كيف نفرق بين التوكل والكسل؟

التوكل هو الثقة بالله بعد بذل جميع الجهود الممكنة، بينما الكسل هو التخلي عن الجهد وانتظار المعجزات. التوكل يقترن بالعمل والتخطيط، أما الكسل فيتمثل في ترك العمل والتراخي.

إجابة القرآن

كيف نفرق بين التوكل والكسل؟

بسم الله الرحمن الرحيم. في رحلة الحياة المليئة بالتحديات، يواجه الكثير منا مفاهيم تبدو متشابهة ظاهريًا ولكنها تحمل اختلافات جوهرية في باطنها. التوكل والكسل هما من هذه المفاهيم التي يتم الخلط بينها أحيانًا، بينما هما في الحقيقة، من منظور القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، قطبان متناقضان تمامًا. التوكل هو أحد أسمى مراتب الإيمان، ويعني الاعتماد القلبي التام على الله تعالى وتفويض الأمور إليه بعد بذل كل الأسباب والجهود الممكنة. هذا المفهوم العميق مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحركة والاجتهاد وتحمل المسؤولية، ولا يعني أبدًا التوقف عن العمل أو انتظار المعجزة. يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى التوكل، لكنه دائمًا ما يربط هذا التوكل بأداء الواجبات واستخدام القدرات العقلية والجسدية التي وهبها الله للإنسان. الكسل، على النقيض تمامًا، يقف في الطرف المقابل للتوكل. الكسل هو في جوهره نوع من التراخي والفتور وعدم الرغبة في أداء المهام الواجبة. فبدلاً من أن يستغل الشخص الكسول قوة شبابه ومواهبه والفرص التي منحه الله إياها، يتوقف عن العمل بحجج واهية أو ظنًا منه أن الله سيوفر له كل شيء دون عناء منه. هذه الحالة ليست ضارة للفرد والمجتمع من الناحية الاجتماعية والاقتصادية فحسب، بل إنها تؤذي روحه ونفسه أيضًا، لأنها تحجبه عن مسار النمو والكمال. في التعاليم الإسلامية، يُذم الكسل والخمول بشدة. فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب العبد المحترف» أي: كثير العمل، وهذا الحديث يوضح بجلاء أن الإسلام دين العمل والاجتهاد، لا الجمود والركود. الفرق الأساسي بين التوكل والكسل هو أن التوكل يكون مصحوبًا بالعمل، بينما الكسل يتميز بترك العمل. الشخص المتوكل يقوم بجميع التخطيطات اللازمة، ويبحث بدقة، ويستشير أهل الخبرة، ويبذل قصارى جهده؛ ثم بعد ذلك يسلم نتيجة عمله لله، ويثق بحكمته وتدبيره. إنه يعلم أن جهده هو جزء فقط من المعادلة وأن النتيجة النهائية بيد الله. هذا التوكل يمنحه الطمأنينة والقوة فلا ييأس في مواجهة الصعاب ولا يغتر بالنصر. أما الشخص الكسول، فلا يبذل أي جهد من البداية، ويتوقع أن تتحقق رغباته دون أي سعي. قد يقول ظاهريًا: «لقد توكلت على الله»، لكنه في الواقع لا يتخذ أي خطوة نحو تحقيق هدفه. هذا الفهم الخاطئ للتوكل لا يؤدي فقط إلى عدم التقدم، بل يمكن أن يضعف إيمان الفرد تدريجيًا، لأنه قد ينسب النتائج غير المواتية إلى المشيئة الإلهية بدلاً من تقصيره، مما قد يؤدي به إلى اليأس. يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة على أهمية الجهد والعمل وطلب الرزق الحلال. على سبيل المثال، في سورة الجمعة الآية 10 يقول: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. هذه الآية تُظهر بوضوح أنه حتى بعد العبادة، يجب على المؤمنين ألا يتوقفوا عن العمل، بل يجب أن يسعوا لطلب الرزق الحلال. وهذا السعي لطلب الرزق من فضل الله هو بحد ذاته شكل من أشكال التوكل العملي. كذلك، في سورة آل عمران الآية 159 نقرأ: ﴿...فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. هذه الآية توضح بجلاء العلاقة بين 'العزم' (النية الجادة والإرادة الصادقة المصحوبة بالعمل) و'التوكل'. التوكل يأتي بعد العزم والجهد، وليس بديلًا عنهما. رُويَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا سأله: «أأعقلها وأتوكل أم أطلقها وأتوكل؟» فقال: «اعقلها وتوكل». هذه القصة القصيرة ولكن العميقة تلخص فلسفة التوكل في الإسلام. التوكل لا يعني عدم المسؤولية، بل هو قمة المسؤولية مقترنة بالاعتقاد بقدرة الله المطلقة. فمن لا يربط ناقته ويدعي التوكل، هو في الحقيقة يمارس الكسل والإهمال. إنه لم يستغل الأسباب التي وضعها الله في متناوله. لذا، للتمييز بين الاثنين، يجب النظر إلى نية الفرد الباطنية وعمله الظاهري. هل يجتهد؟ هل يستخدم الأدوات والإمكانيات المتاحة؟ إذا كانت الإجابة نعم، ومع كل الجهود، يسلم النتيجة لله، فهذا هو التوكل. أما إذا جلس مكتوف الأيدي وتوقع أن كل شيء سيأتي من تلقاء نفسه، فهذا هو الكسل. هذا التمييز حيوي، والفهم الصحيح له هو مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة، لأنه يجنب الإنسان اليأس عند مواجهة الصعاب والاستسلام لوسوسة الكسل، ويجعله دائمًا نشيطًا، ومتفائلًا، ومتوكلًا على فضل الله.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في عهد ملك عادل، كان هناك رجل في إحدى المدن يدعي التوكل ويقول: «أنا أتوكل على الله وحده ولا أبذل أي جهد لكسب الرزق، لأن الله هو الرزاق». كان يجلس طوال اليوم في زاوية مسجد ينتظر أن يحضر له الناس الطعام. ذات يوم، علم الملك بحاله وأمر بألا يعطيه أحد شيئًا. ظل الرجل جائعًا لفترة حتى أصابه الضعف. ومن شدة الجوع، بدأ يئن. استدعاه الملك وقال: «يا رجل، لقد خلطت بين التوكل والكسل! التوكل يعني أن تبذل كل جهدك ثم تسلم النتيجة لله، لا أن تجلس مكتوف الأيدي وتنتظر. اذهب واكسب رزقك بيدك، وحينها سيضع الله بركته في سعيك.» غادر الرجل المسجد بخجل وبدأ في العمل، وبعد فترة وجد رزقه يأتيه بوفرة، وتذوق حلاوة التوكل الحقيقي.

الأسئلة ذات الصلة