اعتبر نفسك جديراً بلطف الله من خلال الإيمان الصادق، التقوى، العمل الصالح، التوبة، والشكر. من المهم أن تظل دائماً متفائلاً برحمته وتسعى في طريق العبودية.
السؤال العميق: "كيف أعتبر نفسي جديراً بلطف الله؟" يتناول فهم علاقتنا العميقة بالخالق والسبل التي يمكننا من خلالها استقطاب العناية الإلهية. يجب أن نلاحظ أن مفهوم "الجدارة" في مواجهة الذات الإلهية الأزلية يختلف اختلافاً جوهرياً عن مفهوم الجدارة في التفاعلات البشرية. إن لطف الله وكرمه لا حدود لهما ولا يعتمدان على الاستحقاق المطلق، بل على رحمته الواسعة، كما ورد في قوله تعالى: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" (الأعراف/156)؛ رحمتي وسعت كل شيء. ومع ذلك، يحدد القرآن الكريم مسارات وصفات لعباد يحظون بعناية ولطف خاص من الله. هذه "الجدارة" تعني تهيئة البيئة والظروف التي تسمح للفيض الإلهي أن يتدفق في حياتنا، لا أننا "نستحق" بطبيعتنا، لأن كل ما لدينا منه، ولا يمكن لأي عمل من أعمالنا أن يجعل الله "مديناً" لنا. بل نحن في مقام العبودية، نسعى ونجتهد لنضع أنفسنا في مسار استلام هذا اللطف العظيم. 1. الإيمان الصادق والتوحيد الراسخ: الخطوة الأولى والأهم هي الإيمان الحقيقي بوحدانية الله وصفاته الكاملة وبرسالة أنبيائه. يؤكد القرآن الكريم مراراً وتكراراً على التوحيد ويعتبر الشرك أكبر الذنوب، لأنه يحجب كمال الفيض الإلهي: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ" (النساء/48)؛ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. من كان قلبه مملوءاً بالإيمان بالله ويعبده وحده، فقد وضع أساس استجلاب اللطف الإلهي. يجب أن يكون هذا الإيمان مصحوباً بالمعرفة؛ أي معرفة الله من خلال آياته الكونية والنفسية، والتدبر في كلامه. كلما تعمقت هذه المعرفة، زاد الإيمان قوة وتأثيراً، ووجه الإنسان نحو العبودية الخالصة. الإيمان لا يتأكد باللسان فقط، بل بالقلب والعمل أيضاً. في الواقع، إن الهداية إلى الإيمان بحد ذاتها هي من أعظم الألطاف الإلهية التي يجب تقديرها وشكرها بالعمل. 2. التقوى وخشية الله المستمرة: التقوى تعني خشية الله، والابتعاد عن الذنوب، ومراعاة الأوامر الإلهية. يصف القرآن الكريم المتقين بأنهم يحظون بلطف الله وعونه. التقوى كدرع يحمي الإنسان من الزلل ويمنحه البصيرة والتيسير. "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" (الطلاق/2-3)؛ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. تُظهر هذه الآية بوضوح أن التقوى لا تؤدي فقط إلى الخير في الآخرة، بل أيضاً في أمور الدنيا، فهي سبب للفرج والرزق من مصادر غير متوقعة. التقوى هي شعور دائم بالمراقبة في حضور الله، مما يجعل الإنسان يراعي رضا الله في جميع أعماله ويتجنب كل ما يسخطه. هذه المراقبة المستمرة ترتقي بالإنسان تدريجياً إلى مقام الإحسان، حيث يرى العبد الله حاضراً وناظراً، فيؤدي أعماله بدقة وإخلاص أكبر. 3. القيام بالأعمال الصالحة والإحسان الخالص: لطف الله يشمل أولئك الذين يعملون بما تعلموه ويسعون في سبيل الخير. تشمل هذه الأعمال العبادات الفردية مثل الصلاة والصيام، وكذلك العبادات الاجتماعية مثل مساعدة المحتاجين، والعدل والإنصاف، والإحسان إلى الوالدين والجيران، وكل ما يرضي الله. "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة/195 وآل عمران/134)؛ إن الله يحب المحسنين. هذا الحب الإلهي هو بحد ذاته أعظم لطف وعناية. العمل الصالح لا يفيد الآخرين فحسب، بل يطهر روح الإنسان ويقربه من نبع اللطف الإلهي. كل عمل يُؤدى بنية خالصة ولرضا الله، حتى لو كان صغيراً، يمكن أن يكون باباً نحو اللطف الإلهي اللامحدود. إن أهمية النية في الأعمال الصالحة تنقيها من أي رياء أو تظاهر، وتضاعف قيمتها عند الله. 4. التوبة والاستغفار الدائم بقلب منيب: لا يوجد إنسان معصوم، وكلنا نرتكب أخطاء وذنوب بدرجات متفاوتة. طريق العودة إلى لطف الله هو التوبة النصوح والاستغفار المستمر. الله غفور رحيم، وهو يحب العباد الذين يندمون على ذنوبهم ويعودون إليه، ويغفر لهم ذنوبهم. "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر/53)؛ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم. تفتح هذه الآية بحراً من الأمل واللطف الإلهي للبشر. الشعور بالجدارة بلطف الله يتحقق في ظل هذا الأمل بالمغفرة وقبول التوبة. التوبة الحقيقية لا تشمل الندم على الماضي فحسب، بل تتضمن أيضاً العزم على عدم العودة إلى الذنب وتعويض ما فات. 5. الشكر والذكر الدائم في كل حال: شكر نعم الله من الطرق التي تجلب المزيد من لطفه. يقول القرآن: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم/7)؛ وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد. الشكر لا يتم باللسان فقط، بل بالاستخدام الصحيح للنعم في سبيل رضا الله. ذكر الله الدائم، وتذكره في جميع الأحوال، والتوسل إليه، يحافظ على حيوية القلب ويقوي الصلة الروحية بالخالق. من كان دائم الذكر والشكر، يضع نفسه في دائرة اللطف والعناية الإلهية. الذكر يجلب السكينة للقلوب ويحمي الإنسان من الوساوس والنسيان. 6. الصبر والتوكل على الذات الإلهية الفريدة: حياة الإنسان مليئة بالصعوبات والامتحانات الإلهية. الصبر على الشدائد، وطاعة الأوامر الإلهية والابتعاد عن المحرمات، والتوكل على الله في جميع الأمور، هي من سمات المؤمنين الذين يتلقون لطفاً إلهياً خاصاً. "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة/155)؛ وبشر الصابرين. الله يحب الصابرين ويكافئهم بلا حساب. هذا الصبر صبر فعال؛ أي السعي لتحسين الوضع مع الثقة بتدبير الله والتسليم لقضائه. التوكل أيضاً يعني الاعتماد الكامل على الله بعد بذل جميع الجهود الممكنة، مع اليقين بأنه خير المدبرين للأمور. في الختام، لكي نعتبر أنفسنا "جديراً" بلطف الله، يجب أن نسير على طريق العبودية الخالصة، والتقوى، والعمل الصالح، والتوبة، والشكر. هذا المسار هو رحلة مستمرة ومتنامية، وليس محطة نتوقف عندها بمجرد الوصول. كل خطوة نخطوها بنية خالصة وإرادة قوية، حتى لو كانت صغيرة، تقربنا من لطف الله الذي لا حدود له. المهم هو ألا نيأس من رحمة الله، وأن نتوجه إليه دائماً بقلب مليء بالأمل وعمل خالص، لأنه أرحم الراحمين ورحمته تسبق غضبه. الشعور بالجدارة الحقيقية يأتي عندما نعلم أننا نسعى جاهدين لنكون أفضل عباده، لا أننا ندعي الكمال، بل نحن دائماً بحاجة إلى فضله وكرمه، ونقر بهذا الاحتياج. هذا القبول للنقص والسعي للتعويض عنه هو عين الكمال في نظر الله.
في قديم الزمان، في مدينة صاخبة، كان يعيش تاجر ثري ومضطرب القلب، وعلى الرغم من ثروته الهائلة، لم يكن قلبه يهدأ أبداً. ذات يوم، مر بجانب خانقاه، فرأى درويشاً فقيراً، يرتدي ثياباً بالية ولكن وجهه مبتسم وقلبه يفيض بالشكر، وهو يذكر الله. قال له التاجر: "يا رجل الله، أراك لا تملك مالاً ولا جاهاً، ومع ذلك تبدو أكثر هدوءاً مني، أنا الذي أملك كل شيء! كيف ذلك؟" أجاب الدرويش بابتسامة دافئة: "يا سيدي، هذا هو لطف الله الذي ينزل لا على الجاه والمال، بل على قلب معه ولسان شاكر. لقد خففت عن نفسي أعباء الدنيا، وأحمل فقط عبء الشكر والعبودية. إن الجدارة بلطف الله لا تكمن في الثروة والقصور العالية، بل في قلب لا يلتفت إلى ذاته، بل يفيض بالعبودية والقناعة. لذلك، يغمر الله نعمه على أشد القلوب تواضعاً، لا على أكثر القصور فخراً." فكر التاجر ملياً في هذه الكلمات، وأدرك أن السلام الحقيقي واللطف الإلهي يكمنان في الاتصال بالخالق وقبول القدر بشكر، وليس في جمع متاع الدنيا.