لإضفاء الطابع الإلهي على كل عمل، أخلص نيتك بأن يكون لرضا الله وحده، وتجنب أي تظاهر للناس. حتى المهام اليومية يمكن أن تصبح عبادات عندما تؤدى بهذا الهدف الإلهي، محولة حياتك بأكملها إلى عبادة مستمرة من خلال صدق النية.
إن تحويل كل فعل ونية في الحياة إلى غاية إلهية هو أحد أجمل وأعمق المفاهيم في التعاليم القرآنية والإسلامية. هذه العملية، التي يكمن في جوهرها "الإخلاص" و"النية" لرضا الله تعالى، تعني أن كل ما نفعله – سواء كان عبادات عظيمة وظاهرة، أو أعمالًا يومية وعادية – يجب أن نبدأها بهدف التقرب إلى الله وكسب رضاه. هذا لا يزيد من القيمة الروحية لأعمالنا بشكل لا متناهٍ فحسب، بل يمنح حياتنا معنى وتوجهًا إلهيًا. يؤكد القرآن الكريم مرارًا على أهمية النية والإخلاص، ويحدد الغاية من خلق الإنسان بأنها عبادة الله وطاعته. عندما ننوي أن يكون كل عمل نقوم به، حتى شرب جرعة ماء أو أداء واجبات العمل، خالصًا لوجه الله وفي سبيل تحقيق أهدافه السامية، فإننا في الحقيقة نحول حياتنا بأكملها إلى عبادة مستمرة وهادفة. لإضفاء الطابع الإلهي على النوايا، يجب أولاً الانتباه العميق لمفهوم الإخلاص. الإخلاص يعني تطهير النية من أي شوائب غير إلهية؛ أي أداء العمل خالصًا لوجه الله، دون انتظار مكافأة دنيوية، أو مديح الناس، أو حتى خوف من عذاب النار. وعلى الرغم من أن المكافآت والعقوبات محفزات مهمة، إلا أن ذروة الإخلاص هي أن يؤدى العمل من أجل الله ذاته ومن محبته. يتطلب هذا المستوى من الإخلاص معرفة أعمق بالله؛ لأنه كلما عرف الإنسان الله بشكل أفضل ورآه مصدر كل خير وجمال، زاد ميله naturally لأداء الأعمال من أجله. في القرآن الكريم، تؤكد آيات مثل "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ" (البينة: 5) بوضوح على هذا المبدأ: أن الهدف الأساسي من الأمر الإلهي هو العبادة الخالصة والتوجّه إلى الدين الحنيف. هذه الآية تُظهر أن كل عمل نقوم به يجب أن يكون مصحوبًا بصدق النية ليكون مقبولًا عند الله. أحد أهم جوانب إضفاء الطابع الإلهي على النوايا هو تعميمها على جميع لحظات الحياة. يجب ألا يقتصر الإخلاص على عبادات معينة مثل الصلاة والصيام. حتى الأعمال الدنيوية والعادية الظاهرة، مثل كسب الرزق الحلال، وطلب العلم، ومساعدة الجار، وتربية الأبناء، أو حتى الراحة والنوم، يمكن أن تتحول إلى عبادة بنية إلهية. على سبيل المثال، عندما ننوي أن نعمل ونكسب رزق حلال لأسرنا ولا نمد أيدينا لأحد، يتحول هذا العمل نفسه إلى عبادة عظيمة. أو عندما نطلب العلم بنية خدمة خلق الله وكسب رضاه، فإن طلبنا للعلم يصبح عبادة. حتى نومنا يمكن أن يتخذ صبغة إلهية إذا نوينا به استعادة الطاقة للعبادة والخدمة. هذا هو ما قاله النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم): "إنما الأعمال بالنيات". هذا الحديث يعلمنا أن جودة وقيمة أعمالنا تعتمد على باطنها ونيتها أكثر من ظاهرها. لتطبيق هذه الفكرة عمليًا، نحتاج إلى وعي ذاتي ومراقبة دائمة. قبل كل عمل، نتوقف لحظة ونسأل أنفسنا: "لماذا أقوم بهذا العمل؟ ما هو هدفي النهائي؟ هل هذا العمل يقربني إلى الله؟ هل يرضيه؟" هذا السؤال والجواب الداخلي يضبط ويصحح نيتنا. أثناء أداء العمل، يجب أن نكون حذرين من أن تنحرف نيتنا، وألا يدخلها شائبة "الرياء" (التظاهر) أو "السمعة" (طلب الشهرة). إذا شعرنا بأن نيتنا تميل إلى غير الله، فعلينا فورًا تصحيحها وتجديد النية الخالصة. هذه المراقبة هي تدريب روحي مستمر يقود الإنسان تدريجيًا إلى مقام أعلى من الإخلاص. يقول القرآن الكريم في سورة الأنعام، الآية 162: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، أي "قل: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين". هذه الآية توفر خارطة طريق كاملة لإضفاء الطابع الإلهي على الحياة بأكملها. عندما يُسلّم الإنسان كيانه ووجوده كله لله، فلا يخرج أي عمل عن دائرة الإرادة الإلهية والنية الخالصة. هذه النظرة لا تزيد من مسؤولية الإنسان تجاه أعماله فحسب، بل تمنحه سلامًا وطمأنينة؛ لأنه يعلم أن كل جهوده في سبيل رضا الخالق، وأن أي نتيجة تحصل هي من عنده، وفيها الخير والبركة. هذه النية الإلهية تحول حياة الإنسان من سلسلة من الأعمال المتفرقة بلا هدف إلى مسار واضح وهادف للوصول إلى القرب الإلهي. لذا، في كل صباح نستيقظ فيه، يمكننا أن ننوي أن نقضي هذا اليوم بالكامل في سبيل مرضاته، وأن نبدأ كل عمل بهذا المنظور. هذا الاستمرار والممارسة سيعمل تدريجياً على تنقية نوايانا وإضاءة قلوبنا بالنور الإلهي. باختصار، إضفاء الطابع الإلهي على النوايا هو عملية عميقة ومستمرة تبدأ بالوعي الذاتي، والمراقبة، والمعرفة الأعمق بالله، وتتواصل بالممارسة والمثابرة في جميع جوانب الحياة. هذا لا يؤدي فقط إلى التقرب من الله، بل يجعل الحياة مليئة بالمعنى، والسلام، والبركة.
يروى في گلستان سعدي أن ملكًا عادلًا سأل ذات ليلة عن أحوال رعيته. فأُخبر بوجود رجلين في المدينة مشهورين بأعمالهما الصالحة. أحدهما كان تاجرًا ثريًا يبني مساجد عظيمة ويتصدق على الفقراء بصوت عالٍ، وكان يأتي إلى البلاط يوميًا ليتحدث عن فضائله. أما الآخر، فكان درويشًا بسيطًا مجهولًا يعيش في زاوية منعزلة، يؤدي حتى أعماله اليومية ومساعداته الصغيرة لجيرانه سرًا، دون أي انتظار للمقابل، قائلاً: "كل ما أفعله هو لرضاه، وهو سبحانه الشاهد والعالم." فقال الملك، وكان بصيرًا ببواطن الأمور: "كم من أناس ظاهرهم جميل وباطنهم مظلم، وكم من أناس ظاهرهم بسيط وباطنهم مملوء بالنور الإلهي. عمل ذلك الدرويش المجهول، الذي يؤدي كل نَفَس وكل عمل صغير لله، هو ألف مرة أثمن في نظر الرب من مساجد ذلك التاجر وصدقاته الصاخبة. ذلك لأن قيمة العمل تكمن في نيته، والنية الخالصة لا يمكن أن تكون إلا لله." وهكذا، أدرك الملك كيف أن النية الطاهرة، حتى في الأعمال الصغيرة، تُضفي على العمل طابعًا إلهيًا وخالدًا.