هل يتعارض الشعور بانعدام القيمة مع الإيمان؟

يتعارض الشعور بانعدام القيمة مع الإيمان، لأن القرآن يؤكد على الكرامة المتأصلة والمكانة العالية للإنسان. الإيمان برحمة الله ومغفرته هو الترياق لليأس ومشاعر انعدام القيمة.

إجابة القرآن

هل يتعارض الشعور بانعدام القيمة مع الإيمان؟

للإجابة على سؤال ما إذا كان الشعور بانعدام القيمة يتعارض مع الإيمان، يمكن القول بثقة من منظور تعاليم القرآن الكريم أن نعم، هذان المفهومان يتعارضان بشكل واضح وعميق. إن الإيمان الحقيقي بالله تعالى والفهم الصحيح لمكانة الإنسان في الوجود لا يتوافقان مع مشاعر انعدام القيمة. في الواقع، الإيمان هو أداة قوية للتغلب على مثل هذه المشاعر. لقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على كرامة الإنسان وعظمته، وهذه التأكيدات توفر الأساس الجوهري لمكافحة أي شعور بالتقليل من الذات أو انعدام القيمة. السبب الأول والأبرز لهذا التناقض هو المكانة السامية التي منحها الله تعالى للإنسان في الخلق. ففي سورة التين، الآية 4، يقول الله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (لقد خلقنا الإنسان في أحسن هيئة وأجمل تقويم). توضح هذه الآية بوضوح أن خلق الإنسان هو قمة الكمال والجمال. لقد خلق الله تعالى الإنسان بقدرات لا مثيل لها مثل العقل، والإرادة، وحرية الاختيار، وموهبة النمو والسمو. فكيف يمكن لمخلوق سماه خالق الكون «أحسن تقويم» أن يعتبر نفسه عديم القيمة؟ هذا الاعتراف بانعدام القيمة، هو بطريقة ما تجاهل لهذا الفضل والحكمة الإلهية اللامتناهية، وهو غير متوافق مع الشكر والتقدير للنعم الإلهية، وهي من أركان الإيمان. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن الكريم في سورة الإسراء، الآية 70، على تكريم بني آدم: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). هذه الآية لا تؤكد فقط على الكرامة المتأصلة للإنسان، بل تذكر أيضًا أن الإنسان قد مُنح تفضيلاً على العديد من المخلوقات الأخرى. وهذا التفضيل يأتي معه مسؤوليات، بما في ذلك مسؤولية معرفة الذات وتقدير هذه المكانة الرفيعة. إن الشعور بانعدام القيمة لا ينفي هذه الكرامة فحسب، بل يمنع الإنسان أيضًا من أداء الواجبات والمسؤوليات التي تقع على عاتقه في هذه المكانة. سبب آخر للتناقض بين انعدام القيمة والإيمان هو النهي الشديد في القرآن عن اليأس من رحمة الله. ففي سورة الزمر، الآية 53، يقول الله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم). غالبًا ما تنبع مشاعر انعدام القيمة من أخطاء الماضي، أو الفشل، أو تصورات غير دقيقة للقدرات الشخصية، ويمكن أن تؤدي إلى اليأس العميق. ومع ذلك، فإن القرآن، حتى لأولئك الذين ارتكبوا ذنوبًا عظيمة وظلموا أنفسهم، يفتح باب الرحمة الإلهية وينهاهم عن اليأس. فإذا كانت رحمة الله تشمل الخطاة، فكيف يمكن لشخص يمتلك كرامة إلهية متأصلة أن يعتبر نفسه عديم القيمة؟ إن الإيمان بمغفرة الله ورحمته التي لا حدود لها يزيل أي شعور بانعدام القيمة ينبع من الأخطاء أو النواقص. إن الإيمان بالله يستلزم التوكل عليه والإيمان بالقدر والحكمة الإلهية. فعندما يعتبر الإنسان نفسه عديم القيمة، فإنه في الواقع يشك بطريقة ما في حكمة خالقه، ولا يؤمن بأن الله خلقه لهدف سامٍ. هذا الشك والتردد يتناقضان مع المفهوم العميق للإيمان، الذي يملؤه الاطمئنان والسلام. فالمؤمن يعلم أن كل فرد، حتى مع الضعف والنقص الظاهري، يمتلك القدرة على النمو والكمال، وأن الله قد وضع فيه قدرات فريدة. وواجب المؤمن هو اكتشاف وتنمية هذه الإمكانات في سبيل التقرب إلى الله. علاوة على ذلك، فإن أحد الأهداف الرئيسية لإرسال الأنبياء وإنزال الكتب السماوية هو "التزكية" و"التعليم" للإنسان. التزكية تعني تطهير النفس من الرذائل وتنمية الفضائل الأخلاقية. فإذا اعتبر الإنسان نفسه عديم القيمة، فكيف يمكنه أن يجد دافعًا للتزكية والنمو؟ إن هذا الشعور بانعدام القيمة يصبح عقبة أمام السمو والتقدم الروحي، ويتعارض مع الهدف الرئيسي للدين وهو استكمال الإنسان. إن الإيمان يمنح الإنسان الأمل والدافع للسعي لتحقيق الأهداف الإلهية السامية وأن يكون أفضل نسخة من ذاته. في الختام، على الرغم من أن الإنسان قد يعاني أحيانًا من مشاعر مؤقتة بانعدام القيمة نتيجة للفشل، أو أحكام الآخرين الخاطئة، أو الظروف غير المواتية، إلا أن هذا الشعور لا يجب أن يصبح حالة دائمة. فإيمان حقيقي بالله يساعد الإنسان على فهم أن قيمته تأتي من خالقه، وليس من أحكام البشر الناقصة أو النجاحات والفشل الدنيوي. إن الإيمان بحقيقة أن الله لا يتخلى أبدًا عن عباده ويوفر لهم دائمًا طريق العودة والإصلاح، هو أقوى ترياق لمشاعر انعدام القيمة واليأس. لذلك، يمكن القول بكل تأكيد أن الشعور بانعدام القيمة لا يتعارض مع الإيمان فحسب، بل إن الإيمان بحد ذاته هو سبيل العلاج والتغلب على هذا الشعور المدمر، ويقود الإنسان نحو الثقة بالنفس والأمل والحياة الهادفة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

ذات يوم، جلس درويشٌ مرهق ويائس في صحراء قاحلة، وقال لنفسه: «ماذا أنا في هذا الكون الفسيح؟ أليس حالي أقل من ذرة لا قيمة لها؟» في تلك الأثناء، مر شيخ حكيم من جانبه. سمع أنين الدرويش وسأله بلطف: «يا بني، ما هو حزنك الذي جعل قلبك مكسورًا هكذا؟» أجاب الدرويش بحسرة: «يا سيدي، أجد نفسي عديم القيمة وبلا أي أهمية، وكأن وجودي لا يفرق.» ابتسم الشيخ وقال: «يا ولدي، اعلم أن كل ذرة في هذا الكون لها مكانها وحكمتها. ألم تر كيف يخلق الله ورقة صغيرة بتصميم بديع، ويرزق نملة صغيرة بتدبير عجيب؟ قيمتك ليست في حجم جسدك، بل في الروح الإلهية التي نُفخت فيك، وفي القلب الذي يمكنه ذكر الله، وفي القدرة التي يمكنك بها فعل الخير. فلا تقيس نفسك بمقاييس الدنيا، بل بمقياس رحمته وحكمته اللامتناهية، هو الذي خلقك بهدف سامٍ. أنت من خلقه المكرم وتحظى بمكانة عالية عنده.» عند سماع هذه الكلمات، كأن الدرويش استعاد حياته. هبت نسمة من الأمل في قلبه، وأدرك أن قيمته الحقيقية ليست في أعين الخلق، بل في نظرة الخالق، وغمرته سكينة عميقة.

الأسئلة ذات الصلة