على الرغم من أن القرآن لا يذكر مصطلح «FOMO» صراحة، إلا أنه يعالج جذوره بعمق من خلال التأكيد على الطبيعة الزائلة للدنيا، وأهمية الآخرة، والتوكل على الله، والقناعة. توجه هذه التعاليم الأفراد للتركيز على السلام الداخلي والرضا الإلهي بدلاً من الخوف من فوات الفرص الدنيوية الزائلة.
على الرغم من أن القرآن الكريم لم يذكر مصطلح «الخوف من فوات الفرص» أو «FOMO» بشكل مباشر، إلا أنه يتناول بعمق الجذور النفسية والروحية لهذا القلق الحديث. ينبع FOMO أساسًا من مقارنة النفس بالآخرين، والتعلق المفرط بالدنيا والفرص الزائلة، وعدم الثقة في القدر الإلهي. يقدم القرآن، من خلال رؤيته الشاملة للحياة الدنيا والآخرة، ومكانة الإنسان، وقدرة الله المطلقة، حلولاً عميقة لتحقيق السلام الداخلي والتحرر من هذه المخاوف. أحد أبرز الردود القرآنية على هذا القلق المتفشي هو تأكيده على الطبيعة العابرة والزائلة للحياة الدنيا. في العديد من الآيات، توصف هذه الدنيا بأنها مجرد لعب ولهو وزينة ومتاع مؤقت. على سبيل المثال، في سورة الحديد، الآية 20، يقول الله تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (اعلموا أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). توضح هذه الآية بجلاء أن التعلق ببريق الدنيا ومقارنة الممتلكات والنجاحات بالآخرين ليس إلا خداعًا وإلهاءً. يساعد هذا المنظور الأفراد على فهم القيمة الحقيقية للفرص الدنيوية ويحررهم من الخوف من فقدانها، لأنهم يدركون أن مثل هذه الفرص، مهما بدت عظيمة، هي في النهاية عابرة ولا قيمة لها مقارنة بما ينتظرهم في الآخرة. إن الفهم العميق لهذه الحقيقة يقلل من جاذبية المظاهر الدنيوية، ويجعل الإنسان يرى الفرص بمعيار أبدي لا بمعيار مؤقت وزائل. علاوة على ذلك، يشدد القرآن بقوة على أهمية التركيز على الآخرة والجزاءات الإلهية الدائمة. في سورة الأعلى، الآيتين 16 و17، يقول الله تعالى: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ» (بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى). تقدم هذه الآية دليلاً عمليًا لمكافحة FOMO؛ فعندما تتجه عقول وقلوب الناس نحو ما هو دائم وباقٍ – أي الجزاءات الإلهية ورضوانه – فإن «الفرص الضائعة» المتخيلة في هذه الدنيا تفقد أهميتها. الشغل الشاغل للمؤمن هو استغلال فرص هذه الحياة لكسب رضا الله وجمع الزاد للآخرة، بدلاً من الخوف من فوات لحظات دنيوية زائلة. هذا التحول في الفكر يقضي على القلق الناجم عن FOMO، حيث ينتقل معيار النجاح من الإنجازات الخارجية والمقارنات إلى الرضا الداخلي والإلهي. إنه يغرس شعورًا بالهدف يتجاوز المكاسب المادية، ويوجه طاقة الفرد نحو الأعمال التي تهم حقًا ولها قيمة دائمة، متفوقة بكثير على أي «مكسب» دنيوي مؤقت يمكن أن يفوت. من العلاجات القرآنية الأساسية الأخرى لمواجهة FOMO مفهوم «التوكل على الله». التوكل يعني الاعتماد الكامل على تدبير الله ورزقه. يفهم المؤمن أن رزقه ومصيره في يد الله، وما قُدر له سيصل إليه، وما لم يقدر له سيمر من أمامه. هذا الاعتقاد العميق يجتث جذور الخوف والقلق من فوات الفرص. في سورة الطلاق، الآية 3، ورد: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» (ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا). تقدم هذه الآية طمأنينة عميقة بأن الإنسان إذا أدى واجباته بإخلاص وتوكل على الله، فلن تضيع منه أي فرصة خير مقدرة له. هذا التوكل يمكّن الأفراد من القناعة بما أنعم الله عليهم، بدلاً من التحسر على ما لا يملكون، وبالتالي يعيشون في سلام وسكينة. هذا الاعتماد يغرس إحساسًا بالأمان، مع العلم أن مصير المرء في أيدٍ أمينة، مما يقلل من الحاجة إلى مطاردة كل فرصة متصورة بشكل محموم خوفًا من الحرمان. مفهوم «القناعة» هو جانب آخر حيوي من التعاليم القرآنية التي تتصدى مباشرة لـ FOMO. القناعة تعني الرضا بما يمتلكه المرء والامتناع عن الجشع والطمع فيما يمتلكه الآخرون. يحذر القرآن المؤمنين من التطلع بحسد إلى ثروات الآخرين والجشع المفرط في جمع الممتلكات الدنيوية. في سورة التكاثر، الآيتين 1 و2، يتناول الله تعالى مباشرة التنافس والتباهي في زيادة الثروة والأولاد: «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ» (ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر). هذا التنافس والرغبة المفرطة، التي هي مظهر واضح لعقلية FOMO، تشتت الأفراد عن الهدف الحقيقي للحياة وعن التركيز على المسائل الأكثر أهمية، وتبقيهم مشغولين حتى الموت. ينصح القرآن الناس بالنظر إلى ما لديهم وأن يكونوا شاكرين، بدلاً من مقارنة أنفسهم بالآخرين والشعور بالنقص. هذا النهج يحرر الأفراد من القلق الناجم عن فوات الفرص المادية ويوجههم نحو السلام الداخلي وقبول القدر الإلهي. تسمح القناعة للشخص بالتركيز على ما يمتلكه وعلى الفرص الحقيقية للنمو الروحي وخدمة البشرية، بدلاً من مطاردة ما قد يفقده باستمرار. في جوهرها، يعلم القرآن أن الفرص الحقيقية هي الفرص الروحية، وفرص خدمة الآخرين، وفرص الاقتراب من الله، والتي لها قيمة دائمة، على عكس الفرص المادية الزائلة التي تتلاشى بسرعة ولا تحمل أي قيمة للآخرة. في الختام، يعلم القرآن المؤمنين أن يركزوا على الأعمال الصالحة وما هو في سبيل رضا الله، فهذه هي الاستثمارات الحقيقية والدائمة. غالبًا ما يؤدي الخوف من فوات الفرص إلى قرارات متسرعة وجشع وقلق، وكلها تتناقض مع تعاليم القرآن الهادئة والحكيمة. وبالتالي، من خلال تبني الرؤية القرآنية التي ترى الدنيا ممرًا والآخرة هي المقصد الأسمى، وتؤكد على التوكل والقناعة والرضا بالقدر الإلهي، يمكن للمرء التغلب على قلق FOMO وتجربة حياة أكثر هدوءًا وهدفًا.
سمعتُ أنه ذات يوم كان ملك ثري يضع رأسه على وسادته ليلاً بقلب مضطرب وحزين، خوفًا من فقدان ملكه وماله. ولكن بالقرب من قصره، كان يعيش درويش بسيط، ينام في الليل بسكينة لا مثيل لها، مكتفيًا بقطعة خبز يابسة وماء عذب. علم الملك بحال الدرويش فدعاه وقال: «يا درويش، أنا مع كل هذا الثراء والقوة، لا أجد الراحة لحظة واحدة خوفًا من زوالها. كيف لك، مع هذا الفقر، أن تكون بهذه الطمأنينة؟» ابتسم الدرويش وقال: «يا ملك، أنت الذي أرقك خوف فقدان ما تملك، أما أنا فليس لدي ما أخشى فقدانه. راحتي تكمن في استغنائي عن هذا العالم، وفي علمي أن ما قُدر لي لن يغيب عني أبدًا. إن كنت قانعًا بما لديك وتثق بتدبير الحق تعالى، فلن يؤذيك خوف فوات فرص الدنيا، ولن تتحسر على ما يمتلكه الآخرون.» تعلم الملك درسًا حكيمًا من هذا الكلام وهدأ قلبه قليلًا.