كيف أحافظ على علاقتي بالله ولا يبعدني نجاحي عنه؟

للحفاظ على قربنا من الله رغم النجاح، يجب أن نكون شاكرين دائمًا ونتجنب الغرور. فالإنفاق وتذكر الآخرة والالتزام بالعبادات يقوي صلتنا بالله.

إجابة القرآن

كيف أحافظ على علاقتي بالله ولا يبعدني نجاحي عنه؟

النجاح، سواء كان ماديًا أو روحيًا، هو نعمة إلهية يمكن أن تكون سببًا للتقرب إلى الله، أو قد تحمل في طياتها خطر الابتعاد عنه. يعلمنا القرآن الكريم كيفية إدارة هذه النعمة حتى لا تحيد بنا عن طريق العبودية والشكر. إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في الفهم العميق لعدة مبادئ قرآنية أساسية، وهي حيوية ليس فقط للحفاظ على علاقتنا بالله في ذروة النجاح، بل أيضًا لتحقيق السعادة الشاملة في الحياة. المبدأ الأول والأكثر أهمية هو الشكر والامتنان للنعم. لقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية الشكر. ففي سورة إبراهيم، الآية 7، يقول الله تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (وإذ أعلن ربكم: لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). هذه الآية هي قانون كوني وضمان إلهي. الشكر ليس مجرد قول "الحمد لله"؛ بل يشمل ثلاثة جوانب رئيسية: الشكر القلبي (الاعتقاد بأن جميع النعم من الله)، والشكر اللساني (التعبير عن الامتنان والثناء)، والشكر العملي (الاستخدام الصحيح للنعم في سبيل الله). عندما نحقق النجاح، يجب أن نؤمن إيمانًا عميقًا بأن هذا النجاح ليس فقط نتيجة لجهودنا، بل هو هبة من الله. هذا المنظور يجعل الإنسان لا يرى نفسه المالك المطلق للنجاح، بل يعتبره وسيلة للتقرب الإلهي. فالنجاحات الدنيوية مثل المال والمكانة والعلم والشهرة يمكن أن تكون أدوات لخدمة الخلق وإعلاء كلمة الحق. والشكر العملي يعني استخدام هذه القدرات بما يرضي الله، وليس لمجرد المنفعة الشخصية أو التكبر. هذا النهج يبعد الإنسان عن الغفلة والغرور اللذين غالبًا ما يصاحبان النجاح. إنه يذكرنا بأن قدراتنا وفرصنا هي هدايا وليست حقوقًا، مما يعزز الشعور بالاعتماد المستمر على النعمة الإلهية. وهذا التذكر الدائم يقوي جوهرنا الروحي، ويجعلنا أقل عرضة لمزالق الأنا والاكتفاء الذاتي التي غالبًا ما تبتلي أولئك الذين يحققون أشياء عظيمة. وهكذا يغدو النجاح جسرًا لا حاجزًا في رحلتنا الروحية. المبدأ الثاني هو التواضع والابتعاد عن التكبر والغرور. فالنجاحات الكبيرة يمكن أن تزرع أحيانًا بذور الغرور والتعالي في قلب الإنسان. قد ينسى المرء أن القوة الحقيقية لله وحده، وأن كل ما يملكه هو أمانة منه. قصة قارون في القرآن هي مثال تحذيري على عاقبة الغرور والتكبر الناجم عن الثراء. لقد جمع قارون ثروة طائلة لدرجة أن مفاتيح كنوزه كانت تثقل على عصابة من الرجال الأقوياء (سورة القصص، الآية 76). لكنه بدلاً من الشكر، أصابه الغرور ونسب ثروته إلى علمه وحكمته: "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ" (قال: إنما أوتيته على علم عندي). هذا الفكر أبعده عن الله وأدى في النهاية إلى هلاكه. للحماية من هذا الخطر، يجب أن نتذكر دائمًا "لا حول ولا قوة إلا بالله". التواضع يعني ألا يرى الإنسان نفسه أسمى من الآخرين رغم نجاحاته، وأن يرى نفسه دائمًا بحاجة إلى لطف الله وعنايته. هذا الشعور بالتواضع يمنعه من النظر باحتقار إلى الآخرين والتباهي. إنه يعزز روح الترابط والاعتراف بأن كل إنجاز هو في النهاية مظهر من مظاهر إرادة الله وكرمه. من خلال الحفاظ على موقف متواضع، نعترف بحدودنا واعتمادنا على خالقنا، مما يساعد في توجيه النجاح نحو الغايات الفاضلة بدلاً من تمجيد الذات. ويُعد هذا التواضع الروحي درعًا واقيًا ضد همسات الأنا الخفية. المبدأ الثالث هو الإنفاق والعطاء في سبيل الله. من أفضل الطرق لتطهير المال والنفس والوقاية من التعلق المفرط بالدنيا هو الإنفاق. يشجع القرآن الكريم المؤمنين على الإنفاق في آيات عديدة. ففي سورة البقرة، الآية 254، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن یَأْتِیَ یَوْمٌ لَّا بَیْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ" (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة). الإنفاق لا يساعد المحتاجين فحسب، بل يذكر الإنسان بأنه مجرد مستأمن، وأن المال الحقيقي هو ما يُنفق في سبيل الله ويُدخر للآخرة. بمنح جزء مما وهبنا الله، فإننا في الواقع نحرر أنفسنا من القيود المادية ونميل بقلوبنا إليه. هذا العمل يقوي صلة الإنسان بالله ويعزز لديه حس المسؤولية الاجتماعية. إنه يساعد في كبح الجشع والمادية، مما يضمن أن النجاح لا يصبح وثنًا يعبد، بل وسيلة لخير أعظم وأجر إلهي. هذه الممارسة المستمرة للعطاء تحافظ على توازن المرء، وتجعله متعاطفًا، ومدركًا باستمرار للطبيعة الفانية للممتلكات الدنيوية. إنها أداة قوية لمنع القلب من القسوة بسبب الرخاء. المبدأ الرابع هو تفضيل الآخرة على الدنيا. فالنجاحات الدنيوية مهما كانت عظيمة، فهي زائلة ومؤقتة. الهدف الأسمى لحياة المؤمن هو بلوغ رضا الله والسعادة الأبدية في الآخرة. وقد نبه القرآن الكريم على هذه الحقيقة مرارًا. ففي سورة الأعلى، الآيتان 16 و 17، يقول تعالى: "بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿١٦﴾ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴿١٧﴾" (بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى). عندما يدرك الإنسان أن هذه الحياة الدنيا هي مزرعة للآخرة، تتغير نظرته إلى النجاح. فالنجاح لم يعد هو الهدف الأسمى، بل هو أداة لبناء آخرة أفضل. هذا المنظور يضمن أن الإنسان، حتى في قمة نجاحه، لا يصيبه الغفلة ويبقى دائمًا يضع الأعمال الصالحة وعبادة الله في الأولوية. هذا الاعتقاد يمنع التعلق الشديد بمظاهر الدنيا ولا يسمح للنجاح أن ينسي المرء الموت والحساب الإلهي. إنه يزرع شعورًا بالانفصال عن الزائل وشوقًا عميقًا للأبدي، ويوجه الاختيارات والأفعال نحو المكاسب الروحية الطويلة الأمد بدلاً من الإشباع الدنيوي قصير الأمد. هذا المنظور الأبدي يُعد مرساةً حاسمةً. المبدأ الخامس هو المواظبة على العبادات ودوام ذكر الله. ففي خضم انشغالات ونجاحات الحياة، من الأهمية بمكان أن نحافظ على جذورنا الروحية قوية. فالصلوات اليومية، وتلاوة القرآن، والذكر، والدعاء، كلها أدوات تذكر الإنسان بالله وتضفي السكينة على قلبه. هذا الاتصال المستمر بالله، بمثابة مرساة تثبت سفينة وجود الإنسان في عواصف النجاح والتحديات. ذكر الله لا يجلب الطمأنينة فحسب، بل يمنع الإنسان من ارتكاب الذنوب ونسيان الغاية الأساسية من خلقه. لا ينبغي أن يكون النجاح ذريعة للتراخي في العبادات؛ بل يجب أن يكون حافزًا لمزيد من الشكر وحضور أقوى في المحضر الإلهي. الحفاظ على هذه العبادات يضمن إعادة شحن بطارياتنا الروحية باستمرار، مما يحمينا من الفراغ الروحي الذي يمكن أن ينشأ من السعي الدنيوي البحت ويرسخنا في الوعي الإلهي. في الختام، إن الحرص على ألا يبعدنا النجاح عن الله يتطلب وعيًا ذاتيًا دائمًا وجهادًا مستمرًا للنفس. هذا الطريق يمهده الشكر القلبي والعملي، والتواضع أمام الله والخلق، والعطاء مما رزقنا، وتفضيل الآخرة على الدنيا، والحفاظ على اتصال مستمر بالله من خلال العبادات والأذكار. دعونا نتذكر أن النجاح الحقيقي ليس في اكتساب الثروة والسلطة، بل في الحفاظ على الإيمان ورضا الله. هذه هي الضمانات للنجاح المستدام في الدنيا والآخرة. كل توفيق نحققه هو فرصة لإثبات العبودية وتعميق ارتباطنا بخالقنا الرحيم. لذلك، فلنستغل كل لحظة نجاح للتقرب إلى الله، حتى لا تتحول هذه النعم إلى بلاءات، بل تمهد طريق سعادتنا الأبدية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً ورعًا وزاهدًا عاش سنوات في الفقر والقناعة، وقلبه لم يغفل عن ذكر الله قط. وفي أحد الأيام، قادته الأقدار إلى ثروة طائلة. هذا الرجل، الذي أصبح الآن ذا مال وجاه، بدلاً من أن يشكر النعمة ويسلك طريق التقوى، تعلق بالدنيا شيئًا فشيئًا واستمتع بملذاتها. قال له الناس: "يا هذا، ألم تكن قبل هذا منهمكًا في العبادة ومعرضًا عن الدنيا؟ الآن وقد أصبحت غنيًا، نخشى أن يغفل قلبك عن ذكر الله." فرد الرجل قائلاً: "ماذا أخشى؟ هذا المال والثراء لا يفصلني عن الدنيا؛ بل أصبحت الدنيا أسهل عليّ." لكنه غفل عن أن راحة قلبه تناقصت مع ازدياد ماله. وفي ليلة من الليالي، رأى في المنام كأنه في صحراء واسعة وحيدًا، وقد تحولت كل ثروته إلى سراب. وفي ذلك الظلام، سمع صوتًا يقول: "أيها العبد، لقد أضعت نعمتي في الأنانية، وبدلاً من أن تتذكر فقرك السابق وعطاءنا، أبعدت نفسك عنا. اعلم أن كلما زاد التعلق بالدنيا، نقصت عبودية الحق." استيقظ الرجل خائفًا ومرتعدًا، ومنذ ذلك الحين، أنفق ماله وثروته في سبيل الله ومساعدة المحتاجين، وعاد إلى بساطته وعبادته السابقة، وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في القناعة وذكر الله، لا في كثرة الممتلكات.

الأسئلة ذات الصلة