كيف أكون مع الله في اللحظة الراهنة؟

بإدراك حضور الله الدائم في كل لحظة، تطمئن القلوب بذكره. من خلال الصلاة، والصبر، والتوكل، والشكر، يمكننا أن نعيش هذا الحضور الإلهي عميقاً ونكون معه في اللحظة الراهنة.

إجابة القرآن

كيف أكون مع الله في اللحظة الراهنة؟

للإجابة على سؤال "كيف أكون مع الله في اللحظة الراهنة؟"، يجب أن نعود إلى تعاليم القرآن الكريم العميقة والغنية. يوضح لنا القرآن أن الله سبحانه وتعالى معنا دائمًا وفي كل زمان ومكان، وأن حضوره ليس شيئًا نسعى إلى "خلقه"، بل هو حقيقة يجب أن "نُدركها" و"نعيشها". هذا الإدراك هو حجر الزاوية في الحياة الإيمانية ويساعد الإنسان على الحفاظ على علاقة حية وديناميكية مع خالقه في كل لحظة من حياته، سواء في الفرح أو في الشدة.

أحد أهم الأسس لهذا الإدراك هو الوعي بالحضور الدائم لله. يقول القرآن الكريم بوضوح في سورة الحديد، الآية 4: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۖ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير). هذه الآية تعلن صراحة أن الله ليس فقط يعلم أعمالنا، بل هو ذاته حاضر معنا، في عمق وجودنا، وفي كل مكان في الوجود. هذا الحضور ليس ماديًا، بل هو حضور علم وقدرة ورحمة وإحاطة كاملة. عندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة بكل وجوده، لم يعد يشعر بالوحدة أو العجز. في اللحظة الراهنة، حتى لو كان في قمة الصعوبات أو الأفراح، فإنه يعلم أن قوة لا نهائية ورحيمة تراقبه وتصاحبه. هذا الوعي هو حجر الزاوية في التواجد مع الله لحظة بلحظة. كما نقرأ في سورة ق الآية 16: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد). هذه القربى الاستثنائية تدل على أن الله يحيط ليس فقط بأفعالنا الخارجية، بل بأعمق جوانب وجودنا.

طريقة أخرى لتقوية هذا الحضور هي "الذكر" أو تذكر الله. الذكر لا يعني فقط تكرار كلمات معينة، بل يعني تذكر الله واستحضاره في جميع جوانب الحياة. يقول القرآن في سورة الرعد، الآية 28: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذا الاطمئنان القلبي هو نتيجة مباشرة للتواجد في اللحظة الراهنة مع الله. عندما ينشغل القلب بذكر الله، يتحرر من وساوس الماضي ومخاوف المستقبل وصخب الدنيا، وينغمس في سلام عميق من الحضور الإلهي. يمكن أن يشمل الذكر الصلوات الخمس التي تأخذنا إلى موعد روحي مع الله كل يوم؛ تلاوة القرآن وهو كلامه المباشر؛ الدعاء والمناجاة القلبية في أي زمان ومكان؛ وحتى التسبيح والحمد والشكر له في مواجهة جمال الحياة أو شدائدها. كل عمل يؤدى بنية خالصة لله هو نوع من الذكر ويقربنا إليه. هذا التدريب المستمر على التذكر يُربي العقل والقلب للعودة في كل لحظة إلى مصدر السكينة والقوة، وبهذا تتحول حياتنا اليومية إلى عبادة مستمرة.

لكي يصبح هذا الحضور في اللحظة الراهنة أعمق وأكثر ديمومة، يؤكد القرآن على مفاهيم رئيسية أخرى: "الصبر" و"الصلاة". في سورة البقرة، الآية 153، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). الصبر هنا يعني الثبات والتحمل في مواجهة صعوبات الحياة ومكارهها. عندما يواجه الإنسان مشكلة في اللحظة الراهنة، يساعده الصبر على تجنب الاضطرابات النفسية ومواجهة الموقف بهدوء وتوكل على الله. هذا الصبر ليس عملاً سلبيًا، بل هو صبر إيجابي ومستنير يبقي الإنسان متجذرًا في الحاضر ويمنعه من اللجوء إلى اليأس أو القلق. في هذه الحالة، يدرك أن الله "مع الصابرين"، مما يعني أن الحضور والعون الإلهي يظهر بشكل أوضح من أي وقت مضى في لحظات الصبر والثبات. هذا القبول الفعال للوضع الراهن مع الإيمان بالحكمة الإلهية، يحافظ على سلام القلب ويمنع الاضطرابات الناتجة عن المقاومة العبثية.

والصلاة أيضًا مظهر من مظاهر الحضور في اللحظة. الصلاة هي عمود الدين ومعراج المؤمن. كلما وقف المصلي أمام ربه، يتوجه إليه بكل كيانه، مبتعدًا عن العالم المادي ومشاغله، ويجد نفسه في حضرة الله. الحركات والأذكار والأدعية في الصلاة، كلها أدوات ترشد الإنسان إلى الحضور القلبي في اللحظة الراهنة مع الله. في هذه اللحظات، لا يفكر المصلي في الماضي ولا في المستقبل، بل يصبح كل وجوده منصبًا على التواصل مع خالقه. هذه الحالة من "حضور القلب" في الصلاة هي ذروة معنى التواجد مع الله في اللحظة الراهنة. كل سجدة، وكل ركوع، وكل قراءة في الصلاة، هي فرصة للانغماس في العظمة الإلهية وإيجاد السكينة في كنفه. هذا الاتصال اليومي، يقوي تدريجياً انتباهنا الذهني خارج الصلاة أيضاً.

بالإضافة إلى ذلك، يلعب مفهوم "التوكل" أو الثقة الكاملة بالله دورًا حيويًا في العيش في اللحظة الحاضرة معه. في سورة الطلاق، الآية 3، نقرأ: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (ومن يتوكل على الله فهو حسبه). التوكل يعني أن الإنسان بعد بذل الجهد والتخطيط، يفوض نتائج الأمور إلى الله ويثق بقلبه في قدرته وحكمته. هذا التوكل يساعد الإنسان على التحرر من القلق غير المبرر بشأن المستقبل، وبراحة بال، يركز على ما يمكنه فعله في اللحظة الحاضرة. عندما نعلم أن جميع الأمور تحت سيطرته وأنه يريد لنا الخير والصلاح، يمكننا أن نخطو في اللحظة بثقة، موجهين طاقتنا نحو الإجراءات البناءة في الوقت الحاضر بدلاً من الانشغال بالقلق العقيمي.

وبالمثل، فإن "الشكر" عامل قوي للحضور في اللحظة. الشكر يجعلنا نلتفت إلى النعم والبركات التي نتمتع بها في هذه اللحظة الراهنة. عندما ينظر الإنسان إلى ما يمتلكه الآن بدلًا من التركيز على ما ينقصه أو على تطلعات بعيدة، ويشكر الله على ذلك، فإنه في الواقع يملأ اللحظة الحاضرة بحضور ربه. هذا الشكر يتجلى بالقول (قول الحمد لله) وبالعمل (الاستخدام الصحيح للنعم) ويؤدي إلى زيادة البركات الإلهية، كما جاء في سورة إبراهيم، الآية 7: "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" (لئن شكرتم لأزيدنكم). الشكر يبعدنا عن الغفلة ويهدينا إلى المراقبة المستمرة لفضل الله.

في الختام، العيش في اللحظة الراهنة مع الله يعني العيش بـ"التقوى". التقوى تعني الوعي الذاتي بحضور الله في جميع الأفعال والنوايا، والامتناع عما نهى عنه، والقيام بما أمر به. الشخص التقي، في كل قرار، وكل كلمة، وكل عمل، يفكر: هل هذا العمل يرضي الله؟ هذا الوعي المستمر يضع الفرد في حالة "حضور" دائم مع الله. إنه يعلم أن الله يعلم أعمق أفكاره ونواياه، وهذا الوعي يبقيه على الطريق الصحيح ويجلب السلام لقلبه. وهكذا، يستطيع الإنسان أن يشعر بالحضور الإلهي في كل نفس، في كل خطوة، وفي كل تفاعل مع العالم، وأن يعيش حياة مليئة بالمعنى والهدوء. هذا طريق تضيء كل لحظة فيه بالنور الإلهي، ويربط القلب بمصدر كل السكينة، ويرفعه إلى أقصى درجات الكمال.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه كان بين الدراويش والعظماء رجل زاهد لم يغفل قط عن ذكر الله. كان يعيش في فقر وبساطة، لكن قلبه كان دائمًا يفيض بالسكينة. في أحد الأيام، رآه تاجر غني وقلق، يعاني من هموم الدنيا وخوف المستقبل، فسأله: "يا درويش، كيف لك أن تكون بهذه السكينة والراحة مع قلة ما تملك؟" ابتسم الدرويش وقال: "يا أخي، راحة قلبي تأتي من إيكاله إلى مالك كل شيء وعدم الغفلة عن ذكره. أنت تعلق قلبك بما تملك وتخشى ما لا تملك، ولذلك وقعت في قلق الماضي وهم المستقبل. أما أنا، فأملأ اللحظة الحاضرة بحضور الحق، وبما أنني أعلم أنه معي دائمًا، فلا أخشى شيئًا." استنار التاجر بهذه الكلمات وأدرك أن السعادة الحقيقية تكمن في حضور القلب مع المحبوب الأزلي، لا في جمع أموال الدنيا.

الأسئلة ذات الصلة