يتحقق السلام النفسي من خلال الروحانية في الإسلام بذكر الله والصلاة والصبر والتوكل والشكر. هذه المفاهيم القرآنية تربط القلوب بالمصدر الأسمى للسكينة، محرة إياها من قلق الدنيا.
السكينة النفسية هي كنز مفقود للكثيرين في عالمنا المعاصر؛ ففي عالم مليء بالتحديات والضغوطات والهموم اللامتناهية، يبدو تحقيق حالة مستقرة من السلام الذهني والروحي أمرًا بعيد المنال. ولكن التعاليم العميقة والشاملة للإسلام، ولا سيما ما ورد في القرآن الكريم، تقدم حلولاً واضحة وعملية لتحقيق هذا السلام الداخلي. الروحانية في الإسلام ليست مجرد مجموعة من العبادات الجافة والجامدة، بل هي أسلوب حياة متكامل وشامل يغطي جميع أبعاد الوجود الإنساني، وهدفها النهائي هو تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، وبالطبع، السلام الحقيقي في كلا العالمين. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية الارتباط بخالق الكون وذكره، ويصف هذا الارتباط بأنه المصدر الرئيسي لسكينة القلوب. من أشهر الآيات في هذا الصدد الآية 28 من سورة الرعد التي تقول: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذه الآية هي جوهر الإجابة على سؤالك. ذكر الله هو السبيل الوحيد الحقيقي لسكينة القلوب وراحة النفس. ولذكر الله أشكال متعددة؛ من تلاوة القرآن وتدبر آياته، إلى التسبيح والتهليل، وحتى التفكر في عظمة الله وحكمته في الظواهر الطبيعية. عندما يتذكر الإنسان الله بوجوده كله، ويتأصل هذا الذكر في أعماق كيانه، تتلاشى التعلقات الدنيوية والمخاوف والاضطرابات الناجمة عن الارتباطات المادية. يدرك أن هناك قوة عليا رحيمة، ترعاه وتدعمه دائمًا، وهذا الشعور بالدعم يمنحه سلامًا لا يوصف. أحد الركائز الأساسية الأخرى للروحانية التي تلعب دورًا لا مثيل له في السلام النفسي هو «الصلاة». الصلاة هي عماد الدين ومعراج المؤمن. هذا الاتصال اليومي خمس مرات في اليوم هو فرصة للانفصال المؤقت عن صخب الدنيا والاتصال بمصدر السلام الأبدي. في كل ركعة من الصلاة، يقف الإنسان بخضوع وتواضع أمام ربه، يسلمه مشاكله وهمومه، ويطلب منه العون. يقول القرآن الكريم في الآية 45 من سورة العنكبوت: «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون). لا تشير هذه الآية فقط إلى آثار الصلاة الرادعة عن السيئات، بل تشير ضمنًا إلى السكينة التي تنشأ من هذا الاتصال العميق. «الصبر» و«التوكل» هما جناحان للروحانية لا يمكن بدونهما الطيران نحو السلام النفسي. الحياة مليئة بالامتحانات والابتلاءات، ولا يوجد إنسان معفى من المعاناة والمصاعب. ولكن الفرق يكمن في كيفية مواجهة هذه المشاكل. يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى الصبر والثبات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين - البقرة: 153). عندما يكون الإنسان صبوراً، أي لا يجزع ولا يتضجر في مواجهة المصائب ويثق في حكمة الله، وبالإضافة إلى ذلك يتوكل، أي يسلم أموره إلى الله ويفوض إليه النتائج، يرتفع عنه العبء الثقيل للقلق. يعلم أن كل ما يحدث، فهو بمشيئة الله، وأن الله يريد الخير له. هذا اليقين القلبي يمنحه سلامًا عميقًا. «الشكر» هو أيضًا من أجمل مظاهر الروحانية التي تؤثر مباشرة على السلام النفسي. العديد من الاضطرابات النفسية تنبع من عدم الشكر والتركيز على ما ينقص المرء. لكن القرآن الكريم يدعونا إلى الشكر على نعم الله التي لا تعد ولا تحصى. عندما يركز الإنسان على ما يملك بدلاً من ما ينقصه، ويكون شاكراً على ذلك، يتحول تركيزه من النواقص إلى الوفرة، وهذا التغيير في المنظور هو نفسه مصدر عظيم للسلام والرضا. في سورة إبراهيم الآية 7 نقرأ: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). تشير هذه الآية إلى أن الشكر لا يجلب السلام فحسب، بل يزيد أيضًا من البركات الإلهية. وأخيراً، الفهم الصحيح لـ«الدنيا» و«الآخرة» يسهم بشكل كبير في السلام النفسي. يؤكد القرآن الكريم مراراً وتكراراً على فناء الدنيا وخلود الآخرة. عندما يدرك الإنسان أن هذه الدنيا ليست سوى ممر مؤقت وأن الهدف الرئيسي هو الحياة الأبدية في الآخرة، تقل تعلقه بالدنيا. ونتيجة لذلك، فإن فقدان المال أو المكانة، أو مواجهة الإخفاقات، لا ينهكه بعد الآن. هذا المنظور يحرره من ضغوطات السباق الدنيوي المحموم ويسمح له بالسير في الحياة بهدوء أكبر. هذا الفهم العميق لفلسفة الوجود يحرر الإنسان من الهموم العبثية ويساعده على الاستمرار في مسار الحياة بثقة وسلام في كل الظروف. لذا، فإن الروحانية الإسلامية، التي تتمحور حول ذكر الله، والصلاة، والصبر، والتوكل، والشكر، والفهم الصحيح للوجود، ليست فقط طريقًا للسعادة الأخروية، بل هي طريق ملكي لتحقيق السلام النفسي المستقر في هذا العالم الصاخب. هذه ليست سوى جزء من بحر التعاليم القرآنية التي لا نهاية لها والتي يمكن أن تكون نوراً يضيء طريق سلامنا.
يروى في كتاب گلستان لسعدي أن ملكًا كان ثريًا وقويًا، لكنه كان دائمًا قلقًا ومضطربًا. في أحد الأيام، رأى درويشًا، على الرغم من فقره الظاهر، يجلس سعيدًا وهادئًا بجانب مجرى مائي، ويغني. سأله الملك: «أيها الدرويش، مع كل هذا الفقر، كيف لك هذا القلب المطمئن، بينما أنا، مع كل هذه النعم، لا أجد أي سلام؟» ابتسم الدرويش وقال: «أيها الملك، لقد تعلقت بقلبك بأشياء زائلة، وكل خسارة تجلب حزنًا جديدًا. أما أنا فقد أسلمت قلبي لمن هو أبدي، وكل ما يأتي منه فهو خير. ذكر الرب العظيم يحرر القلب من كل قيد، وعندما يتحرر القلب، يأتي السلام تلقائيًا. حزن ما لم تملكه والخوف من فقدان ما لديك هما حجاب على السلام. اشغل قلبك بذكر الحبيب، وسيزول الحزن عنك.» تعلم الملك درسًا من كلام الدرويش وأدرك أن السلام لا يكمن في الممتلكات، بل في تسليم القلب للخالق الذي منه ينبع كل سلام.