يمكن امتلاك قلب رحيم بذكر الله، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، والقيام بالأعمال الصالحة، وترك الذنوب. هذا المسار يتطلب جهداً مستمراً لتليين القلب وتطهيره عبر تعاليم القرآن الكريم.
امتلاك قلب رحيم ولطيف هو من أسمى الصفات الإنسانية وأمنية الكثيرين الذين يسيرون على درب الكمال الروحي. يوضح لنا القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي، بطرق مختلفة كيف يمكننا تحرير قلوبنا من القسوة والصلابة وتزيينها بالرقة والرحمة. تبدأ هذه الرحلة الداخلية بالعودة إلى الفطرة الإلهية؛ الفطرة التي أودعها الله في جميع البشر، وجعلها تميل إلى الخير والصلاح. الرحمة، في جوهرها، هي تجلٍ للصفات الإلهية التي تنعكس في عباده، فالله نفسه هو مصدر الرحمة واللطف، وأسماؤه الحسنى مثل 'الرحمن' و 'الرحيم' تشهد على هذه الحقيقة. لذلك، فإن الخطوة الأولى نحو امتلاك قلب رحيم هي الفهم العميق لهذه الصفة الإلهية والسعي للتوافق معها. يوضح القرآن الكريم بوضوح كيف تقسو القلوب وكيف يمكن تليينها. أحد الأسباب الرئيسية لقسوة القلب هو البعد عن ذكر الله والغفلة عن آياته. في سورة الحديد، الآية 16، يقول الله تعالى: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ" تُشير هذه الآية إلى أن الذكر المستمر لله، وتلاوة القرآن، وتدبر آياته يلعب دوراً أساسياً في تليين القلوب وإضفاء الرحمة عليها. عندما يُنار قلب الإنسان بكلام الله، تُزال حجب الغفلة، وينظر الإنسان إلى العالم والكائنات ببصيرة أكبر، وهذه البصيرة هي مصدر الرحمة والشفقة. من الطرق المهمة الأخرى لاكتساب قلب رحيم الاقتداء بالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى في سورة آل عمران، الآية 159: "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ" تُظهر هذه الآية بوضوح أن السمة الأساسية للقيادة والهداية هي اللطف والرحمة. كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم نموذجاً كاملاً للرحمة واللطف للعالمين، كما ورد في سورة الأنبياء، الآية 107: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ." الاقتداء بأخلاق النبي، التي تشمل العفو والتجاوز، والصبر على الشدائد، وتجنب الغضب، والتعامل بابتسامة مع الجميع، بما في ذلك من قد يختلفون معنا، يُلين القلب ويجعله رحيماً. عندما يسعى الإنسان للتحكم في غضبه ويتعامل مع الآخرين بلطف واحترام، تنبت بذور الرحمة في وجوده. تُؤثّر الأعمال الصالحة والإحسان، خاصةً تجاه المحتاجين والمظلومين، تأثيراً عميقاً في تنقية القلب. لقد شدد القرآن الكريم مراراً على الإحسان إلى الوالدين، ومساعدة الأيتام، والمساكين، وابن السبيل. في سورة الإسراء، الآيتان 23 و 24، نقرأ: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ" ثم يتابع: "إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا." هذه الأوامر الإلهية، تتجاوز كونها مجرد واجب اجتماعي، فهي تمرين لتليين القلب. عندما يتبرع الإنسان بماله ووقته لمساعدة الآخرين، يتقوى لديه شعور التعاطف والشفقة، وتزول قسوة القلب. رعاية الفقراء والمرضى والذين يعانون من المحن، تفتح أبواب القلب لرحمة الله. تَرْك الذنوب والاستغفار هما أيضاً من العوامل المهمة في تليين القلب. فالذنوب، مثل طبقة من الصدأ، تستقر على القلب وتجعله قاسياً ومظلماً. التوبة والعودة إلى الله، مصحوبة بالندم الحقيقي على الذنوب والعزم على تركها، تزيل هذا الصدأ وتُعيد القلب نقياً ولطيفاً. يُشجعنا القرآن على الاستغفار وطلب المغفرة، لأن هذا الفعل هو علامة على التواضع أمام الله والوعي بنقائصنا، وهو بحد ذاته يُساهم في تليين القلب. في النهاية، يجب أن ندرك أن امتلاك قلب رحيم هو عملية مستمرة تتطلب تهذيب الذات، والمراقبة، والجهد الدؤوب. بالالتفات إلى آيات القرآن والعمل بتعاليمه، يمكننا تحويل قلوبنا إلى نبع من الرحمة واللطف، لننعم بالسلام الداخلي ونُضيء نوراً للآخرين.
يُروى في روضة السعدي (گلستان) أن ملكًا أمر بقطع يد سارق. فبدأ السارق في تلك اللحظة بالسب والشتم للملك. فقال له وزير حكيم كان حاضرًا: "أيها الملك! لقد سرقت يدا هذا اللص كثيرًا، ولكن يد الملك للرحمة والمغفرة أعظم. لو عفوت عنه وأوكلت إليه عملاً شريفًا، فربما لانت قسوة قلبه وصلابته، وتُشغَل هذه الأيدي في خدمة صالحة لك." تأثر الملك بكلام الوزير الحكيم، وبِرحمةٍ نبتت في قلبه، عفا عن اللص. فندم اللص بعد ذلك وحلف بالولاء، ودخل في خدمة الملك. وبالفعل، لان قلبه بهذه الرحمة وتزين بصفة الخير. تُظهر هذه القصة أن الرحمة، حتى في التعامل مع المخطئين، يمكن أن تُلين القلوب القاسية وتُرشدهم إلى الصراط المستقيم.