". توضح هذه الآية بجلاء أن خلق كل إنسان هو مثال على الكمال والجمال. ولا يقتصر هذا "أحسن تقويم" على الشكل الخارجي فحسب، بل يشمل المواهب والقدرات والعقل والإرادة الفطرة الإلهية المودعة في كل إنسان. يمتلك كل فرد إمكانات لا حصر لها للنمو والكمال والوصول إلى القرب الإلهي، وهذه الإمكانات هي التي تجعله فريدًا ومميزًا في نظر الخالق. بالإضافة إلى ذلك، في سورة الإسراء، الآية 70، يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، أي: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا". تطرح هذه الآية كرامة الإنسان وشرفه الذاتي كمبدأ عالمي وشامل. تعني هذه الكرامة الحق في الحياة والحرية والاحترام المتبادل، التي منحها الخالق لجميع البشر. كل إنسان، بغض النظر عن مكانته في المجتمع أو إنجازاته، يحمل هذه الكرامة الإلهية، ولا ينبغي أن يتعرض للإذلال أو عدم الاحترام. وقد عرف الله بنفسه بأسمائه "الرحمن" و "الرحيم"، وهما يعبران عن رحمته الواسعة واللامحدودة التي تشمل جميع الكائنات، بما في ذلك جميع البشر. تشمل الرحمة الإلهية الهداية والرزق وفرصة المغفرة والتوبة، وكلها تُمنح لجميع الناس، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، سواء كانوا "مميزين" أو "عاديين". تشير هذه الرحمة إلى أنه لا يوجد إنسان مخفي عن لطف الله وعنايته، وجميعهم محط اهتمامه ومحبته. بينما خلق الله جميع البشر بكرامة، فقد جعل معيار التفوق والقرب منه ليس في النسب أو المال أو الجاه، بل في التقوى والورع. يقول في سورة الحجرات، الآية 13: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، أي: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". تعبر هذه الآية عن المساواة الأساسية بين البشر في الخلق، وتوضح أن مقياس التقييم والتفوق عند الله هو فقط الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة ومدى العبادة والتقوى. هذا يعني أن الشخص "العادي" في المجتمع، إذا كان يتمتع بالتقوى الإلهية، يمكن أن يكون أكثر كرامة وشرفًا عند الله من العديد من الأفراد الذين يبدون "مميزين" أو أقوياء. كل فرد، بغض النظر عن مكانته الدنيوية، يمكن أن يكتسب مكانة رفيعة في حضرة الله من خلال أعماله، وهذا بحد ذاته يوضح تقدير الله للإمكانات الداخلية والخيارات الفردية. لقد خلق الله كل إنسان بروح فريدة وقدرات فكرية وإرادية خاصة ومسؤوليات فردية. لا يوجد إنسانان متطابقان تمامًا، وكل فرد له مكانة ودور فريد في الخلق. الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وهو على علم بجميع أفكاره ونواياه وأعماله. هذا العلم الكامل والاتصال الوثيق يشير إلى أن لا إنسان "عادي" أو غير مهم في نظره. فهو يسمع كل دعاء، ويقبل كل توبة، ويستجيب لكل حاجة. هذا التفاعل الفردي والمعرفة المطلقة هي بحد ذاتها دليل على تميز كل فرد في حضرته. لذلك، من منظور القرآن، كل إنسان، بغض النظر عن المعايير البشرية لـ "العادية"، هو في الحقيقة مخلوق مميز، ذو كرامة، وهادف، وقيّم في نظر خالقه. هذا المنظور يمنح كل فرد الأمل والدافع، بأنه يستطيع من خلال الاختيارات الصحيحة والسعي في طريق العبادة، أن يصل إلى ذروة الكمال ويبلغ مكانة رفيعة عند الله. كرامة الإنسان هي المبدأ المحوري في الإسلام الذي يمنح الاعتبار والقيمة لجميع البشر بغض النظر عن أي تصنيفات دنيوية.
ذات يوم، سأل ملك وزيره الحكيم: "في مملكتي، من هو الأكثر قيمة ومكانة؟ هل هم القادة الشجعان، أم التجار الأثرياء، أم العلماء الكبار؟" فأجاب الوزير بابتسامة لطيفة: "يا سيدي الملك، في النظرة الحقيقية، قيمة الناس ليست في مكانتهم الدنيوية ولا في المال والجاه، بل في قلب يفيض بنور الله ويخدم خلق الله. لقد سمعت عن راعٍ بسيط، على الرغم من أنه كان يعيش في الجبال النائية، إلا أن قلبه كان نقيًا وتقيًا لدرجة أن حكمته فاقت حكم كثير من رجال البلاط. الله لا ينظر إلى المظاهر الخادعة، بل إلى الجوهر الداخلي والنوايا الطاهرة. عند الله، كل إنسان يؤدي عبادته ويسعى للخير هو حبيب ومميز، سواء كان ملكًا أو قرويًا مغمورًا." تأمل الملك في هذا القول وأدرك أن العظمة الحقيقية تكمن في القرب من الحق وخدمة الخلق، لا في التاج والعرش.