يمكن تحقيق الانفصال عن الممتلكات الدنيوية من خلال التعرف على القيم الحقيقية وعدم الاعتماد على الثروة المادية.
الانفصال عن الممتلكات الدنيوية هو مفهوم عميق وجوهري في حياة المسلم، وهو يمثل تجربة روحية فريدة تستلزم التفكير العميق والتأمل في معاني الحياة والوجود. إن هذا المفهوم له مكانة عظمى في الإسلام، حيث يُعتبر من أسس العقيدة الإيمانية التي توجه المسلم نحو أهدافه السامية في حياته. في هذا المقال، سنستكشف عمق هذا المفهوم وآثاره على حياة المسلم من خلال استنطاق الآيات القرآنية واستعراض بعض الشواهد التاريخية والنفسية التي تعزز من أهمية هذا الانفصال. إن النقطة الأولى التي ينبغي علينا فهمها هي طبيعة الانفصال عن الممتلكات الدنيوية. إن هذا الانفصال يتجاوز مجرد الابتعاد عن المال والأغراض الدنيوية، بل هو يتعلق بوعينا الداخلي والروحي. يُعد التركيز على القيم الروحية والأخلاقية من أبرز جوانب هذا الانفصال، فالتمسك الزائد بالممتلكات الدنيوية يمكن أن يقود إلى ضياع الغرض الأسمى من الحياة، وهو العبادة وطاعة الله. إن القرآن الكريم يُشير بوضوح إلى هذا المعنى في العديد من الآيات. فقد ورد في سورة الملك، الآية 2، قوله تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا". هذه الآية تسلط الضوء على أن الحياة هي اختبار لنا، وعلينا أن نستغل هذه الفرصة في تقديم الأعمال الصالحة التي تقربنا إلى الله. لذا، وإن كانت الحياة جوانب متعددة، فإنها فرصة لنا لنثبت إخلاصنا وعبادتنا للبارئ. نتناول الآن مسألة القيم الحقيقية في حياة المسلم. في ظل هذا الانفصال، من الضروري أن يسأل الفرد نفسه: ما الذي يستحق فعلاً الاهتمام في الحياة؟ هل هو المال أو العقارات أو المظاهر الاجتماعية؟ الإجابة من منظور إسلامي هي القيم الروحية، الإيمان، النية الصادقة، ومساعدة الآخرين. فهذه العناصر هي التي تجعلنا نشعر بالرضا الحقيقي، وتجعل الحياة ذات معنى. كما تأتي أهمية الفكر والذكر في هذه المسيرة، فالذكر هو أداة لتذكير النفس بأن الدنيا ليست سوى متاع زائل، وأننا سنُحاسب على أعمالنا في الآخرة. قال تعالى في سورة التوبة، الآية 24: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ...". في هذه الآية، يُظهر القرآن أهمية الحب الحقيقي والولاء لله أولاً، أي أن أي شيء آخر يتجاوز حب الله في قلوبنا ينبغي نصبه كأولوية. إن التحديات التي يواجهها المسلم في مسيرته نحو الانفصال عن الممتلكات الدنيوية ليست بالسهل، بل تتطلب منه الوعي والصدق في النية لتحقيق مراد الله. لذا يجب على المجتمعات الإسلامية دعم بعضها البعض، لأن النعمة الحقيقية تكمن في رضا الله والأعمال التي تقربنا إليه. علاوة على ذلك، ليس من الضروري أن نفهم أن الانفصال عن الممتلكات الدنيوية يعني تجاهل المسؤوليات المعيشية. بل يتطلب الأمر منا تحديد أولوياتنا بطريقة تجعل القيم الروحية والأخلاقية تأتي أولاً، مع الاستمرار في تلبية احتياجاتنا العيشية. في سياق الحديث عن الانفصال عن الممتلكات الدنيوية، نجد أيضًا أن الهدي النبوي يعزز هذه الفكرة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة". هذا الحديث يُظهر كيف أن أفضل ما يمكن أن يمتلكه الإنسان ليس المال أو المظاهر البراقة، بل العلاقات الطيبة والقيم الإيمانية. وأخيرًا، يمكننا القول أن الحياة قصيرة، ولذا فهي تتطلب منا الاستعداد لذلك اليوم العظيم، يوم الحساب. لذا، دعونا نسعى جميعاً لتحقيق الرضا الحقيقي من خلال علاقتنا بالله، والعمل على تنفيذ الأعمال الصالحة التي تقربنا من خالقنا. ولنشجع أنفسنا ونشجع الآخرين على السلوك في هذا الطريق، كما يجب أن نكون شجعاناً في إعادة توجيه أولوياتنا نحو القيم الروحية بدلاً من الانغماس في المتاع الدنيوي. إذ علينا أن نتحلى باليقين والقدرة على التغلب على العقبات التي تعترض طريقنا، مستعينين بالله سبحانه وتعالى. لنصنع من حياتنا رسالة نعيشها بشغف وعطاء، ونجعل قلوبنا متحدة في مسعى الفلاح في الدارين.
في يوم من الأيام ، كان هناك رجل ضائع في العالم المادي ويتساءل كيف يمكنه الانفصال عنه. قرر الذهاب إلى عالم يسأل عن الإرشاد. قال له العلماء: "هذه الحياة اختبار ، والثراء زائل. ركز على الله والآخرة ، وارفع نظرك عن الممتلكات الدنيوية." تدريجيا، أصبح هذا الرجل مألوفًا بالتذكيرات الإلهية، ووجد قلبه السلام.