لمعرفة الرياء، قارن نيتك في الخلوة والعلن؛ إذا كانت جودة عملك تعتمد على رؤية الآخرين لك وتنتظر ثناءهم، فقد يكون ذلك علامة على الرياء. الإخلاص الحقيقي هو العمل لله وحده، بغض النظر عن رؤية الناس.
أخي أو أختي الكريمة، سؤالك حول الرياء يتناول أحد أدق المواضيع وأكثرها حيوية في المسار الروحي. الرياء، وهو القيام بالعمل الصالح ليراه الناس ويكتسب الثناء والإعجاب منهم، وليس فقط لمرضاة الله، هو مرض خفي من أمراض القلوب يمكن أن يبطل أجر جميع أعمالنا الصالحة. لقد حذر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بشدة من الرياء، لأن أساس ديننا هو الإخلاص والتوحيد في النية. معرفة ما إذا كان المرء قد وقع في الرياء يتطلب معرفة ذاتية عميقة، ومراقبة مستمرة، وصدق مع النفس. هذه ليست عملية تحدث بين عشية وضحاها، بل هي عملية مستمرة من الوعي الذاتي وتهذيب النفس. من أهم العلامات التي يشير إليها القرآن، الفرق في جودة العمل وحضور القلب في وجود الناس وفي الخلوة. في سورة النساء، الآية 142، يقول الله تعالى: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا». هذه الآية تبين بوضوح أن من سمات المنافقين ومن وقع في الرياء، الكسل في أداء العبادات والسعي إلى التظاهر أمام الآخرين. إذا لاحظت أن نشاطك وحضور قلبك أثناء العبادة أو فعل الخير يكون أكبر عندما يكون الآخرون موجودين مقارنة بوقت تكون فيه وحدك ولا يراك أحد، فقد يكون هذا بمثابة إشارة تحذير. على سبيل المثال، هل صلواتك التطوعية أطول وأكثر تركيزًا في الجماعة من صلواتك الواجبة في الخلوة؟ هل يكون التصدق ومساعدة المحتاجين أسهل وأكثر جاذبية لك عندما تُرى، مقارنة بوقت لا يعرف فيه أحد عن عملك؟ علامة أخرى للرياء هي التعلق بمدح الآخرين وثنائهم. إذا وجدت نفسك بعد القيام بعمل صالح تنتظر الثناء والتقدير، وإذا شعرت بخيبة أمل أو حزن أو حتى غضب في حال عدم الحصول عليه، فهذا يمكن أن يكون مؤشراً على الرياء. في الحقيقة، قلبك في هذه الحالة قد تعلق برضا المخلوقين بدلاً من أن يكون معتمداً فقط على رضا الخالق. الإنسان المخلص يقوم بفعله لله وحده ويفوض الأجر والحكم إليه. إنه لا ينحرف عن طريقه حتى لو تعرض للنقد، ولا يغتر إذا أثني عليه. وكذلك، في سورة الماعون، الآيات 4 إلى 7، يشير الله تعالى إلى أولئك الذين يصلون، ولكن «فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ». هذه الآيات تدل على أن حتى الأعمال الصالحة الظاهرية كالصلاة إذا أديت بنية الرياء، فهي ليست مقبولة فحسب، بل قد تؤدي إلى العقاب. هذا يوضح أن الرياء يمكن أن يتسلل حتى إلى العبادات الأساسية ويفسدها. إذا شعرت أنك تقوم بأي عمل لزيادة مكانتك الاجتماعية، أو لتحظى بالاحترام في مجموعة معينة، فيجب أن تسأل نفسك: هل كنت سأفعل نفس العمل بنفس الجودة لو لم يكن هؤلاء الأشخاص موجودين أبداً؟ لفهم أعمق لهذا الموضوع، دعنا ننظر إلى الآية 110 من سورة الكهف: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». هذه الآية تؤكد على «عدم الإشراك بأحد» في العبادة، والرياء هو نقيض ذلك تماماً، لأنك في الرياء توجه نيتك إلى غير الله أيضاً. المعيار للنية الخالصة هو: لو كان هذا العمل لن يعلمه أحد على الإطلاق ولن يسمع عنه أحد، فهل كنت ستفعله بنفس الجودة والحماس؟ الطرق العملية لمكافحة الرياء تشمل ما يلي: تقوية الإيمان باليوم الآخر وأن الأجر الحقيقي يأتي من الله وحده، أداء الأعمال الصالحة في الخلوة قدر الإمكان، الدعاء والتضرع إلى الله بطلب الإخلاص، التفكر في ضعف المرء وحاجاته مما يساعد على الابتعاد عن العجب والغرور، والتدرب المستمر على تنقية النوايا. تذكر أن الرياء مرض روحي يتطلب علاجه اهتماماً مستمراً ولجوءاً إلى الله. الهدف النهائي هو الوصول إلى قلب يسعى في كل عمل وقول، فقط وفقط لمرضاة الحق تعالى. التقييم الذاتي المستمر وطرح أسئلة على نفسك مثل: «هل أقوم بهذا العمل لله أم للناس؟»، «إذا لم يرني أحد، هل كنت سأفعل هذا العمل بنفس الحماس؟»، «هل سعادتي بمدح الناس أكبر من سعادتي بقربي من الله؟» يمكن أن يساعدك على تنقية نواياك. تذكر أن الله ينظر إلى النوايا والقلوب، وليس إلى ظاهر الأعمال. لذلك، اسعَ دائماً لتطهير قلبك من شوائب الرياء بالتوبة والاستغفار، وقدم أعمالك بإخلاص خالصاً لوجه الله تعالى. مكافحة الرياء هو الجهاد الأكبر، لأنك تصارع نفسك، وهذا صراع له أجر عظيم عند الرب.
يُروى في بستان سعدي أن ملكًا عادلاً كان يساعد الفقراء سرًا كل ليلة. ذات ليلة، قال وزيره: "يا مولاي، ما أجمل أن يعلم الناس كل هذا الإحسان منك ليعرفوا قدرك ويثنوا عليك!" فأجاب الملك: "يا وزير، ألا تخجل أن يرجو العبد ثناء عبد آخر بدلاً من ربه؟ عملٌ هو لله، ما حاجته لمدح الخلق؟ إني لأستحيي من ربي أن أفعل الخير طمعاً في ثناء الناس، فإن أجري منه، لا منهم." وهكذا، أبعد الرياء عن قلبه واختار النية الخالصة، إذ كان يعلم أن الله أعلم بالنيات.