كيف أجد رضى الله في أعمالي؟

ينال رضى الله بالنية الخالصة، والعمل الصالح، والتقوى، والصبر والشكر في كل عمل، فالرب ينظر إلى النوايا والقلوب. هذا المسار يؤدي إلى السكينة والسعادة في الدنيا والآخرة.

إجابة القرآن

كيف أجد رضى الله في أعمالي؟

إن السعي لنيل رضى الله في جميع أعمالنا ولحظات حياتنا لهو هدف نبيل ويمكن تحقيقه لكل مؤمن يسير في طريق العبودية بقلب نقي ونية صادقة. القرآن الكريم هو النور الذي يرسم بوضوح طريق الوصول إلى هذا الرضى الإلهي. هذا الرضى لا يتحقق بمجرد أداء الواجبات والعبادات الظاهرية؛ بل يتطلب منهجاً شاملاً يضم النية الصادقة، والعمل الصالح، والتقوى، والصبر، والشكر، والثبات على الحق. إن أساس وبنيان كل عمل يجلب الرضى الإلهي هو النية الخالصة. فالله تعالى يذكر في القرآن الكريم أن الغاية من خلق الجن والإنس هي عبادته وحده بإخلاص. في سورة البينة، الآية 5، يقول سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. هذه الآية تُظهر بوضوح أن المعيار الأساسي لقبول الأعمال هو الإخلاص؛ أي أن كل عمل يجب أن يؤدى فقط من أجل نيل رضى الله، وليس لجذب انتباه الناس أو تحقيق مكاسب دنيوية. الإخلاص يمنح العمل روحاً، ويُحوّله من مجرد حركة جسدية إلى عبادة عميقة. فبدون الإخلاص، حتى أعظم الأعمال تفقد قيمتها الروحية، لأن الله لا يحتاج إلى أعمالنا، بل ينظر إلى قلوبنا ونياتنا. إذا أدى الإنسان كل عمل بنية أن 'الله يراني وسيرضى عني'، فإن حياته كلها تتحول إلى عبادة عظيمة. هذه النية الصادقة يجب أن تسري في جميع جوانب الحياة، من العبادات الشخصية إلى التعاملات الاجتماعية والاقتصادية وحتى المهنية. بعد النية الخالصة، يأتي عنصر العمل الصالح. العمل الصالح مفهوم واسع لا يقتصر على الصلاة والصيام والحج، بل يشمل كل فعل خير يُؤدى وفقاً للتعاليم الإلهية وبهدف إصلاح الفرد والمجتمع. في سورة الكهف، الآية 110، يُذكر: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾. هذه الآية تُبين بوضوح العلاقة بين رجاء لقاء الله (الذي يعني رضاه) وأداء العمل الصالح. العمل الصالح يشمل رعاية حقوق الوالدين والأقارب، ومساعدة المحتاجين، والصدق، والأمانة، والعدل، والابتعاد عن الظلم والفساد، وكل أنواع خدمة خلق الله. يؤكد الله في آيات عديدة على الإحسان إلى الوالدين، مثل الآية 23 من سورة الإسراء: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾. هذا يُظهر أن حتى تفاعلاتنا العائلية والاجتماعية، إذا تمت بنية صحيحة ووفقاً للتعاليم الإلهية، يمكن أن تُسبب رضى الله. لذلك، كل خطوة تُتخذ لإرساء السلام والعدل والمحبة وتلبية احتياجات البشر، إذا كانت بنية خالصة، فهي في سبيل نيل رضى الله. النقطة المهمة هي أن العمل الصالح يجب أن يكون مصحوباً دائماً بالتوحيد والابتعاد عن الشرك؛ أي لا ينبغي للإنسان أن يُشرك بالله أحداً في عبادته أو يقوم بأعماله بنية غير الله. التقوى الإلهية هي أحد الأعمدة الأساسية الأخرى لتحقيق رضى الله. التقوى تعني حفظ النفس والامتناع عن الذنوب والمحرمات الإلهية وأداء الواجبات. من يتقي الله، يكون دائماً حريصاً على ألا يتجاوز حدود الله في أقواله وأفعاله. في سورة آل عمران، الآيتان 133 و 134، نقرأ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾. هذه الآيات تُعدد صفات المتقين، التي تشمل الإنفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس. هذه الصفات تُظهر الأبعاد العملية للتقوى التي تؤدي إلى جلب المحبة والرضى الإلهي. فالشخص المتقي ليس فقط يتجنب ارتكاب الكبائر، بل يمتنع أيضاً عن الشبهات والأعمال التي قد تؤدي إلى الخطيئة، لأنه دائماً يشعر بوجود الله ومراقبته ويريد أن يكسب رضاه. هذا الشعور بالحضور الإلهي يجعل الإنسان يتصرف في السر والعلن بنفس الطريقة التي يتصرف بها في وجود الآخرين، وهذا بحد ذاته علامة على الإخلاص والتقوى الحقيقية. الصبر والشكر هما أيضاً من الخصائص الهامة التي تُبقي الإنسان ثابتاً على طريق نيل رضى الله. الصبر على الشدائد والمصائب والشكر على النعم، كلاهما علامة على التسليم والتوكل على الله. في سورة البقرة، الآية 153، يُقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. هذه الآية تؤكد أن الصبر والصلاة أدوات للاستعانة بالله، وأن الله مع الصابرين. من يتحلى بالصبر في مواجهة الصعوبات ولا ييأس من لطف الله، يكون في الواقع قد سلم رضاه لرضى الله. وبالمثل، فإن الشكر على النعم الإلهية يؤدي إلى زيادتها وجلب رضى الله أكثر. في سورة إبراهيم، الآية 7، نقرأ: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. الشكر ليس مجرد قول باللسان، بل يشمل أيضاً الاستخدام الصحيح للنعم في سبيل رضى الله. على سبيل المثال، استخدام الثروة لمساعدة المحتاجين أو استخدام العلم لهداية الناس، هي أمثلة على الشكر العملي الذي يؤدي إلى رضى الله. أخيراً، الثبات على الحق والتوبة والعودة إلى الله بعد كل خطأ، هي من الطرق الأخرى لتحقيق رضاه. فحياة الإنسان لا تخلو من الأخطاء والزلات، ولكن الأهم هو أن يعود الإنسان بسرعة إلى الله بعد كل زلة ويطلب المغفرة. فالله يُحب التوابين، وأبواب رحمته مفتوحة دائماً لعباده. والثبات يعني الاستقامة والثبات في أداء الأعمال الصالحة والابتعاد عن الذنوب، حتى لو كان الطريق مليئاً بالصعوبات والإغراءات. الذين يثبتون في سبيل الله يتلقون البشرى من الملائكة الإلهية ويدخلون الجنة الموعودة. فسورة الفجر، الآيات 27 إلى 30، تُصور بأبهى صورة نهاية المطاف الصالحة لمن سعوا إلى رضى الله في حياتهم، بالنداء العذب: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾. هذه الآيات تُشير إلى أن النفس المطمئنة والهادئة هي النفس التي نالت رضى الله بأعمالها في الدنيا، وفي الآخرة تعود إلى ربها راضية مرضية، وتدخل جنته مع عباده الصالحين. وبالتالي، فإن العثور على رضى الله في الأعمال هو رحلة مستمرة ودائمة تتطلب الاهتمام بالنية، وجودة العمل، ومراعاة التقوى، والصبر والشكر، والثبات في الطريق الإلهي. هذا الرضى لا يجلب السعادة الأخروية فحسب، بل يمنح السلام والبركة لحياة الإنسان في هذه الدنيا أيضاً.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في قديم الزمان، كان يعيش رجل زاهد وتقي في مدينة شيراز. كان يبدو بسيطاً ومتواضعاً للغاية، ولم يكشف قط عن أعماله الصالحة لأحد. اعتبره الناس رجلاً عادياً، لكنه كان يسعى في كل نفس وكل حركة إلى رضى الله. في إحدى الليالي، رأى جاره الفقير مريضاً طريح الفراش وليس لديه طعام ليأكله. دون أن يلاحظ أحد، أعد سراً بعض الطعام والدواء وأخذه إلى منزل الفقير. لم ينتظر حتى يتعرف عليه الفقير ويشكره، بل عاد بسرعة. عندما سأله أحد أصدقائه: «لماذا لم تبقَ ليعرف من ساعده؟ ربما كان سيدعو لك بخير!» ابتسم الزاهد وقال: «يا أخي، أنا أُفضل رضى الخالق على شكر المخلوق. فمن يعمل لله، لا يحتاج إلى أجر من العباد.» وهكذا، وجد الزاهد في كل عمل صغير وكبير قام به بإخلاص، سكينة في قلبه فاقت كل متعة دنيوية، لأنه كان يعلم أن الله راضٍ عنه.

الأسئلة ذات الصلة