يمكن للمرء أن يكون واقعيًا بالسعي بنشاط ثم التوكل على الله، دون يأس من رحمته. هذا يعني أداء الواجبات، التعلم من الانتكاسات، ورؤية الأمل حتى في الظروف الصعبة.
فهم كيفية الجمع بين الأمل في رحمة الله الواسعة والواقعية، وتجنب الوقوع في اليأس، هو أحد التحديات العميقة والدروس الحاسمة في الحياة الإيمانية. هذه القضية متجذرة في القرآن الكريم، ويقدم الإسلام إرشادات واضحة في هذا الشأن. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أنه لا ينبغي لأحد أن ييأس من رحمة الله، لأن اليأس يُعد من الكبائر وهو بوابة يدخل منها الشيطان إلى قلب الإنسان. في سورة الزمر، الآية 53، يقول الله تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". هذه الآية المبشرة، ليست فقط للمذنبين، بل لكل من يواجه صعوبات الحياة ويشعر بالعجز؛ إنها تذكير بأن أبواب الرحمة الإلهية مفتوحة دائمًا. ولكن، ما معنى الواقعية في هذا السياق؟ تعني الواقعية الفهم الصحيح لقوانين الكون، وقدرات الفرد، وحدوده، وإدراك أن كل نتيجة تتطلب مقدمات وأسبابًا. لم يدعُ الإسلام أبدًا إلى التقاعس أو إلى نوع من التوكل يلغي استخدام العقل والجهد. مفهوم "التوكل" في الإسلام يعني بذل أقصى الجهد والسعي، ثم تفويض النتيجة إلى الله. أي أن الإنسان يجب أن يبذل كل ما في وسعه، ويستفيد من كل وسيلة مشروعة، ويخطط بجد، ولكن دون أن يعتمد بشكل مفرط على الأسباب أو النتائج الفورية. بدلًا من ذلك، يجب أن يرتبط قلبه بخالق هذه الأسباب. قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لرجل ترك ناقته غير مقيدة، مدعيًا التوكل على الله: "اعقلها وتوكل". هذا الحديث يوضح بجلاء أن التوكل الصحيح يكمل العمل؛ إنه لا يحل محله. إذن، لنميز ما إذا كنا واقعيين أم نتجه نحو اليأس، يجب أن ننتبه إلى عدة علامات. أولاً، هل ما زلنا نمتلك قلبًا هادئًا ومفعمًا بالأمل في فضل الله بعد بذل الجهد المنطقي والسعي، أم أننا وقعنا في اليأس والعزلة؟ يدرك الشخص الواقعي أن الانتكاسات والصعوبات جزء لا يتجزأ من الحياة، لكنه لا يعتبرها نهاية المطاف. إنه يعلم أن الله هو "خير الحاكمين" وأن في كل ما يبدو غير مرغوب فيه حكمة خفية. هذا الفهم للحكمة الإلهية يساعد الإنسان على التحلي بالصبر في مواجهة الشدائد. الصبر هو مفتاح آخر ذكره القرآن مرارًا وتكرارًا. في سورة البقرة، الآية 153، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". الصبر هنا لا يعني التقاعس أو الصمت أمام المشاكل، بل يعني المرونة والثبات ومواصلة الجهود رغم الصعوبات. ثانيًا، هل ما زلنا نبحث عن حلول ونتعلم من التجارب السابقة، أم أننا نجد أنفسنا في طريق مسدود فكريًا؟ تتطلب الواقعية أن نقيم الأوضاع بدقة، ونتعرف على نقاط قوتنا وضعفنا، ونتخذ القرارات بناءً على المعلومات المتاحة. إذا لم تتحقق النتيجة المرجوة، فبدلًا من الاستسلام لليأس، يجب أن نجرب مقاربات جديدة ونطلب الهداية والعون من الله. هذا النهج يشبه المسافر الذي يصل إلى طريق مسدود في رحلة؛ فبدلًا من الجلوس والبكاء، يعيد فحص الخريطة ويجد طريقًا آخر. الإيمان بالله ووعوده هو خارطة طريق لا تتركنا أبدًا في طريق مسدود مطلق. ثالثًا، يكمن الفارق الرئيسي بين الواقعية المقترنة بالأمل واليأس المحض في النظرة إلى المستقبل. يرى اليائس المستقبل مظلمًا وغير قابل للتغيير، فيتخلى عن الجهود. أما الفرد الواقعي الذي يأمل في الرحمة الإلهية، فيرى بصيصًا من الأمل حتى في أحلك اللحظات. إنه يدرك أن التغيير والتحول من السنن الإلهية، وأن الله قادر على جعل المستحيل ممكنًا، بشرط أن يكون العبد قد أدى واجبه. هذا المنظور يمكّن الأفراد من التعلم من المواقف الصعبة، والتوبة من أخطائهم، والمضي قدمًا نحو المستقبل بعزيمة متجددة. اليأس سم يدمر الإبداع والديناميكية البشرية، بينما الأمل، حتى في الظروف المعاكسة، هو القوة الدافعة للتقدم والجهد. باختصار، لفهم هذا التوازن، يجب أن ننظر إلى أفعالنا وحالاتنا الداخلية: هل نسعى بنشاط ثم نفوض النتيجة إلى الله؟ هل لدينا القدرة على إعادة التجمع والبدء من جديد بعد النكسات؟ هل يحافظ إيماننا بقدرة الله ورحمته على إبعادنا عن اليأس المطلق، حتى عندما تبدو الظروف معاكسة لرغباتنا؟ إذا كانت إجابات هذه الأسئلة إيجابية، فأنت تسير على المسار الصحيح للواقعية والأمل في الرحمة الإلهية. هذا التوازن الدقيق لا يؤدي فقط إلى السلام الداخلي، بل يمكّن الإنسان من السعي نحو الكمال والرضا الإلهي بالتوكل والأمل في كل الظروف. فاجتهد وخطط واستخدم عقلك، وفي النهاية توكل على رحمة الله وتدبيره اللانهائي، فإنه خير المدبرين.
قيل لمعلّم حكيم: "لقد شرعتُ في مسعى ومارست الزهد لسنوات لأبلغ هدفي، لكنني لم أرَ طريقًا بعد، ويبدو أن القدر يعاند إرادتي." ابتسم المعلّم وقال: "يا أخي، قصتك مثل قصة ذلك المتسلق الذي أراد أن يصل إلى قمة عالية. كان يحاول كل يوم بكل قوته، يزيل الحجارة ويشق طريقه، لكنه كان يقول لنفسه كل ليلة: 'لماذا هذه القمة بعيدة جدًا، ولماذا الرياح والأمطار تجعل مهمتي صعبة جدًا؟ ربما هذه القمة ليست قدري، ويجب أن أيأس.' ومع ذلك، لم يتوقف عن المحاولة أبدًا؛ كان فقط يحمل اليأس أحيانًا في قلبه. والآن، كان يجب أن يعلم أن الوصول إلى القمة يتطلب جهدًا وصبرًا، وأن القدر يتحدد أيضًا بناءً على سعيه. أنت أيضًا، اسعَ، ولكن لا تتمسك بالنتيجة المطلقة، فالله لا يريد إلا الخير ولا يضيع أجر المحسنين. الواقعية هي أن تعلم أن الطريق صعب، لكن الأمل هو أن تعلم أن الله ناصرك.