كيف أسعد بالنعم الصغيرة؟

للسعادة بالنعم الصغيرة، يجب الشكر الدائم وتغيير المنظور، ومن ثم بالتدبر والقناعة، يمكن الوصول إلى السكينة والرضا الداخلي.

إجابة القرآن

كيف أسعد بالنعم الصغيرة؟

إن الإجابة على سؤال "كيف أسعد بالنعم الصغيرة؟" من منظور القرآن الكريم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الشكر والامتنان، والتأمل في آيات الله في الآفاق والأنفس. فالقرآن لا يدعونا فقط إلى الشكر على النعم الكبيرة، بل يؤكد بشكل خاص على تقدير أصغر العطايا الإلهية؛ لأن كل ما في حياتنا، من أدق التفاصيل إلى أعظم الأحداث، هو هبة من ربنا الرحيم. والسعادة الحقيقية لا تكمن في كمية الممتلكات المادية، بل في عمق الاتصال الروحي والقلبي للإنسان بخالقه وتقديره لعطاياه التي لا تنتهي. الخطوة الأولى والأساسية لتحقيق السعادة من النعم الصغيرة هي "الذكر الدائم والشكر القلبي". يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 152: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ" (فاذكروني أذكركم، واشكروا لي ولا تكفرون). هذه الآية توضح بجلاء أن ذكر الله وشكره هو مفتاح متبادل يجعل الله يذكرنا. الشكر ليس مجرد فعل لساني، بل هو حالة قلبية تدفع الإنسان إلى رؤية الحكمة واللطف الإلهي حتى في أبسط الأشياء وأكثرها اعتيادية. كوب ماء بارد في حر الصيف، نفس مريح بعد مجهود، صحة البدن، ابتسامة طفل، نور الشمس، وحتى القدرة على السمع والبصر، كلها نعم غالبًا ما نغفل عنها. يذكرنا القرآن في سورة النحل، الآية 78: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون). هذه الآية تذكرنا بأن حتى أبسط قدراتنا الحسية هي نعم عظيمة غالبًا ما لا نقدرها حق قدرها. النقطة الثانية المهمة هي "تغيير المنظور والنظرة". غالبًا ما يميل الإنسان إلى التفكير في ما ينقصه، ومقارنة نفسه بمن يملكون أكثر. هذه المقارنات هي المصدر الرئيسي لعدم الرضا والتعاسة. يوجهنا القرآن إلى النظر إلى ما نملك وشكر الله عليه. في سورة إبراهيم، الآية 7، جاء: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد). هذا الوعد الإلهي دافع كبير للشكر. والشكر لا يعني مجرد الشكر باللسان، بل يعني الاستخدام الصحيح للنعم في الطريق الذي يرضي الله. فعندما نستخدم نعمة صغيرة، كلقمة خبز مثلاً، بشكل صحيح ولا نهدرها، نكون بذلك قد أدينا شكرها. وعندما نستغل صحتنا في فعل الخير، نكون شاكرين لنعمة الصحة. هذا النوع من الشكر العملي يؤدي إلى زيادة البركة والسعادة في الحياة. الاستراتيجية الثالثة هي "التفكر والتدبر في الخلق". يدعو القرآن الإنسان مرارًا إلى التفكر في آيات الله في الكون. فمن أكبر المجرات إلى أصغر الجزيئات، كل منها علامة على عظمة الخالق وحكمته. عندما ننظر بعمق إلى قطرة مطر، أو نمو بذرة، أو تعقيد ورقة شجر، ندرك مدى عظمة ومعنى كل شيء صغير. هذا التدبر يحرر ذهن الإنسان من الهموم المادية والنواقص، ويوجهه نحو فهم الجمال والنظام السائد في الوجود. هذا الفهم بحد ذاته مصدر كبير للسعادة والراحة، لأن الإنسان يرى نفسه جزءًا من هذا النظام الكبير والكامل، ويعلم أن الله لم ينسه. كل نفس نتنفسه، كل نبضة قلب، كل لحظة تمر في سلام وأمان، كلها تذكرنا بلطف الله اللامحدود. رابعاً، "الابتعاد عن الإسراف وتقدير الكفاية (القناعة)". ينهى القرآن الكريم عن الإسراف ويدعو إلى الاعتدال. فعندما يدرك الإنسان قيمة النعم الموجودة ويقنع بها (مفهوم القناعة)، يتحرر من الجشع والطمع. القناعة لا تعني التخلي عن السعي لتحسين الحياة، بل تعني الرضا القلبي بما نملكه حاليًا وعدم التعلق بما ليس لدينا. عندما يقنع الإنسان بالنعم الصغيرة التي يمتلكها، لا يجد حاجة إلى بذل جهود جبارة للحصول على ما ليس لديه، وبالتالي يختبر قلقًا وهمومًا أقل. وهذا السلام الداخلي هو بحد ذاته أكبر مصدر للسعادة. خامساً، "التحدث بالنعم ومشاركة السعادة". في سورة الضحى، الآية 11، نقرأ: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" (وأما بنعمة ربك فحدث). هذه الآية تشجعنا على ذكر النعم التي أنعم الله بها علينا. فالتحدث بالنعم هو شكر لساني، كما أنه يجعل الآخرين يدركون هذه النعم، وربما يشكرون الله بفضل ذلك. هذا العمل، بالإضافة إلى تعزيز حس الشكر في الفرد، يمكن أن يوجه الآخرين نحو التفكير الإيجابي ورؤية الجمال في حياتهم. وعندما نشارك سعادتنا الصغيرة مع الآخرين، تتسع هذه السعادة وتتعمق. في الختام، إن السعادة بالنعم الصغيرة هي خيار واعٍ. هذا الخيار مبني على الإيمان والفهم العميق لحقيقة أن كل ما في الكون هو من الله، وهو خير المعطين. من خلال الذكر الدائم، وتغيير المنظور، والتفكر في الخلق، والقناعة، والتحدث بالنعم، يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالشكر والراحة والسعادة، حتى لو لم نكن نملك الكثير ظاهريًا. هذا المسار هو الطريق الذي يبينه القرآن الكريم لتحقيق السعادة الحقيقية والرضا الإلهي، ويوجه الإنسان نحو حياة مباركة مليئة بالرضا. هذه النظرة لا تساعد الإنسان في أوقات الرخاء فحسب، بل تحميه من اليأس في أوقات الشدائد، وتمنحه القدرة على الصمود والشكر على قدر الله. وبالتالي، فإن تقدير النعم الصغيرة لا يؤدي فقط إلى السعادة، بل يفتح بابًا لفهم أعمق للحكمة الإلهية وزيادة البركات في جميع جوانب الحياة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن درويشًا لم يشكُ قط من فقره، إلا مرة واحدة عندما كان حافيًا لا يملك حذاءً. كان يسير حزينًا ومهمومًا بسبب حالته. ثم صادف في طريقه رجلاً قد بترت قدماه الاثنتين وكان يمشي بصعوبة بالغة. عندما رأى الدرويش هذا المنظر، سجد شكرًا لله على الفور وقال: 'يا إلهي! كنت أشكو من عدم امتلاكي حذاءً، بينما هذا الرجل لا يملك حتى قدمين ليسير بهما. فإني أشكرك على نعمة قدمي السليمتين.' في تلك اللحظة، شعر الدرويش بالسعادة بما يملك من نعم صغيرة، وتحرر من حزن العري، وأدرك أن السعادة الحقيقية تكمن في داخل الإنسان، لا فيما هو خارج عنه.

الأسئلة ذات الصلة