كيف لا ننسى الله في أوقات الرخاء؟

لكي لا ننسى الله في أوقات الرخاء، يجب أن نكون شاكرين باستمرار، ونواظب على الذكر والعبادة، ونستخدم النعم في سبيله. تذكر أن الدنيا زائلة، والطمأنينة الحقيقية لا تتحقق إلا بذكره.

إجابة القرآن

كيف لا ننسى الله في أوقات الرخاء؟

إن نسيان الله وسط النعم والملذات هو تحدٍ أبدي يواجهه الإنسان. في ذروة الراحة والوفرة، يصبح إغراء الغفلة عن المصدر الأصلي لهذه النعم، وهو الله تعالى، قويًا للغاية. يقدم القرآن الكريم طرقًا متعددة للحفاظ على الصلة بالخالق، حتى في أوقات الاستمتاع بالملذات الدنيوية. النهج الأول والأكثر أهمية هو الشكر المستمر والقلبي. في سورة البقرة، الآية 152، يقول الله تعالى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ". توضح هذه الآية بوضوح أن ذكر الله والشكر له هما وجهان لعملة واحدة، وهما الوسيلة الرئيسية لتجنب نسيانه. الشكر لا يعني مجرد قول "الحمد لله"؛ بل يشمل الاستخدام الصحيح للنعم بما يرضي الله، وخدمة الخلق، وتجنب الإسراف والتبذير. عندما يدرك الإنسان أن كل ما يملكه – من مال وأولاد وصحة ونجاح وسلام – هو كله عطاء إلهي، فإنه يصبح أقل عرضة للغرور والغفلة. هذا المنظور يمنعه من التعلق المفرط بالدنيا ويوجه قلبه نحو الخالق. تخيل شخصًا حصل على ثروة هائلة؛ إذا رأى هذه الثروة وسيلة لمساعدة المحتاجين، أو بناء المشاريع الخيرية، أو تعزيز العلم والمعرفة، فإنه في الأساس يستخدمها في سبيل الله ويظهر شكره لنعمته. أما إذا استخدمها حصريًا للترف الزائد والمتاع العابث، فسوف يقع تدريجيًا في النسيان والجحود. في الواقع، النعمة نفسها يمكن أن تكون وسيلة للتقرب إلى الله أو الابتعاد عنه، وهذا يعتمد كليًا على كيفية استخدامنا لها. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن المال والأولاد زينة الحياة الدنيا، في حين أن الأعمال الصالحة الباقية هي الأفضل والأكثر قيمة. في سورة الكهف، الآية 46، نقرأ: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا". تذكرنا هذه الآية بألا ننخدع بالظواهر الزائلة لهذه الدنيا وأن نظل واعين للقيم الأبدية. يجب ألا تحرفنا الحياة وسط الملذات عن الهدف الأساسي من الخلق، وهو عبادة الله. طريقة أخرى حاسمة لتذكر الله هي المداومة على الذكر والعبادات. الصلاة، الدعاء، تلاوة القرآن، والتفكر في آيات الله، كلها أدوات تحافظ على حيوية قلب الإنسان وتمنعه من الانغماس في الماديات. في سورة الرعد، الآية 28، جاء: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". توضح هذه الآية أن الطمأنينة الحقيقية لا تتحقق في الملذات الدنيوية الزائلة، بل بذكر الله وحده يطمئن قلب الإنسان. فالمتعة المادية سريعة الزوال وقد تخلق فراغًا داخليًا، بينما ذكر الله يجلب سلامًا عميقًا ودائمًا. علاوة على ذلك، فإن الصدقة والإنفاق مما وهبنا الله هو وسيلة فعالة لمنع نسيان الله والتعلق المفرط بالدنيا. عندما ينفق الفرد جزءًا من ماله في سبيل الله، فإن هذا العمل لا يجلب البركة لحياته فحسب، بل يطهر روحه من البخل والتعلقات المادية ويذكره بأن المالك الحقيقي لكل شيء هو الله، وأنه مجرد وكيل يجب عليه إدارة الأموال بحق. أخيرًا، يمكن أن يساعدنا فهم أن كلًا من الأفراح والمصاعب هي اختبارات إلهية على عدم نسيان الله حتى في خضم الملذات. فالإنسان، في كل الأحوال، سواء في النعمة أو في البلاء، يتعرض للاختبار الإلهي. كما جاء في سورة الفجر، الآيتين 15 و 16: "فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ". توضح هذه الآيات أن الإنسان قد يفسر وفرة النعمة على أنها علامة على الكرامة، وضيق الرزق على أنها علامة على الإهانة، في حين أن كلتا الحالتين هما اختبار من الله. فهم هذه الحقيقة يبقي الإنسان واعيًا بخالقه في كلتا الحالتين. لذلك، لكي لا ننسى الله في خضم الملذات، يجب أن نكون شاكرين باستمرار، وأن نثابر على الذكر والعبادات، وأن نستخدم النعم الإلهية بما يرضيه، وأن نتذكر دائمًا أن الدنيا زائلة وأن الأجر الحقيقي يكمن في العبودية والعمل الصالح. بهذا النهج، لن نغفل في أوج أفراحنا فحسب، بل سنستخدم هذه الملذات كجسور للتقرب أكثر إلى الله، ونختبر سلامًا داخليًا عميقًا ودائمًا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في العصور القديمة، كان هناك تاجر يُدعى 'فرهاد'، كان يتمتع بثروة لا تُحصى وحياة مليئة بالراحة والسرور. ورغم أن ثروته وممتلكاته كانت تزداد يومًا بعد يوم، إلا أن فرهاد لم يغفل قط عن ذكر الله. فكل صباح، قبل أن يبدأ تجارته، كان يقضي لحظات في الشكر والتفكر في عظمة ربه. وكلما حقق ربحًا وفيرًا، كان يخصص جزءًا منه للمحتاجين وفي سبيل الله. سأله أصحابه: "يا فرهاد، مع كل هذه الثروة والسعادة، كيف لا يميل قلبك نحو الدنيا وتظل دائمًا ذاكرًا لله؟" ابتسم فرهاد وقال: "أنا لا أُرجع هذه الملذات إلى قوتي، بل إلى فضل الله وكرمه. في كل مرة تأتيني نعمة، أتذكر أنها أمانة منه، ويجب أن أستخدمها بأفضل طريقة ممكنة. فبالعطاء والشكر، يبقى قلبي دائمًا مائلاً نحو المانح الحقيقي للنعم، وهو الله، وهذا يحميني من الغرور والغفلة." وهكذا، لم يكن فرهاد يستمتع بملذات الدنيا فحسب، بل كان قلبه أيضًا مليئًا بالسلام وذكر الله.

الأسئلة ذات الصلة