كيف يمكن للمرء أن يوقظ ضميره؟

إيقاظ الضمير من منظور قرآني يتحقق من خلال تقوية التقوى، والذكرى والتفكر في آيات الله، والإيمان بالمحاسبة في يوم القيامة. النفس اللوامة، أو الضمير المؤنب، تعمل كقوة داخلية توجه الإنسان نحو الحق وتمنعه من الخطيئة.

إجابة القرآن

كيف يمكن للمرء أن يوقظ ضميره؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، على الرغم من أن كلمة "وجدان" بمعناها الفلسفي الحديث قد لا تُذكر صراحة، إلا أن مفاهيم وتعاليم عديدة قد تم التأكيد عليها مراراً وتكراراً، وكلها تساهم بشكل كبير في إيقاظ وتقوية وتوجيه هذه القوة الأخلاقية الداخلية – التي نسميها الضمير. القرآن لا يشير فقط إلى وجود هذه القوة، بل يقدم حلولاً عملية لتنميتها حتى يتمكن الإنسان من السير في طريق الحق والعدل والابتعاد عن الأخطاء. من أهم المفاهيم التي تناولها القرآن ولها صلة مباشرة بالضمير هي "النفس اللوامة". يقول الله تعالى في سورة القيامة الآية 2: "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ". تشير هذه الآية إلى وجود قوة داخلية تلوم الإنسان بعد ارتكاب الخطيئة أو الخطأ، وتدفعه إلى الندم والعودة إلى الصراط المستقيم. إيقاظ الضمير يعني تفعيل هذه النفس اللوامة وتقويتها لكي تتمكن من أداء دورها الإرشادي على أكمل وجه. أساس إيقاظ الضمير في القرآن هو التقوى وخشية الله. التقوى لا تعني مجرد الخوف من العقاب الإلهي، بل تشمل الشعور العميق بالمسؤولية أمام الله والوعي الدائم بحضوره. هذا الشعور بالمسؤولية يدفع الإنسان إلى مراجعة أفعاله ونواياه باستمرار. عندما يكون الشخص تقياً، فإنه يمتلك دائماً حارساً داخلياً يحذره من الوساوس والرغبات النفسية. في سورة البقرة الآية 197 نقرأ: "...وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ..." فالتقوى بمثابة نور يضيء الطريق الصحيح للضمير ويبعده عن الغفلة والظلام. لتعزيز التقوى، يشدد القرآن كثيراً على الذكرى والتفكر في الله. ذكر الله يريح القلب ويطهره من الشوائب. في سورة الرعد الآية 28 ورد: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". الذكر الدائم، هو بمثابة غذاء للروح يحافظ على الضمير حياً ونشطاً، ويمنحه القوة لمواجهة الشدائد والوساوس. هذا التذكير المستمر يجعل الإنسان أقل عرضة للوقوع في الذنوب وأكثر ميلاً للتفكير في عواقب أفعاله في الآخرة. كما أن التأمل والتفكر في الآيات الإلهية وعلامات الخلق، من الحلول القرآنية الأخرى لإيقاظ الضمير. يدعو القرآن الكريم الإنسان مراراً وتكراراً إلى التدبر والتفكر في خلق السماوات والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وتنوع الخلق. في سورة آل عمران الآيتين 190-191 نقرأ: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..." هذا التفكر العميق يجعل الإنسان يدرك عظمة الخالق ويدرك مكانته في الوجود. هذا الإدراك يعزز لديه حس المسؤولية ويجعل ضميره أكثر يقظة تجاه مراعاة حقوق الآخرين والالتزام بالقيم الأخلاقية. رؤية النظام والحكمة في العالم يقود الإنسان إلى الاعتقاد بأن الحياة ذات هدف وأن لكل فعل عواقب، سواء في الدنيا أو في الآخرة. هذا الاعتقاد هو القوة الدافعة للضمير. الإيمان بيوم الحساب والعقيدة في المعاد، يلعب دوراً حيوياً في إيقاظ وتفعيل الضمير. يؤكد القرآن الكريم بشدة على حقيقة أن كل إنسان مسؤول عن أفعاله، وسيأتي يوم تُحاسب فيه جميع الأعمال، صغيرة كانت أم كبيرة. في سورة الزلزلة الآيتين 7 و 8 نقرأ: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ". هذا الوعي بأن لا عمل يذهب سدى، يخلق دافعاً قوياً للإنسان ليسأل نفسه قبل القيام بأي عمل، هل هذا العمل يرضي الله وما هي عواقبه؟ هذا الإيمان بالمعاد يحول الضمير إلى مراقب دائم لا يسمح للإنسان بتجاهل أفعاله السيئة بسهولة أو التعدي على حقوق الآخرين. أخيراً، التوبة والاستغفار أيضاً من الأدوات القرآنية الهامة لتطهير وإيقاظ الضمير. الإنسان معرض للخطأ وقد يتصرف أحياناً بما يخالف نداء الضمير. القرآن يفتح باب العودة دائماً، وينصح المذنبين بالندم على أفعالهم والعودة إلى الله. التوبة الصادقة لا تطهر الذنوب فحسب، بل تزيل الغبار عن الضمير وتسمح له بالعمل بوضوح وشفافية مرة أخرى. في سورة النساء الآية 110 جاء: "وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا". هذه الفرصة للتوبة تبقي الأمل حياً في القلب وتمنح الضمير فرصة ليصبح نشطاً وديناميكياً مرة أخرى من خلال تدارك الأخطاء. باختصار، إيقاظ الضمير في نظر القرآن، هو عملية مستمرة تتطلب التقوى، والذكرى والتفكر في الله، والإيمان بالمعاد ويوم الحساب، والاستعداد للتوبة والعودة إلى الله. هذه كلها أدوات وضعها الله تحت تصرف الإنسان ليتمكن من الاستماع إلى نداءه الداخلي والسير في طريق النجاة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن ملكاً قوياً وثرياً كان غافلاً عن معاناة رعيته. كان ينغمس في الولائم والاحتفالات، صاماً أذنيه عن صرخات المظلومين. وفي إحدى الليالي، رأى في المنام مشاهد من الظلم ومحنة الناس هزت قلبه. استيقظ في الصباح التالي وروحُه مضطربة، فذهب إلى درويش حكيم طالباً النصح. فقال له الدرويش بهدوء: "أيها الملك! عرشك وتاجك الحقيقيان مبنيان على العدل والإنصاف، والسلام الحقيقي هو تاج ضميرك المستيقظ. فإن أنين المظلومين لا يتردد صداه في السماوات فحسب، بل يتردد عميقاً في قلبك أيضاً." تأثر الملك بهذه الكلمات، وسارع إلى معالجة شكاوى المظلومين، واحترم حقوقهم، ومنذ ذلك اليوم حكم بالعدل والرحمة. وقد وجد أن السلام الذي بحث عنه لسنوات لم يكن في الثروة والسلطة، بل في ضمير مستيقظ وخدمة الإنسانية.

الأسئلة ذات الصلة