لتجنب الغرور بعد الأعمال الصالحة، يجب إخلاص النية لله والحفاظ على التواضع والشكر وتجنب مدح الذات، فكل توفيق من عند الله. بتذكر العيوب الشخصية والتعلم من القصص القرآنية، يمكن كبح الغرور وأداء الأعمال الصالحة ابتغاء مرضات الله.
كيف أحذر أن لا تؤدي أعمالي الصالحة إلى الغرور؟ هذا سؤال عميق وحيوي، يتناول أحد أكثر الأمراض الروحية دقة وتدميراً: الكبر والعُجب. إن أداء الأعمال الصالحة والخيرية يظهر الفطرة البشرية النقية ويؤدي إلى رضا الله تعالى. ولكن إذا اختلطت هذه الأعمال الفاضلة بآفة الغرور، فإن قيمتها الحقيقية لا تتضاءل فحسب، بل قد تبعد الإنسان عن طريق الحق والصواب. يقدم القرآن الكريم، بحكمته التي لا مثيل لها، حلولاً وإرشادات متعددة للحفاظ على الإخلاص وتجنب الغرور بعد القيام بالأعمال الصالحة. أول وأهم ترياق للغرور هو «الإخلاص». يذكر القرآن صراحة أن أي عمل لا يكون مقبولاً عند الله إلا إذا كان خالصاً لوجهه الكريم وحده. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة). عندما تكون النية خالصة، أي عندما يكون العمل مقصوداً به وجه الله فقط، وليس لكسب مدح الناس أو الشعور بالتفوق على الآخرين، فإن أرضية ظهور الغرور تنتفي. كلما نسب الإنسان أعماله الصالحة إلى نفسه، وقع في العجب وحب الذات. في حين أن المؤمن الحقيقي يدرك أن كل خير يصدر منه هو توفيق من الله تعالى. هذه النظرة تدفع الإنسان إلى الشكر بدلاً من التفاخر. المبدأ القرآني الثاني هو «التواضع». الغرور حالة يرى فيها الفرد نفسه عظيماً ومتفوقاً على الآخرين، بينما التواضع يوجه الإنسان إلى معرفة مكانه الصحيح أمام عظمة الله تعالى ونقاط ضعفه في مقابل الكمال المطلق. ينهى لقمان الحكيم في نصيحته لابنه عن الغرور والتكبر. في سورة لقمان، الآية 18، يقول تعالى: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور). هذه الآية تبين بوضوح أن المشي بتبختر وتكبر والنظر باحتقار للآخرين مذموم عند الله. يجب على الإنسان أن يتذكر دائماً أن كل نعمة، سواء كانت القدرة على فعل الخير، الذكاء، الجمال، أو الثروة، هي أمانة من الله تعالى ولا يجوز له التفاخر بها. التواضع في القول والسلوك وحتى في النوايا يحمي الإنسان من فخ الغرور. ثالثاً، مبدأ «الشكر المستمر». كلما قام الإنسان بعمل صالح، يجب أن يعتبره فضلاً من الله تعالى وأن يشكر على هذا التوفيق الإلهي. في سورة إبراهيم، الآية 7، يقول الله تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). هذا الشكر لا يزيد النعم فحسب، بل يجعل الإنسان يشعر دائماً بالامتنان والاحتياج إلى الله، بدلاً من الشعور بالاستحقاق أو الغرور. الشكر على توفيق فعل الخير يمنع الإنسان من اعتبار هذا الخير من الصفات الذاتية الأصيلة له. رابعاً، «تجنب تزكية النفس والإطراء على الذات» أمر بالغ الأهمية. يعلمنا القرآن ألا نعتبر أنفسنا أتقياء أو بلا عيوب، وأن نمتنع عن مدح أنفسنا، لأن الله وحده يعلم خفايا أمورنا وظواهرها، وهو أعلم بمن اتقى. في سورة النجم، الآية 32، يقول تعالى: «فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ» (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). هذه الآية تذكرنا بأن الإنسان قد يقوم بأعمال صالحة ظاهراً، ولكن نيته قد تكون غير خالصة أو قد يصيبه الغرور. الله وحده هو العليم بما في القلوب. لذلك، كلما جاءت وسوسة الإطراء على الذات، يجب على الإنسان أن يتذكر أن الله أعلم به ولا يخفى عليه شيء. خامساً، نقطة حيوية هي «تذكر ضعف المرء وقصوره». لا يوجد إنسان كامل، ولكل شخص نقاط ضعف. التركيز على هذه النقاط والعمل على معالجتها يمنع الفرد من التركيز فقط على أعماله الصالحة ويحافظ على تواضعه. حتى لو قام الإنسان بالعديد من الأعمال الصالحة، فإن أعماله لا تزال قليلة أمام عظمة الله ورحمته التي لا حدود لها، وهناك دائماً مجال للتعويض والتحسين. سادساً، «الاستفادة من الأمثلة القرآنية والتاريخية» بمثابة تذكير قوي. قصة إبليس، أول مخلوق طُرد من رحمة الله بسبب الغرور والتكبر، هي تحذير دائم. فقد رأى نفسه أفضل من آدم ورفض السجود له. وقصة قارون الذي اغتر بماله وعلمه وابتلعته الأرض في النهاية، هي مثال آخر على العواقب الوخيمة للغرور. في المقابل، حياة الأنبياء والأولياء الصالحين مليئة بالتواضع والبساطة، على الرغم من مكانتهم الرفيعة. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، على الرغم من كونه أشرف الخلق، كان يعيش دائماً في قمة التواضع ويعتبر نفسه عبداً من عباد الله. لمنع أعمالنا الصالحة من أن تؤدي إلى الغرور، يجب علينا أن نفحص نوايانا باستمرار. هل أقوم بهذا العمل لوجه الله، أم ليثني علي الناس؟ هل أقوم به لأثبت لنفسي مدى جودتي؟ إذا كان الجواب هو رضا الله، فعلى الإنسان أن يعتبر نفسه مجرد أداة لتحقيق الإرادة الإلهية. علاوة على ذلك، يجب أن ندرك أن القدرة على أداء أي عمل صالح، من أصغر مساعدة لمحتاج إلى أكبر خدمة اجتماعية، هي نعمة من الله. فبدون قوته ومشيئته، لا يصدر منا أي عمل. هذا الاعتقاد العميق يجفف جذور الغرور. أخيراً، تذكر أن الأجر الحقيقي للأعمال هو عند الله وحده يمنع الغرور. إذا كان الإنسان يطمح إلى المكافآت والثناء الدنيوي، فإنه يكون عرضة للغرور. ولكن إذا علم أن الأجر الحقيقي لا يأتي إلا من الله، وأنه هو الذي يقبل الأعمال بفضله وكرمه، فإنه يبتعد عن مدح الذات. الأعمال الصالحة هي فرص للتقرب إلى الله، وليست أدوات للتفاخر أو اكتساب الشرف الشخصي. بالالتزام بهذه المبادئ القرآنية والتوكل على الله، يمكننا حماية أعمالنا الصالحة من آفة الغرور وضمان بقائنا على الطريق الصحيح للعبودية. هذا الطريق هو الذي يؤدي إلى السلام الحقيقي في الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة.
في قديم الزمان، كان هناك رجل تقي ومحسن يقوم بالعديد من الأعمال الصالحة. ولكن في بعض الأحيان، كان يتحدث بشغف عن فضائله أمام الناس، متوقعاً المديح. ذات يوم، شاهده درويش حكيم وقال له بلطف: «يا طالب الفضيلة! إن كان هدفك من هذه الأعمال هو مديح الناس، فاعلم أن أجرك قد تحقق في هذه الإطراءات العابرة ولا قيمة لها دائمة. أما إذا كان قلبك يتوق لرضا الخالق، فاكتم أعمالك الصالحة كما تكتم ذنوبك، فإن الله عليم بكل شيء، وأجره أبدي.» تأثر الرجل التقي بشدة بهذه الكلمات الحكيمة، وأدرك أن التقوى الحقيقية تكمن في التواضع والإخلاص، لا في الشهرة والثناء. ومنذ ذلك الحين، قام بأعماله الصالحة في الخفاء ووجد سلاماً عميقاً وقرباً حقيقياً من ربه.