يُعرف المسار الصحيح في الحياة من منظور القرآن بالسكينة القلبية، والنتائج الإيجابية للأعمال، والتقوى، والثبات على الحق. من الضروري إخلاص النوايا لرضا الله والمداومة على هذا المسار بالتوبة والتصحيح الذاتي.
من منظور القرآن الكريم، المسار الصحيح في الحياة هو ذلك الذي يقود الإنسان نحو رضا الله، والسلام الداخلي، والسعادة في الدنيا والآخرة. هذا المسار مبني على أسس قوية من الإيمان، والتقوى، والعمل الصالح، والأخلاق الحسنة. لمعرفة ما إذا كنا نسير على المسار الصحيح، يقدم القرآن معايير واضحة يمكننا من خلالها إجراء تقييم دقيق لحالتنا. هذه المعايير لا تساعدنا فقط في إيجاد طريقنا، بل تساعدنا أيضاً في الحفاظ على هذا المسار والثبات عليه. المعيار الأول والأكثر جوهرية، كما نطلب يوميًا من الله في سورة الفاتحة، هو "الصراط المستقيم". الصراط المستقيم هو الطريق الذي أرسله الله تعالى لهداية البشرية؛ إنه الطريق الذي سلكه الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون، وناتجه هو الفلاح الحقيقي (سورة النساء، الآية 69). يتطلب السؤال عما إذا كنا على هذا المسار تأملاً عميقاً في سلوكياتنا، ونوايانا، وأهدافنا. هل تتوافق أفعالنا مع التعاليم الإلهية وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؟ هل هدفنا الأسمى في الحياة هو تحقيق رضا الله أم أننا نسعى فقط وراء المكاسب المادية والدنيوية؟ الصراط المستقيم هو طريق واضح لا لبس فيه، وقد بين لنا من خلال الكتاب الإلهي وهدي النبي (صلى الله عليه وسلم). إذا كانت قراراتنا مبنية على هذه المبادئ، يمكننا أن نأمل أننا نسير على هذا الدرب النير. هذا يعني أن كل خيار نتخذه في الحياة، من أصغر القرارات اليومية إلى أكبر الأهداف المهنية والعائلية، يجب أن يهدف إلى الاقتراب من الله واتباع أوامره. هذا النهج يمنح حياتنا اتجاهاً ومعنى عميقين، ويمنع الحيرة والضياع. من العلامات الهامة لوجودنا على المسار الصحيح هو "السكينة القلبية". يقول القرآن الكريم بجمال بالغ: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (سورة الرعد، الآية 28). هذه الآية توضح بجلاء أن قلوب المؤمنين تجد الطمأنينة بذكر الله. إذا كنت على المسار الصحيح، حتى في مواجهة التحديات والصعوبات، سيكون قلبك متكلاً على الله ولن تشعر باليأس أو الضياع. هذا السلام هو نتيجة الثقة بوعود الله، والتوكل عليه، والتسليم لقضائه. في المقابل، الشعور بالضياع، والقلق المستمر، والاضطراب، وعدم الرضا العميق عن الحياة، يمكن أن يكون مؤشراً على الانحراف عن المسار. هذا السلام لا يعني ببساطة غياب المشاكل، بل يعني القدرة على التحمل والصبر في مواجهة المصاعب بالاستناد إلى الخالق. الفرد الذي يسير على طريق الحق، حتى في الشدائد، يحافظ على نور الأمل في قلبه ويعلم أنه لا قوة تغلب إلا قوة الله. هذا المنظور يحميه من اليأس والإحباط ويجعله يواجه أي مشكلة بثقة قلبية ويستمر في طريقه. إن هذا السكينة الداخلية تشير إلى الانسجام بين الروح البشرية وفطرتها الإلهية، وقبول القدر الإلهي، مما يمكّن الفرد من الثبات في مواجهة الشدائد واستخلاص الدروس للنمو الشخصي من كل تجربة. معيار آخر هو "آثار أفعالنا وقراراتنا" على أنفسنا وعلى الآخرين. يؤكد القرآن الكريم مراراً على أهمية العمل الصالح ويشرح نتائجه الدنيوية والأخروية. "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾" (سورة الزلزلة، الآيتان 7-8). إذا كانت قراراتنا وأفعالنا تؤدي إلى نمونا الروحي، وتحسين العلاقات الإنسانية، وحل مشاكل المجتمع، ونيل رضا الله، فهذه دلائل قوية على صحة المسار. في المقابل، إذا كانت أفعالنا تسبب الفساد، والظلم، وإيذاء الآخرين، والابتعاد عن الروحانية والقيم الإلهية، فعلينا إعادة تقييم مسارنا. المسار الصحيح هو ذلك الذي يفيد الفرد والمجتمع، ويعزز انتشار الخير، والعدالة، والبركة. ويشمل ذلك الالتزام بالعدالة في العلاقات، واحترام حقوق الآخرين، والامتناع عن الظلم والاضطهاد. الفرد الذي يسير على المسار الصحيح يسعى باستمرار لتحسين نفسه ومحيطه. لا يسعى فقط وراء المصالح الشخصية، بل يهتم دائمًا بالصالح العام ورضا الخالق. هذا النهج في الحياة يمنحه إحساسًا بالقيمة والهدف، ويساعده في تطوره الروحي. الآثار الإيجابية والمستدامة التي تتركها أعمالنا هي خير دليل على صحة المسار الذي اخترناه. "الاهتمام بالتقوى والورع" هو أيضاً مؤشر رئيسي. التقوى تعني اجتناب الذنوب، والخوف من عصيان الله، والقيام بما أمر الله به. من كان على المسار الصحيح، فإنه دائماً يراقب سلوكه لئلا يتجاوز حدود الله. التقوى لا تمنع الإنسان من السقوط في هاوية الذنوب فحسب، بل تزيد من بصيرته وفهمه أيضاً. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا" (سورة الأنفال، الآية 29). الفرقان يعني القدرة على التمييز بين الحق والباطل. إذا كنت تشعر في حياتك أنك تستطيع التمييز بشكل أفضل بين الحق والباطل، والخير والشر، والطريق الصحيح وغير الصحيح، واتخاذ قرارات صائبة، فهذا أيضاً من بركات التقوى وعلامة على السير في الطريق الإلهي. تمنح التقوى الأفراد القدرة على مقاومة الإغراءات والشياطين، متبعين باستمرار طريق الحق. هذه البصيرة، هي نعمة إلهية تمنح فقط للعباد المخلصين والورعين. وكلما كان الإنسان أثبت في التقوى، كلما تعزز هذا التمييز الداخلي، وستكون قراراته أكثر رسوخاً ونفاذاً. هذا يعني أنه ليس فقط في الخيارات الحياتية الكبرى، بل في أدق الأمور اليومية، يجد الطريق الصحيح ويلتزم به. يرى الفرد التقي الله حاضراً وناظراً في جميع جوانب حياته، من الأمور الشخصية إلى التفاعلات الاجتماعية، وينظم أعماله بناءً على رضاه. "الثبات والمثابرة على طريق الحق" هما أيضاً من علامات صحة المسار. ليس الطريق الإلهي دائماً خالياً من التحديات، وأحياناً ما يصاحبه عقبات وصعوبات. لكن الذين على المسار الصحيح، يتجاوزون هذه العقبات بالصبر والثبات، ولا يتخلون عن طريقهم أبداً. "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" (سورة البقرة، الآية 153). الصبر والصلاة هما ذراعان قويان للثبات في المسار الإلهي. إذا كنت في مواجهة المشاكل، بدلاً من اليأس والتخلي عن المسار، تواصل جهودك بالصبر والتوكل على الله واللجوء إلى الصلاة، فهذا يدل على أنك تسير على الطريق الصحيح. هذا الثبات لا يساعد الفرد على البقاء راسخًا فحسب، بل يمنحه أيضًا القوة للصمود أمام المشكلات والتعلم منها. إن الفرد الذي يسير على طريق الحق لا يتوقف أبدًا عن السعي لتحقيق الأهداف النبيلة، حتى لو كانت الرحلة طويلة ومتعرجة. هذا الثبات هو نتيجة الإيمان الراسخ والتوكل على الله، مما يؤكد له أن كل جهد يبذل في سبيل الحق سيجازى. هذا يدل على أن الفرد قد اختار مساره ليس عن هوى، بل عن قناعة وإيمان قلبي. أخيراً، "التوبة والعودة إلى الله" هي أيضاً جزء من المسار الصحيح. لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ. لكن المهم هو أن يدرك الإنسان خطأه بعد ارتكابه، ويتوب ويعود إلى المسار الصحيح. لقد أشار القرآن الكريم مراراً إلى أهمية التوبة والمغفرة الإلهية. إذا كانت لديك في حياتك القدرة على الاعتراف بالأخطاء، والشعور بالندم، والسعي لإصلاح ما أفسدته، فهذه علامة على أن الفطرة الإلهية حية فيك وعلى أنك على المسار الصحيح. المسار الصحيح ليس مساراً ثابتاً لا يتغير، بل هو مسار ديناميكي يتعلم فيه الإنسان وينمو ويصحح نفسه باستمرار. هذا يعني أنه حتى لو انحرفنا في بعض الأحيان، فإن أبواب العودة مفتوحة دائماً، والمهم هو أن نمتلك الشجاعة والتواضع للعودة. هذه العودة لا تؤدي فقط إلى تطهير الذنوب، بل تمنح الأفراد فرصة للتحرك نحو أهداف أسمى بطاقة متجددة وعزيمة أقوى. إن قبول الأخطاء والسعي لإصلاحها، هو دليل على التواضع أمام الله، وعلى الإرادة لتصحيح مسار الحياة. لذلك، لتحديد ما إذا كنا على المسار الصحيح، يجب أن ننتبه إلى هذه العلامات: السكينة القلبية، الثمار الإيجابية لأعمالنا (على أنفسنا والآخرين)، درجة تقوانا وورعنا، الثبات على طريق الحق في مواجهة التحديات، والقدرة على التوبة والعودة إلى الله بعد الخطأ. هذه كلها معايير يقدمها القرآن الكريم لتقييم طريقة حياة البشر. من خلال تقييم أنفسنا بصدق في ضوء هذه المعايير، يمكننا الحصول على فهم أفضل لموقعنا في مسار الحياة، وإجراء التصحيحات اللازمة إذا لزم الأمر، لكي نكون دائمًا على طريق يؤدي إلى رضا الله والسعادة الحقيقية. حياة تتوافق مع هذه المبادئ، حتى لو كانت مصحوبة بتحديات، ستتمتع بسكينة وبركة خاصة، وتقود الفرد نحو وجهة حسنة ومثمرة، وفي نهاية المطاف، إلى مقام القرب الإلهي.
في أحد الأيام، ذهب شاب بقلب حائر إلى شيخ حكيم وقال: "يا شيخ، هناك طرق كثيرة في هذه الدنيا، وكل طريق يدعوني إلى جهة مختلفة. كيف لي أن أعرف أي طريق هو الصراط المستقيم الذي سيقودني إلى السعادة؟" ابتسم الشيخ الحكيم وقال: "يا بني، علامة الطريق الصحيح ليست في صخبها ولا في خلوها من العقبات. بل هي في ثلاثة أمور: أولاً، عندما تخطو خطوة، هل يطمئن قلبك ويهرب منك الخوف والشك؟ ثانياً، انظر هل هذه الخطوة تعود بالنفع على الخلق أم تضرهم؟ إذا وصل الخير منها للآخرين ورفعت عبئاً عن كاهل أحدهم، فاعلم أنك سلكت طريقاً صحيحاً. ثالثاً، كل ليلة عندما تضع رأسك على وسادتك، هل روحك تشعر بأنها أقرب إلى الله أم أبعد بفضل هذا الطريق؟" غرق الشاب في التفكير وأخذ كلمات الشيخ على محمل الجد. مرت السنون، وكلما وجد نفسه عند مفترق طرق، انتبه إلى هذه العلامات الثلاث. جعل سلام قلبه، والفرح في وجوه المحتاجين، والقرب من الحق معياراً لطريقه. وهكذا، لم يضل أبداً عن طريق النجاة وذاق طعم السعادة الحقيقية.