كيف تتحدث الآيات القرآنية عن قيمة الوقت؟

يؤكد القرآن الكريم على القيمة التي لا تُعوّض للوقت بالقسم بالعصر وبيان خسران الإنسان، معتبراً إياه رأسمال للإيمان والعمل الصالح والدعوة إلى الحق والصبر، لتجنب الندم الأبدي. الوقت فرصة للنمو الروحي والتقرب إلى الله، ويجب استغلال كل لحظة منه بعناية.

إجابة القرآن

كيف تتحدث الآيات القرآنية عن قيمة الوقت؟

لقد أكد القرآن الكريم على القيمة العظيمة للوقت والزمان بطرق متنوعة. وهذا التأكيد لا يظهر فقط بشكل مباشر، بل أيضاً من خلال الإشارة إلى الظواهر الزمانية، والقسم بالزمان، وبيان نتائج استثماره أو إهداره، في جميع آيات الله تعالى. يعلمنا القرآن أن عمر الإنسان رأسمال لا يقدر بثمن وفرصة لا تعوض، وكل لحظة منه يجب أن تدار بعناية وتصرف نحو الهدف الأسمى من الخلق، ألا وهو العبودية لله والتقرب إليه. من أبرز الإشارات القرآنية الصريحة لقيمة الوقت هي سورة "العصر" المباركة. في هذه السورة القصيرة ولكنها غنية بالمعاني، يقسم الله تعالى بـ "العصر": "وَالْعَصْرِ" (والعصر). هذا القسم بحد ذاته دليل على العظمة والأهمية الفائقة للزمان، فالله لا يقسم إلا بما له شأن عظيم. وقد فسر المفسرون "العصر" بمعانٍ مختلفة، مثل الزمان مطلقاً، أو وقت العصر من اليوم (خاصة وقت الغروب حيث تنتهي الأعمال)، أو حتى عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لكن القاسم المشترك لجميع هذه التفاسير هو التأكيد على مرور العمر والفرص المتاحة فيه. بعد هذا القسم، يذكر الله تعالى أمراً في غاية الأهمية: "إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ" (إن الإنسان لفي خسر). هذه الآية تحذير جدي؛ فالإنسان بطبيعته يسير نحو الخسران، إلا إذا أنقذ نفسه من هذا الخسران. وطريق النجاة من هذا الخسران مذكور في تتمة الآية: "إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). هذه المبادئ الأربعة (الإيمان، العمل الصالح، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر) تبين الطريق الصحيح لاستغلال الوقت وسبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. توضح هذه السورة جلياً أن الوقت هو ميدان لاكتساب هذه الصفات والأعمال، وكل لحظة لا تنفق في هذا السبيل، تعتبر إهداراً لرأس مال ثمين واتجاهاً نحو الخسران. كما يشير القرآن الكريم إلى القيمة الزمنية للوقت بشكل ضمني من خلال الإشارة إلى طبيعة الحياة الدنيا الزائلة ونهايتها. فالدنيا مصورة كجسر للعبور إلى الدار الباقية. في سورة الكهف الآية 45، يقول الله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا". هذه الآية تشبه الحياة الدنيا بالماء الذي ينزل من السماء فتختلط به نبات الأرض ثم يصبح حطاماً تذروه الرياح. هذا التشبيه رمز لسرعة مرور العمر وفناء اللذائذ الدنيوية، ويعلم الإنسان ألا يشغل عمره بالأمور التافهة، بل يجب أن يستغل هذه الفرصة المحدودة لزرع بذور السعادة الأخروية. نقطة أخرى يؤكد عليها القرآن هي مفهوم "المهلة". فالله يمهل الناس ليتوبوا ويعملوا الصالحات ويعودوا إليه. ولكن هذه المهلة ليست أبدية، وزمنها محدد. تشير الآيتان 99 و 100 من سورة المؤمنون إلى هذه الحقيقة، حيث يندم الإنسان عند الموت على الفرص الضائعة ويتمنى العودة إلى الدنيا: "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ". هذه الآيات توضح بجلاء أن زمن الدنيا فرصة فريدة لا يمكن تعويضها في الآخرة. وندم الأموات في الآخرة ليس على المال والمكانة، بل على الفرص الضائعة للعمل الصالح. كما يؤكد القرآن المجيد على مساءلة العمر يوم القيامة. على الرغم من عدم وجود آية صريحة بعنوان "السؤال عن الوقت"، إلا أن آيات عديدة تشير إلى مساءلة الأعمال ومسؤولية الإنسان تجاه النعم. الوقت، هو أعظم نعمة ورأس مال أعطي للإنسان، وبالتأكيد سيسأل عن كيفية إنفاقه. في سورة التكاثر الآية 8، يقول الله تعالى: "ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ" (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم). الوقت وفرصة الحياة، بلا شك، من أعظم النعم التي سيسأل عنها. كما يحذر القرآن الإنسان من الغفلة والانشغال بأمور الدنيا التي تصرفه عن ذكر الله والهدف الرئيسي للحياة. في سورة المنافقون الآيات 9 إلى 11 جاء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ۚ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ۚ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". هذه الآيات توضح بجلاء أن الأموال والأولاد لا يجب أن تصرف عن ذكر الله، ويجب الإنفاق في سبيل الله والقيام بالأعمال الصالحة قبل حلول الموت. هذا التأكيد على "قبل أن يأتي الموت" بحد ذاته يشير إلى محدودية الوقت وأهمية استغلاله الأمثل. يشير القرآن أيضاً إلى مرور الوقت وأهميته باستخدام الظواهر الطبيعية والكونية. فتعاقب الليل والنهار، وشروق الشمس وغروبها، وتغير الفصول، كلها علامات على قدرة الله والنظام الذي يحكم الكون. هذه الظواهر تذكرنا بحقيقة أن الوقت يتحرك باستمرار ولا شيء يبقى ثابتاً. في سورة يونس الآية 5، يقول الله تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ". هذه الآية توضح أن أحد أهداف خلق هذا النظام الكوني والظواهر الزمانية هو لكي يتمكن الإنسان من قياس الوقت والاستفادة منه في حياته. معرفة عدد السنين وحساب الأوقات ضرورية ليس فقط للأمور الدنيوية، بل لتنظيم العبادات والواجبات الدينية أيضاً، وتساعد الإنسان على فهم أفضل لمرور العمر والفرص القادمة. في الختام، يمكن القول إن القرآن الكريم يوضح بشكل كامل وينبه الإنسان أن الوقت تيار لا رجعة فيه ولا يمكن استعادته. كل لحظة تمر تنقص من العمر، وتقربنا من نهاية الطريق. لذلك، فإن رسالة القرآن حول قيمة الوقت هي رسالة إيقاظ وتحفيز تدعو الإنسان إلى التفكير في هدف الحياة، والتخطيط للأعمال الصالحة، واستغلال كل ثانية من عمره للوصول إلى السعادة الأبدية. تعلم هذه التعاليم أن الوقت ليس مجرد بعد مادي، بل هو ميدان لتربية الروح وأداء الواجبات الإلهية، وفي هذا الميدان، من كان أكثر وعياً وعملاً، نال ربحاً أكبر ونجا من خسران يوم القيامة العظيم. إدارة الوقت في المنظور القرآني ليست مجرد مهارة دنيوية، بل هي ركن أساسي في طريق العبودية والوصول إلى القرب الإلهي. هذه الرؤية توجه الإنسان إلى نظرة شاملة وعميقة للحياة، حيث كل لحظة من الحياة هي فرصة للنمو الروحي والازدهار.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أن ملكاً سأل حكيماً ذات يوم: "في هذا المسكن الفاني، أي المتاع أثمن؟" فأجاب الحكيم دون تردد: "يا أيها الملك، إنه الوقت!" فتعجب الملك وقال: "كيف ذلك؟ المال والجاه يمكن استعادتهما، ولكن الوقت إذا مضى فما نفعه؟" فابتسم الحكيم بلطف وقال: "هذه هي حكمته! فإن المال إذا ضاع، يعود بالتدبير؛ والجاه إذا زال، يُدرك بالهمة. أما نفس مضت، فلن تعود أبداً، وفرصة فاتت، لن تتكرر مطلقاً. لذا، الحكيم هو من يغتنم كل لحظة من عمره ويصرفها في عمل الخير وذكر الحق، فإن هذا رأس مال أبدي وطريق إلى السعادة الباقية." فأدرك الملك هذه الحكمة وعلم أن قيمة كل لحظة تكمن في العمل الذي يُنجز فيها، وأن كل نَفَس هو نافذة إلى الأبدية.

الأسئلة ذات الصلة