من منظور قرآني، النجاح الحقيقي الذي يشمل السعادة الدنيوية والأخروية، يتطلب الإيمان بشكل أساسي. الإيمان لا يمنح الحياة معنى فحسب، بل يوجه الأفراد نحو الأعمال الصالحة والتقوى والتوكل على الله، وهي الركائز الأساسية للإنجاز الحقيقي.
من منظور القرآن الكريم، فإن الإجابة على سؤال: "هل يتطلب النجاح في الحياة الإيمان؟" هي نعم قاطعة وبدون شك، ولكن يجب أن نفهم تعريف النجاح من منظور إلهي بشكل صحيح. النجاح في الإسلام لا يعني مجرد تحقيق الثروة المادية أو السلطة الاجتماعية أو الشهرة، بل هو مفهوم شامل وواسع يضم السعادة الدنيوية والخلاص الأخروي. الإيمان، بمعنى الاعتقاد القلبي، والإقرار اللساني، والعمل بأركان الدين، ليس مجرد ضرورة، بل هو العمود الفقري والجوهر الأساسي للنجاح الحقيقي والمستدام في كلا العالمين. الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر الإلهي، يمنح الإنسان إطارًا فكريًا وروحيًا قويًا. هذا الاعتقاد العميق يمنح الحياة معنى وهدفًا، وينقذ الفرد من التيه والعبثية. من يؤمن بالله يعلم أن الوجود ليس عبثًا، وأن كل حركة في الكون تسير بحساب وميزان. هذا الوعي يدفعه ليكون أفضل نسخة من نفسه، وأن يقوم بأعماله بنية حسنة وفي سبيل مرضاة الله. في القرآن الكريم، ذُكر الإيمان والعمل الصالح معًا مرارًا، وهذا يدل على أن الإيمان الحقيقي ليس جامدًا أو سلبيًا أبدًا، بل هو دائمًا مولد للأعمال الصالحة والبناءة. هذه الأعمال الصالحة هي التي تبني أساس النجاح الفردي والعائلي والاجتماعي. أحد أهم المفاهيم المرتبطة بالإيمان والنجاح هو "التقوى". التقوى، أي الورع والخوف من الله، هي في الواقع المظهر العملي للإيمان في الحياة اليومية. من يتقي الله يكون دائمًا حريصًا على أفعاله وأقواله حتى لا يتجاوز حدود الله ويحترم حقوق الآخرين. القرآن الكريم ينص صراحة على أن من يتقي الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب (سورة الطلاق، الآيتان 2 و3). هذا الوعد الإلهي يشمل الفرج في الأمور المادية والمعنوية، وحل المشكلات، والوصول إلى الطمأنينة الداخلية. هذه الطمأنينة هي بحد ذاتها من أعظم النجاحات التي لا يختبرها الكثيرون بالرغم من ثروتهم وقوتهم. التقوى تمنح الإنسان بصيرة ليميز الطريق الصحيح من الباطل، ولا يضل في منعطفات الحياة. مفهوم آخر ينبع من الإيمان هو "التوكل". التوكل يعني الثقة والاعتماد على الله بعد بذل كل الجهود والتخطيط اللازم. يعلم المؤمن أن النتائج النهائية بيد الله، وهذا الاعتقاد يحرره من القلق واليأس. يبذل قصارى جهده، لكنه لا يربط قلبه بالنتيجة، لأنه يعلم أن الله أعلم بالخير والصلاح الحقيقي. هذا التوكل يمنحه الشجاعة ألا ييأس أمام الفشل، وألا يتكبر عند النصر، لأنه يرى كليهما من فضل الله. هذه الحالة الروحية هي بحد ذاتها نجاح كبير في إدارة التوتر والحفاظ على الصحة النفسية. أساس النجاح الحقيقي في الدنيا يكمن في الصبر والشكر، وكلاهما متجذر في الإيمان. الصبر يعني الثبات في مواجهة الصعوبات، والمصائب، والفتن، والشكر يعني الامتنان لنعم الله. المؤمن يصبر في البلاء، ويعلم أن هذه اختبارات من الله، وأن بعد كل عسر يسر. وفي النعم يكون شاكرًا، ويعلم أن شكر النعمة يزيدها. هذا المنظور يمكّن الإنسان من التعلم من كل تجربة، سواء كانت مريرة أو حلوة، والوصول إلى النمو والتطور. الإنسان الذي يمتلك القدرة على إدارة ردود أفعاله تجاه المصاعب، وفي الوقت نفسه يشكر على أصغر النعم، هو ناجح بالمعنى الحقيقي للكلمة. القرآن الكريم يقدم "الفلاح" كأعلى درجات النجاح للمؤمنين. الفلاح لا يقتصر على هذه الدنيا، بل يبلغ ذروته في الحياة الآخرة والوصول إلى الجنة الخالدة. آيات مثل بداية سورة المؤمنون التي تعدد صفات المؤمنين المفلحين، توضح بجلاء أن النجاح الحقيقي يرتبط بالعبادة الخالصة، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإعراض عن اللغو، وحفظ الفروج، وأداء الأمانات. هذه كلها أعمال تنبع من الإيمان. لذا، على الرغم من أن الفرد غير المؤمن قد يحقق نجاحات باهرة في جوانب معينة من الحياة الدنيوية (كالمال، أو الشهرة، أو السلطة)، إلا أن هذه النجاحات غالبًا ما تكون مؤقتة وتفتقر إلى السلام الحقيقي والهدف الأسمى. مثل هذه النجاحات، بدون دعم الإيمان، قد تؤدي إلى الكبرياء، والطغيان، وفي النهاية إلى فشل حقيقي في المفهوم العام للحياة. في المقابل، النجاح المبني على الإيمان، لا يؤدي فقط إلى الاستقرار والسلام في هذه الدنيا، بل يضمن السعادة الأبدية في الآخرة أيضًا. الإيمان هو البوصلة التي تهدي الإنسان في بحر الحياة المضطرب نحو شاطئ النجاة والنجاح، وتمنحه القوة لمواجهة كل تحدٍ، واستخدامه كدرج للنمو، وفي النهاية يعيش حياة ناجحة ومثمرة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
يروى أن ملكًا ثريًا وقويًا، على الرغم من امتلاكه كل شيء، كان دائمًا مضطرب الروح ومشتت الذهن. في أحد الأيام، بينما كان يمر في شارع، رأى درويشًا يعيش بأقل القليل من المتاع، لكنه كان يتمتع بسلام وهناء تامين، وابتسامة لا تفارق شفتيه. سأل الملك بتعجب: «أيها الدرويش، أراك بقليل من متاع الدنيا سعيدًا وخاليًا من الهموم، بينما أنا، بكل هذا الملك والجاه، لا أجد لحظة راحة. ما سر نجاحك؟» أجاب الدرويش بابتسامة دافئة: «أيها الملك، لقد بنيت مملكتك على أسس الدنيا التي هي دائمًا عرضة للتغيير والزوال، والخوف من فقدانها يجعلك قلقًا. أما أنا فقد بنيت مملكتي في قلبي، على الإيمان والتوكل على الله الغني. هذه المملكة لا يستطيع سارق أن يسرقها ولا عدو أن يدمرها. ولذلك، فإن نجاحي يكمن في سلامي الداخلي، لا في ممتلكاتي الخارجية.»