كيف أجعل نيتي اليومية إلهية؟

لجعل النوايا اليومية إلهية، يجب على المرء أن يخلص نيته لله بوعي قبل كل عمل، ويربط الأعمال الدنيوية بالأهداف الأخروية. اجتنب الرياء، وعزز النوايا بالدعاء ودراسة حياة الأنبياء والصالحين، ومارس المحاسبة الذاتية اليومية.

إجابة القرآن

كيف أجعل نيتي اليومية إلهية؟

لكي تتجلى نياتنا اليومية بصبغة إلهية وتتحول كل أفعالنا إلى عبادة، لا بد أن نصقل قلوبنا بذكر الله، وفي كل لحظة من حياتنا، أن نجعل رضى الرب هو الهدف والغاية الأسمى. يُفَسَّر هذا المفهوم في الإسلام بمصطلحي "النية" و"الإخلاص". النية هي جوهر العمل، وبدونها تفقد الأعمال قيمتها الروحية مهما كانت عظيمة أو شاقة. أما الإخلاص، فيعني تطهير النية من أي شائبة غير إلهية، وأداء العمل خالصًا لوجه الله تعالى. القرآن الكريم يؤكد مرارًا على أهمية الإخلاص والعمل لمرضاة الله. ففي سورة البينة، الآية 5، يقول سبحانه: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»؛ أي: "وما أُمِروا في جميع الشرائع إلا بعبادة الله وحده، مخلصين له الطاعة، مائلين عن الشرك إلى التوحيد، ويقيموا الصلاة على وجهها، ويؤدوا الزكاة المفروضة عليهم، وذلك المذكور هو الدين المستقيم الذي لا اعوجاج فيه." هذه الآية توضح بجلاء أن أساس كل عبادة وعمل هو الإخلاص في النية، أي أن جميع الأعمال يجب أن تُؤدَّى لله وحده. لجعل النوايا اليومية إلهية، هناك خطوات عملية وروحية عديدة يمكننا تطبيقها في حياتنا: 1. الوعي وحضور القلب قبل كل عمل: قبل البدء بأي عمل، مهما كان صغيرًا أو روتينيًا، لنتوقف لحظة ونسأل أنفسنا: "ما هو هدفي من القيام بهذا العمل؟" ثم ننوي بوعي أننا نقوم بهذا العمل لمرضاة الله. على سبيل المثال، عند الاستيقاظ من النوم، ننوي أننا نستيقظ لبدء يوم مبارك وأداء واجباتنا التي أمرنا الله بها. وعند تناول الطعام، ننوي أننا بهذا الطعام نكتسب الطاقة اللازمة للعبادة وخدمة خلق الله. 2. ربط الأعمال الدنيوية بالأهداف الأخروية: الإسلام لا يفصل بين حياة الدنيا والآخرة، بل يعتبر الدنيا مزرعة للآخرة. ولذلك، يمكننا تحويل الأعمال اليومية مثل العمل لكسب الرزق الحلال، وتربية الأبناء، وتنظيف المنزل، والدراسة، وحتى الراحة، إلى عبادات بنية إلهية. فالعمل بنية توفير الرزق الحلال للأسرة، ومساعدة المجتمع، والاستغناء عن الآخرين، هو بحد ذاته عبادة عظيمة. ورعاية الأسرة وتربية الأبناء تربية صحيحة بنية مرضاة الله وإيجاد جيل صالح، هي من أسمى العبادات. 3. الابتعاد عن الرياء والسمعة: من أكبر العوائق في طريق جعل النوايا إلهية هو الرياء (إظهار العمل للناس). الرياء يُفرغ أعمالنا من قيمتها ويُبطل ثوابها الأخروي. كلما شعرنا أننا نقوم بعمل من أجل رؤية الناس ومدحهم، يجب أن نصحح نيتنا على الفور ونُخلصها لله وحده. فالقرآن الكريم في سورة النساء، الآية 142، يذم المنافقين الذين يصلون بقصد الرياء: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا»؛ أي: "إن المنافقين يحاولون خداع الله بإظهار الإيمان وإبطان الكفر، وهو خادعهم في الدنيا والآخرة. وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا في كسل، يقصدون بصلاتهم أن يراهم الناس، ولا يذكرون الله إلا ذكرًا قليلًا." 4. الدعاء والتوسل إلى الله لتثبيت النية: النية الخالصة والإلهية هي هبة إلهية يجب طلبها من الله. بالدعاء والمناجاة، نطلب من الرب أن يُطهر قلوبنا من كل نجاسة وشرك خفي، وأن يجعل نياتنا خالصة لرضاه وحده. دعاء "اللهم اجعل عملنا كله صالحًا واجعله لوجهك خالصًا ولا تجعل لأحد فيه شيئًا" هو مثال على هذا الطلب. 5. دراسة وتأمل حياة أولياء الله: سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) مليئة بالدروس في الإخلاص والنية الإلهية. حياتهم تُظهر كيف يمكن تحويل كل لحظة من الحياة إلى ساحة عبادة وعبودية. دراسة سيرهم وأقوالهم يمكن أن تكون مصدر إلهام لنا في طريق جعل النوايا إلهية. 6. المحاسبة اليومية للنفس: في نهاية كل يوم، نُخصص وقتًا لمحاسبة أعمالنا ونياتنا. نسأل أنفسنا: "ما هي الأعمال التي قمنا بها اليوم؟ وما كانت نيتنا من ورائها؟ هل كانت مرضاة الله هي الأولوية أم شيء آخر؟" هذا التقييم الذاتي المستمر يساعدنا على معرفة نقاط ضعفنا والسعي لتصحيحها في الأيام القادمة. هذه العملية المستمرة تجعلنا نقترب أكثر فأكثر من حياة ذات نية إلهية، وتصبح أعمالنا ذات قيمة وثواب أعلى عند الله. هذا الممارسة المستمرة تُمهد طريق التقرب إلى الله وتجعل حياتنا مليئة بالبركة والسكينة. في الحقيقة، جعل النوايا إلهية يعني ترسيخ ذكر الله في جميع جوانب الحياة، بحيث يكون كل خطوة وكل قرار نتخذه مرآة لعبودية خالصة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك درويشان يتعبدان في مسجد. أحدهما كان دائم الذكر والتسبيح بصوت مرتفع، بينما الآخر، بقلب منير ونية خالصة، كان يجلس في زاوية ويصبغ كل عمل يومي صغير، من كنس المسجد إلى ترتيب الكتب، بنية التقرب إلى الله. في أحد الأيام، مر رجل تقي من هناك. رأى أن الدرويش الذي كان يذكر الله بصوت عالٍ ينال الثناء من الناس، بينما الآخر الذي كان يعمل في خلوة لم يُلاحظ كثيرًا. سأل الرجل التقي الدرويش الأقل ملاحظة: "لماذا لا تذكر الله بصوت عالٍ مثل رفيقك لكي يتحدث الناس عنك بخير؟" فابتسم الدرويش وقال: "لا أهتم بمدح الخلق، فإن نيتي في كل عمل هي رضى الخالق. من يعمل للخلق ينال جزاءه من الخلق، ومن يعمل للحق ينال جزاءه من الحق." تعلم هذه الحكاية من سعدي أن القيمة الحقيقية لكل عمل تكمن في إخلاص نيته، وإذا كانت النية إلهية، فإن أصغر الأعمال تصبح عظيمة ومباركة في نظر الله.

الأسئلة ذات الصلة