القلب الحي في القرآن هو قلب مستيقظ وواعٍ ومتصل بالله، علاماته الطمأنينة بذكر الله، والخشوع للحق، والتقوى. وتُحفظ هذه الحيوية بالتغذية المستمرة من الأعمال الصالحة والذكر وتدبر القرآن.
في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، يُناقش مفهوم «القلب الحي» ليس بمعناه البيولوجي، بل بمعناه الروحي والمعنوي. القلب الحي هو القلب المستيقظ، الواعي، المتصل بخالق الكون، المتقبّل للحقيقة، والنشط في مسار الخير والإحسان. على النقيض من ذلك، القلب الميت أو المريض هو القلب الغافل، القاسي، اللامبالي بآيات الله، والبعيد عن ذكره. يمكن استعراض علامات حيوية القلب من عدة جوانب قرآنية، وكلها تعود بشكل ما إلى الارتباط العميق بالرب والعمل بتعاليمه. العلامة الأولى، وربما الأكثر أهمية، هي «ذكر الله». يوضح القرآن الكريم صراحة أن القلوب تطمئن بذكر الله. في سورة الرعد، الآية 28، نقرأ: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذه الآية تبين بوضوح أن الطمأنينة الحقيقية للقلب وحياته مرهونة بذكر الله الدائم. الذكر لا يقتصر فقط على التسبيح والتهليل، بل يشمل الصلاة، تلاوة القرآن، التفكر في آيات الله، وحضور القلب في جميع الأعمال اليومية. القلب الذي لا يغفل لحظة عن ذكر الله هو قلب مضيء ومليء بالحياة الروحية دائمًا. العلامة الثانية هي «القبول والاستسلام للحق». القلب الحي هو القلب الذي يصبح لينًا وخاضعًا عند مواجهة الآيات الإلهية والحقيقة. في سورة الحديد، الآية 16، ورد: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ» (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون). هذه الآية تشير إلى أن القلب الحي هو قلب خاشع ومتقبل يظهر ليونة في مواجهة ذكر الله وحقائق القرآن، ويتجنب القساوة والتمرد الناتجين عن البعد عن الحق. العلامة الثالثة هي «التقوى وخشية الله». القلب الحي هو قلب تقي ومتبصر، يحافظ على حرمة شعائر الله. في سورة الحج، الآية 32، نقرأ: «ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ» (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). تؤكد هذه الآية أن احترام وتكريم شعائر الله (مثل مناسك الحج، الصلاة، القرآن، إلخ) من علامات تقوى القلوب. القلب الذي يتصف بالتقوى يسعى دائمًا لرضا الله ويتجنب المحرمات. توجد علامات أخرى للقلب الحي، منها: «المحبة الخالصة لله ورسوله»، «الإنفاق والعطاء في سبيل الله»، «التوبة والعودة عن الذنوب»، «التعاطف واللطف مع الآخرين»، «تلاوة القرآن وتدبره»، و«الشعور بالخوف والرجاء تجاه الله». القلب الذي يحيا بذكر الله لا يجد السلام الداخلي فحسب، بل يظهر أيضًا انعكاسات إيجابية في الحياة اليومية. مثل هذا القلب مفعم بالأمل، البصيرة، الصبر، والشجاعة. مع كل تلاوة للقرآن، يستوعب المزيد من النور، ومع كل خطوة في سبيل الله، تزداد حيويته. للحفاظ على هذه الحياة القلبية، من الضروري أن يغذي الإنسان قلبه باستمرار بـ «الغذاء الروحي»: الصلوات ذات الحضور القلبي، الدعاء الصادق، التفكر في الخلق، مجالسة الصالحين، الابتعاد عن الذنوب والبيئات الملوثة، والاستغفار المستمر. في النهاية، القلب الحي سيكون شفيعًا لصاحبه يوم القيامة، حيث «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). لذلك، الحفاظ على حيوية القلب واجب وسعادة أبدية تتحقق من خلال التقوى والذكر والعمل الصالح.
يُحكى أن ملكًا، رغم كل ثروته وقوته، لم يجد راحة في قلبه، وكان يشعر دائمًا بفراغ ما. ذات يوم، صادف درويشًا بسيطًا ونقي القلب، كان يعتزل في زاوية، وتشع منه سكينة عميقة. سأله الملك: «يا رجل الله، أنا، بكل هذا المجد ومتاع الدنيا، قلبي مضطرب، بينما أنت، لا تملك شيئًا من الدنيا، ومع ذلك أنت هكذا هادئ وراضٍ. ما سر هذا السكون؟» أجاب الدرويش بابتسامة: «أيها الملك، قلبك مشغول بإدارة وحفظ ملكك، أما قلبي فمشغول بذكر خالقه وتمجيده. القلب الذي يحيى ويعمر بذكر الله، حتى لو كان فقيرًا في الظاهر، فهو غني ومرتاح في الباطن؛ والقلب الذي يغرق في الدنيا وينسى الحق، حتى لو كان ملكًا في الظاهر، فهو مريض وميت في الباطن.» أخذ الملك العبرة من هذا الكلام وأدرك أن الحياة الحقيقية للقلب تكمن في ذكر الله والقناعة.