لمعرفة ما إذا كانت أعمالك مرضية لله، فإن النية الخالصة، وأداء الأعمال الصالحة، والتقوى، والشعور بالسلام والطمأنينة القلبية بعد العمل هي علامات رئيسية. من الضروري أن تكون الأعمال خالصة لوجه الله ومتوافقة مع تعاليمه.
هذا السؤال العميق هو أحد أكثر التساؤلات جوهرية التي يواجهها كل مؤمن في رحلته الروحية نحو الله. إن فهم ما إذا كانت أعمالنا قد نالت رضى الله تعالى لا يجلب راحة البال للإنسان فحسب، بل يوجهه أيضاً في المسار الصحيح للعبودية والكمال. يقدم القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي، إرشادات واضحة في هذا الصدد، وبالتدبر فيها يمكننا اكتشاف علامات الرضا الإلهي في أعمالنا. رضا الله هو الهدف الأسمى لخلق الإنسان وذروة سعادته. 1. إخلاص النية: منبع الرضا الإلهي الخطوة الأساسية والأولى لكي يكون عملك مرضياً لله هي أن تكون نيتك خالصة. يقول القرآن الكريم في سورة البينة، الآية 5: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ». توضح هذه الآية صراحة أن محور كل عبادة هو الإخلاص. أي أن عملك، سواء كان صلاة أو صدقة أو خدمة للخلق، يجب أن يكون خالصاً لوجه الله وحده، لا للرياء، ولا لكسب الشهرة، ولا لجلب مدح الناس، ولا لتحقيق مكاسب دنيوية. إذا شعرت في أعماق قلبك أن دافعك الوحيد من القيام بعمل ما هو القرب من الله ورضاه، فهذه بحد ذاتها علامة عظيمة. الإخلاص كالماء الصافي الذي يطهر كل عمل ويجعله جديراً بالقبول في الحضرة الإلهية. على سبيل المثال، عندما تساعد شخصاً ما، إذا لم يخطر ببالك ولو للحظة واحدة أن تُرى أو تُمدح من الآخرين، بل كان تركيزك كله على أن يكون هذا العمل مرضياً لله وأن تتقرب به إليه، فمن المرجح جداً أن يُقبل هذا العون. هذه النية الطاهرة تحوّل حتى العمل الصغير إلى عمل عظيم ومثمر في ميزان الله. هذه هي نقطة التمايز بين من يقوم بعمل للآخرين ومن يقوم به لخالق الكون. 2. أداء العمل الصالح وفقاً للتعاليم الإلهية بعد الإخلاص، العامل الأهم هو طبيعة العمل نفسه. هل العمل الذي تقوم به يقع ضمن إطار تعاليم القرآن وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ يقول الله في سورة الكهف، الآية 110: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». العمل الصالح هو كل عمل حسن ومقبول يتوافق مع العقل السليم ويتناغم مع الشريعة الإلهية. ويشمل ذلك أداء الواجبات الدينية مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج، وكذلك أداء المستحبات، والابتعاد عن المحرمات، والتحلي بالأخلاق الحسنة كالصدق والأمانة والعدل والإحسان إلى الوالدين ومساعدة المحتاجين ونشر العلم. كيف نعرف أن عملنا صالح؟ إذا كان عملك: * متطابقاً مع الأوامر الصريحة للقرآن والسنة: مثل إقامة الصلاة، قول الصدق، الابتعاد عن الغيبة. * يؤدي إلى نموك الروحي ونمو الآخرين: مثل دراسة القرآن والحديث، تعليم الآخرين. * يسد حاجة أو يحل مشكلة للناس: مساعدة الفقراء، نصرة المظلومين. * يساهم في نشر العدل والخير في المجتمع: السعي لإقامة الحق والعدل. في سورة النحل، الآية 97، يقول الله تعالى أيضاً: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». تشير هذه الآية إلى أن نتيجة العمل الصالح ليست فقط الثواب الأخروي، بل أيضاً حياة طيبة ومُرضية في هذه الدنيا. فإذا شعرت بعد أداء عمل ما بالصفاء والراحة والبركة في حياتك، فهذه أيضاً علامة على الرضا الإلهي. 3. التقوى والورع: معيار التفوق في نظر الله التقوى، بمعنى الورع والامتناع عن المعاصي ومراعاة حدود الله، هي المعيار الأساسي لتفوق البشر عند الله. تقول سورة الحجرات، الآية 13: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». مهما كان عملك حسناً، إذا لم يكن مصحوباً بالتقوى ومراعاة حدود الله، فإنه لا يمكن أن يصل إلى قمة الرضا الإلهي. التقوى تمنح أعمالك عمقاً وقيمة. الشخص الذي يراقب أعماله وأقواله في كل الأحوال ويبتعد عما نهى عنه الله، تكون أعماله متجذرة في إيمان أعمق، وبالتالي تزداد احتمالية قبولها عند الله. على سبيل المثال، الفرد الذي يحرص دائماً على ألا يدخل مال حرام في حياته، حتى لو تصدق بمبلغ قليل، فإن تلك الصدقة تكتسب قيمة أعلى بسبب تقواه. 4. الشعور بالسلام والطمأنينة القلبية من علامات الرضا الإلهي غير المباشرة والداخلية على الأعمال، الشعور بالسلام والطمأنينة والرضا القلبي الذي يعتري الإنسان بعد أداء عمل صالح. يقول الله في سورة الرعد، الآية 28: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». إذا شعرت بعد القيام بعمل ما أن قلبك قد اقترب من الله، وأنك ابتعدت عن الذنوب، وأن حملاً قد أزيح عن كاهلك، وأن القلق قد استبدل بالهدوء، فهذه علامة جيدة. هذا السلام هو نتيجة الاتصال بمصدر السلام اللامتناهي، وهو الله، الذي يقبل الأعمال الخالصة والصالحة. على العكس من ذلك، إذا أدى القيام بعمل ما، حتى بنية حسنة، إلى شعورك بالقلق أو الرياء أو الانزعاج الداخلي، فقد يكون ذلك إشارة إلى أن هذا العمل يحتاج إلى مراجعة في نيته أو طريقة أدائه. 5. الثبات على الأعمال الصالحة والمثابرة عادة ما يكون رضا الله عن عمل ما مصحوباً بتوفيق الاستمرار فيه والمثابرة على طريق الخير. إذا فتح الله لك بعد أداء عمل صالح أبواب خير أخرى وثبتك على مسار الأعمال الصالحة، فهذه بحد ذاتها علامة على قبول عملك الأولي. هذا الثبات والمثابرة ليس فقط دليلاً على قبول العمل، بل هو في حد ذاته عمل مرضٍ لله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ». (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). 6. قبول الأخطاء وتصحيحها (التوبة) أحياناً يقع الإنسان في الخطأ. حتى في هذه الظروف، يمكن لطريقة التعامل مع الخطأ أن تكون مرضية لله. التوبة الخالصة، والعودة إلى الله، والندم على الذنب، والسعي لتعويضه، عمل مرضي جداً لله. فالله يحب التوابين ويفتح لهم أبواب رحمته. تقول سورة التحريم، الآية 8: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا». لذا، حتى في مسار الزلات، إذا عدنا إليه بقلب نادم ونية خالصة، فإن هذه العودة أيضاً مرضية له، وهي علامة على اهتمامه ورحمته التي تمكّن الإنسان من التوبة. الخلاصة: إن فهم ما إذا كان عملنا مرضياً لله هو عملية مستمرة من التقييم الذاتي، والتأمل في الآيات الإلهية، والانتباه إلى العلامات الداخلية والخارجية. إخلاص النية، ومطابقة العمل للشريعة والعقل، والاقتران بالتقوى، والشعور بالسلام والطمأنينة القلبية بعد العمل، والثبات على طريق الخير، هي من أهم علامات الرضا الإلهي. بالطبع، القبول النهائي للأعمال بيد الله وحده، ولكن من خلال مراعاة هذه المبادئ يمكننا أن نخطو بثقة أكبر ونأمل أن تكون جهودنا مقبولة في حضرته. هذا المسار هو رحلة للنمو والكمال الدائم.
يُحكى أن شيخاً عابداً كان يقضي سنوات طويلة في العبادة بقلب الجبال. فسأله تلاميذه: «يا شيخ، كيف لنا أن نعرف أن أعمالنا مقبولة عند الحق؟» فابتسم الشيخ وقال: «إذا فرح قلبك بفعلك ووجدت نفسك خفيفاً وساكناً، فاعلم أن نسيم الرضا الإلهي قد هب عليك. فإن العمل الصالح لا ينير قلب صاحبه فحسب، بل يترك أثراً طيباً في الآخرين أيضاً. أما إذا كان في قلبك غبار الرياء والعجب بالنفس، فمهما كان ظاهرك حسناً، لن يصل عبير الإخلاص إلى الروح، ولن يكون رضا الحق فيه.»