محبة الله أبدية لا حدود لها. تتجلى علاماتها في الهداية الإلهية، قبول التوبة، الصبر على الشدائد، والتوفيق في العبادات. لكي نشعر بهذه المحبة، يجب أن نطيع أوامره ونعود إليه.
إن الشعور بالشك في محبة الله تجربة قد يمر بها الكثير من الناس، خاصة في الأوقات الصعبة أو بعد ارتكاب الأخطاء. لكن القرآن الكريم وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يؤكدان لنا بكل وضوح وحنان لا حدود له أن محبة الله تعالى لعباده تفوق تصوراتنا وهي محبة أبدية ومتدفقة باستمرار. الله هو "الودود"، أي كثير الود والحب والرحمة. هذه صفة إلهية متأصلة، تنبع من ذاته، وبالتالي فهي لا تتغير. إنه يحب مخلوقاته، وهو أقرب إلينا مما نتخيل. لكي نفهم هذه المحبة ونتأكد منها، يجب أن ننتبه إلى العلامات التي نجدها في أنفسنا وفي العالم من حولنا، وأن نعيد تقييم علاقتنا به. من أوضح علامات المحبة الإلهية هي الهداية الإلهية. مجرد طرحك لهذا السؤال وبحثك عن إجابته هو بحد ذاته علامة على محبة الله ولطفه. إنه هو الذي وضع هذه الرغبة في قلبك لتسعى إلى الاتصال به. الهداية إلى الإسلام، إلى القرآن، إلى الصلاة، وإلى كل عمل صالح تقوم به، كلها من مظاهر الهداية الإلهية. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 257: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور). هذا الإخراج من الظلمات والقيادة نحو النور دليل على محبة عميقة ودائمة. في الحقيقة، لو أن الله لم يكن يحبك، لما اشتعل هذا الوعي وهذا التساؤل عن المكانة الإلهية في قلبك أبدًا. هذه دعوة داخلية تنبع من مصدر المحبة الإلهية، لتذكرك بأنه معك دائمًا ويرشدك إلى طريق الخلاص. مثل هذه الهدايات هي هبة من عنده تضيء طريقنا وتساعدنا على بلوغ الكمال. قبول التوبة ومغفرة الذنوب هو دليل قاطع على محبة الله اللامتناهية. الإنسان خطّاء، ولا يوجد أحد لا يخطئ. ومع ذلك، فإن الله قد أبقى أبواب التوبة مفتوحة دائمًا لعباده. إنه لا يحب التائبين فحسب، بل أكد في القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا ألا نيأس من رحمته. في سورة الزمر، الآية 53، يقول سبحانه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم). هذه الآية بحر من الأمل والمحبة، وتظهر أن الله ينتظر عودة العبد حتى بعد ارتكاب أكبر الذنوب، ويحبه. إن القدرة على التوبة والشعور بالندم بعد الذنب هي نعمة من عنده، لأنه هو الذي يوجه قلبك نحو التطهير والعودة. هذا الشعور بالخجل والرغبة في الإصلاح هو علامة على حيوية الإيمان في قلبك والمحبة التي يكنها الله لك. إنه لا يعرض عنك أبدًا إلا إذا أعرضت أنت عنه تمامًا وسرت نحو الشقاء. الابتلاء بالصعوبات والتجارب قد يبدو أحيانًا وكأنه علامة على بُعد الله وعدم اهتمامه، لكن في كثير من الحالات، يكون العكس تمامًا هو الصحيح. الله يختبر عباده ليقوي إيمانهم، ويمحو ذنوبهم، ويرفع درجاتهم. قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "من يرد الله به خيراً يصب منه" (البخاري). هذه التجارب أشبه بحجر الصقل الذي يصقل ماسة الإيمان. الصبر على البلاء والتوكل على الله في الشدائد هو بحد ذاته علامة على محبة متبادلة؛ فالله يحب عبده الذي يختبره، والعبد أيضًا يُظهر محبته بالصبر والتوكل. في سورة البقرة، الآية 155، نقرأ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين). هذه البشارة للصابرين علامة على لطف الله ومحبته. لذا، كلما وجدت نفسك في ضيق وشدة، بدلاً من الابتعاد عن الله، حاول أن تقترب منه، لأن هذا الضيق يمكن أن يكون وسيلة لتطهيرك من الذنوب ورفع درجاتك الروحية، وهذا بحد ذاته هو عناية ومحبة من الرب. التوفيق في أداء العبادات والأعمال الصالحة هو علامة أخرى. عندما تشعر أن الصلاة أصبحت ممتعة لك، أو أن رغبتك في مساعدة الآخرين والقيام بالأعمال الصالحة قد ازدادت، فهذه كلها توفيقات من الله. فالله لا يحرم التوفيق أبدًا من أي شخص يرغب في الاقتراب منه. في سورة المائدة، الآية 54، يصف الله أقوامًا يحبهم ويحبونه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم). هذه الآية تبين أن المحبة الإلهية تقترن بالعمل الصالح والجهاد في سبيله، وحقيقة أن الله يوجهك نحو القيام بهذه الأعمال هي بحد ذاتها علامة على محبته. عندما يميل قلبك إلى الخير وتشعر بالخفة والرضا في أداء الأعمال الصالحة، فاعلم أن هذه دعوة إلهية تدعوك إليه، وهي لا تنبع إلا من محبته اللامتناهية. في الختام، لكي تتأكد من أن الله يحبك، يجب عليك أيضًا أن تسعى بنفسك لجذب محبته. طاعة أوامره، والابتعاد عن نواهيه، والاستغفار والتوبة الدائمين، والقيام بالأعمال الصالحة، والإحسان إلى الآخرين، وذكره (تلاوة القرآن والدعاء والأذكار) كلها طرق لا تقربك من الله فحسب، بل تعزز شعور الحب المتبادل في داخلك. الله أرحم من أن يتخلى عن عبد يخطو نحوه. هو "الشكور"، أي كثير الشكر؛ يقدر حتى أدنى خير أو اهتمام منك. هو "الحليم"، أي كثير الصبر؛ يصبر على ذنوبك ليمنحك فرصة للتوبة. هو "الغفور" و "الرحيم"؛ يغفر الذنوب وذو رحمة واسعة. كلما خفق قلبك له وارتفعت يداك بالدعاء، فاعلم أن هذا نداء المحبة من جانبه يدعوك إليه. فامضِ في طريق الحياة بأمل ويقين في محبته اللامتناهية، ولا تيأس أبدًا من رحمته. تذكر أن كل نفس تتنفسه، وكل شروق شمس تراه، وكل شعور بالسلام تشعر به، هو بحد ذاته دليل على محبته ولطفه الدائم.
في قديم الزمان، كان هناك رجل يُدعى "حسن"، الذي كان أحيانًا يخطو خطوات خاطئة في حياته وينحرف عن المسار الصحيح. في كل مرة كان يرتكب فيها ذنبًا، كان عبء ثقيل من الندم يقع على قلبه، وكان يقول لنفسه: "الآن بعد أن فعلت هذا، هل ما زال الله يحبني؟ هل هناك أمل في مغفرتي؟" في إحدى الليالي، في أوج يأس، لجأ إلى "بستان سعدي" في خياله. فجأة، هبت نسائم منعشة، وصوت هادئ، ولكنه آسر، همس في أذنه: "نملة بفم خالٍ، كانت تبحث عن رزقها في الجبال، وفي كل مرة كانت تنزلق وتسقط، كانت تنهض من جديد وتواصل رحلتها. لم تتوقف أبدًا عن جهودها. الله هو رازقها، فكيف يعرض عن عبده التائب؟" تأثر حسن بعمق عند سماع هذه الكلمات. فهم أن محبة الله ورزقه لا تشمل الجسد فحسب، بل الروح أيضًا. إذا كان الله يرزق نملة تسعى لرزقها الدنيوي، فكيف يعرض عن عبد يسعى لرزقه الروحي وقربه منه وهو نادم؟ سالت الدموع من عينيه، وبكل كيانه توجه نحو القبلة وتاب. ومن تلك الليلة فصاعدًا، كلما راودته وسوسة اليأس، كان يتذكر النملة ولطف الله اللامتناهي، ويمتلئ قلبه بالاطمئنان بأن الله يحب دائمًا عباده التائبين والندمين، حتى لو تعثروا ألف مرة. وهكذا، واصل حسن، بأمل في الرحمة الإلهية، مسار حياته بخطوات أكثر ثباتًا ولم يشك أبدًا في محبة ربه.