تؤدي مقارنة أنفسنا بالآخرين إلى مشاعر النقص. من خلال التركيز على النمو الشخصي وأهدافنا الخاصة، يمكننا تحرير أنفسنا من هذه المقارنة.
مقارنة النفس بالآخرين هي واحدة من العقبات الأساسية التي تعيق نمو الشخصية وسلام العقل. يميل البشر بشكل طبيعي إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين، مما قد يؤدي إلى مشاعر القصور والفشل. تدفعنا هذه المقارنات إلى الانتقاد الذاتي وتشعرنا بعدم الرضا عن أنفسنا، مما يؤثر سلبًا على ثقتنا بالنفس وصحتنا النفسية. بل إن هذا السلوك يمكن أن يقودنا إلى الاكتئاب والقلق، حيث نجد أنفسنا دوماً في سباق مع الآخرين، دون أن نحقق رضاءنا الذاتي. ولكن هل هناك طريق للخروج من هذه الحالة؟ هذا هو السؤال المهم الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا. لم يكن من قبيل الصدفة أن نجد القرآن الكريم يدعونا إلى قبول أنفسنا والامتناع عن مقارنة أنفسنا بالآخرين. ففي سورة الحجرات، الآية 13، يقول الله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجعلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا." تذكرنا هذه الآية بأن لكل شخص هوية فريدة خلق بها، وأن التنوع بيننا هو نعمة. من خلال التعرف على قدراتنا الخاصة، يمكننا تنمية شعورنا بالرضا وعدم المقارنة. بدلاً من النظر إلى الآخرين كمقياس لنجاحنا أو فشلنا، يجب علينا التركيز على أهدافنا الشخصية ونقاط قوتنا. عند النظر إلى الأمم الناجحة والأفراد المتميزين، نجد أنهم غالبًا ما ركزوا على مسارهم الشخصي بدلاً من الانشغال بما يفعله الآخرون. هؤلاء الأشخاص قرروا السعي نحو التميز والتفاني في تحقيق أهدافهم، مما أعطاهم شعورًا بالإنجاز. إن مقارنة أنفسنا بالآخرين ليست فقط غير بناءة، بل تبعدنا أيضًا عن أهدافنا الحقيقية. بل إن اتباع هذا السلوك قد يجعلنا نهمل مواهبنا الخاصة وقدرتنا على الإبداع. عندما نبدأ رحلة النمو الشخصي، يجب أن نقبل أنفسنا كما نحن. فالفطرة البشرية تميل إلى الرغبة في التحسن، ولكن هذا التحسن يجب أن يأتي من داخلنا، وليس بناءً على ما يفعله الآخرون. في هذه الإطار، يشجعنا القرآن مرة أخرى. جاء في سورة آل عمران، الآية 169: "لا تظنوا أن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا؛ بل أحياء عند ربهم يُرزَقون." هذه الآية تبث الأمل في نفوسنا، وتذكرنا بأهمية الإيمان بأنفسنا وأهدافنا. يجب أن نعلم أن كل تجربة نمر بها، سواء كانت جيدة أو سيئة، تضيف إلى مصيرنا الشخصي وتساعدنا في النمو والتعلم. من خلال التركيز على أهدافنا الشخصية والتعلم من تجارب الآخرين، يمكننا الابتعاد عن المقارنة وتطوير السلام العقلي والروحي. إن السير نحو تحسين الذات يتطلب منا الصبر والعزيمة، ولكن العائد سيكون عظيمًا. عندما نتناول أهدافنا بشكل عملي ونستخدم قوتنا الفردية، سنجد أنفسنا نحقق تقدمًا ملحوظًا في حياتنا. لكي نصبح أفضل نسخة من أنفسنا، يجب علينا التصالح مع ذواتنا والتفكير بصورة إيجابية. يمكننا البدء بالخطوات الصغيرة، سواء من خلال تحديد أهداف قصيرة المدى أو من خلال ممارسة التأمل والتفكير الإيجابي. التأمل يساعدنا في التفكير بهدوء والتركيز على ما هو مهم في حياتنا. عند النظر إلى تجارب الحياة، نجد أن النجاح يأتي من التعلّم من الأخطاء. التعلم من الفشل يعد جزءًا أساسيًا من النمو الشخصي. عندما نكون قادرين على تحويل الفشل إلى درس القيمة، نقترب أكثر من تحقيق أهدافنا. إن التجارب الإنسانية المتنوعة تعكس تحديات الحياة التي يمكن أن نتعلم منها إذا نظرنا إليها بصورة صحيحة. إن تطوير مهارات اجتماعية جيدة يعتبر خطوة إضافية نحو الابتعاد عن المقارنات السلبية. من خلال بناء علاقات صحية مع الآخرين، يمكننا تبادل المعرفة والخبرات وتحقيق تعاون متبادل. هذا بدوره يساهم في تحسين مشاعرنا تجاه أنفسنا ويعزز الشعور بالإنتماء. في الختام، لا بد من التأكيد على أن مقارنة النفس بالآخرين ليست فقط ليست الطريقة الصحيحة لقياس قيمتنا الشخصية، بل إن تأثيرها قد يكون مدمرًا للنفس وللروح. يجب أن ندعو أنفسنا للتركيز على أهدافنا الخاصة والتقدم نحو تحقيقها بالثقة والعزيمة. بمراعاة تعاليم القرآن التي تدعونا إلى احترام نفسيات الآخرين وفهمهم، سوف نتمكن من بناء مجتمع أكثر تناغمًا ونجاحًا.
في يوم من الأيام، شعر شاب يُدعى سروش بالحزن الشديد لأنه كان يقارن حياته دائماً بحياة الآخرين. كان يتأثر بشدة بالصور التي كان يراها عن سعادة الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي. في أحد الأيام، أثناء تصفحه للقرآن، صادف آية من سورة الحجرات. ساعدته هذه الآية في تذكر قدراته الفريدة وأعادت تركيزه على نموه الشخصي. منذ ذلك اليوم، بدأ سروش في تعلم مهارات جديدة وتعزيز نقاط قوته، واكتشف شيئًا فشيئًا سعادة حقيقية.