للحفاظ على الإيمان في عالم مليء بالظلم، استعن بالصبر والصلاة، توكل على الله، تذكر الطبيعة الفانية للدنيا، واستقم على الحق. تجنب اليأس وادعموا بعضكم البعض في المجتمع المؤمن.
في عالم نشهد فيه يوميًا أشكالًا مختلفة من الظلم والاضطهاد، قد يكون الحفاظ على الإيمان أحد أكبر التحديات الروحية والمعنوية. لكن القرآن الكريم، بصفته كتاب هداية ونور، يقدم حلولًا عملية وأساسية لمواجهة هذه التحديات. إن الإيمان الحقيقي لا يُختبر فقط في أوقات الرخاء، بل أيضًا في العواصف والصعوبات، وبالصمود أمام الظلم، يصبح أكثر رسوخًا وعمقًا. يتطلب الحفاظ على الإيمان في مثل هذه الظروف فهمًا عميقًا للمبادئ القرآنية وتطبيقها المستمر في الحياة. أول خطوة، وربما الأهم، هي الاستعانة بالصبر والصلاة. يقول القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية 153: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". الصبر هنا لا يعني التحمل السلبي؛ بل هو مقاومة فعالة وواعية ضد المصاعب. الصبر يعني عدم إخلاء القلب من ذكر الله، حتى عندما تأتي الضغوط من كل جانب. هذا الصبر قوة داخلية تمكن الإنسان من الحفاظ على هدوئه وثباته في وجه الاضطرابات الخارجية. الصلاة هي عماد الدين ونقطة الاتصال المباشرة بين العبد وربه. في لحظات اليأس والاختناق الناتج عن الظلم، تكون الصلاة سلوى للنفوس المضطربة ومصدر قوة للقلوب المؤمنة. من خلال الصلاة، يستطيع الإنسان أن يرفع عبء اليأس والقنوط ويتصل بخالق الكون ويطلب منه العون. هذا الاتصال المستمر يذكر الإنسان بأنه ليس وحده، وأن قوة أعلى ترعاه وتدعمه دائمًا، وأنه لا يخفى على الله أي ظلم. بالوقوف أمام الرب والتضرع إليه، لا يجد الإنسان الطمأنينة فحسب، بل يكتسب رؤية جديدة لوضعه ولوعود الله. الخطوة الثانية، هي التوكل الحقيقي على الله. في مواجهة الظلم، يشعر الإنسان أحيانًا بالعجز والضعف، وكأنه محاصر في دوامة الأحداث. لكن القرآن يعلم المؤمنين أن "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (الطلاق، الآية 3). التوكل لا يعني التخلي عن الجهد أو أن نكون سلبيين؛ بل يعني بعد بذل الجهد والاجتهاد، أن نترك النتيجة لله وأن نؤمن بأنه سيحقق أفضل النتائج، حتى لو لم نفهم ذلك ظاهريًا أو ندرك الحكمة الكامنة وراءه. هذا الإيمان العميق يمنع الانهيار الروحي أمام المظالم، لأن الفرد يثق بأن لا قوة تستطيع الوقوف في وجه الإرادة الإلهية، وأن كل ما يحدث فيه خير أو يؤدي إلى الخير. التوكل يمنح الإنسان القدرة على الحفاظ على سلامة قلبه في أصعب الظروف والتحرر من القلق والخوف. ثالثًا، تذكّر الطبيعة الفانية والزائلة للحياة الدنيا. يكرر القرآن الكريم مرارًا أن الحياة الدنيا فانية وزائلة، وأن الآخرة هي الدار الأبدية والحقيقية. في سورة العنكبوت، الآية 2 يقول: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ" أي "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟" هذه الآية تذكرنا بأن الابتلاء والاختبار جزء لا يتجزأ من مسار الإيمان. الظلم والاضطهاد هما في الواقع أدوات لاختبار إيماننا وتصفيته؛ فهما يظهران ما إذا كان إيماننا مجرد ادعاء أم له جذور عميقة في قلوبنا. بهذه النظرة، لا نيأس من الظلم؛ بل نراه فرصة لتقوية إيماننا وتثبيته، ونعلم أن صعوبات هذه الدنيا لا تقارن أبدًا بالجزاء الأبدي للآخرة. هذا الفهم لطبيعة الدنيا الفانية يقلل من الضغط الناتج عن المصائب ويوسع أفق الإنسان من الآفاق الدنيوية الضيقة إلى رحابة الآخرة اللامتناهية. رابعًا، الاستقامة والثبات على الحق. يأمر الله في سورة هود، الآية 112 النبي والمؤمنين: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" أي "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ۚ إنه بما تعملون بصير." الاستقامة تعني الثبات على الحق، حتى في مواجهة أشد الضغوط والتهديدات. هذه الاستقامة لا تحافظ على الإيمان الفردي فحسب، بل يمكن أن تكون مصدر إلهام للآخرين وتشعل شرارات الأمل في القلوب اليائسة. تذكّر أن الله بصير بما نعمل يعطينا القوة لنبقى أوفياء لعهدنا معه في كل الظروف ولا نحيد عن سبيل العدل والحق. الاستقامة تعني عدم الاستسلام للباطل والحفاظ على الهوية الإيمانية في بيئة قد تتحدى القيم الإيمانية. خامسًا، تجنب اليأس والقنوط. يعتبر القرآن الكريم اليأس من رحمة الله ذنبًا عظيمًا ويخص به الكافرين. في سورة يوسف، الآية 87 يقول: "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" أي "ولا تيأسوا من روح الله ۖ إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون." حتى في أوج الظلام والاضطهاد، يجب أن نحافظ على نور الأمل في العدالة الإلهية والفرج في قلوبنا. هذا الأمل هو دافع للاستمرار في النضال والمقاومة ولا يسمح للظلم بأن يسلبنا إيماننا. الأمل بالفرج والتيسير قوة تجعل المؤمن صامدًا أمام الضغوط النفسية ولا تسمح للمصاعب بجره نحو الكفر والعجز. سادسًا، التضامن والدعم المتبادل. يأمر القرآن المؤمنين: "تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة، الآية 2) أي "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان." في مواجهة الظلم، وجود مجتمع إيماني قوي يدعم أفراده بعضهم بعضًا ويوصي بعضهم بعضًا بالصبر والحق، أمر حيوي للغاية. هذا التضامن بمثابة ملجأ ضد الضغوط ومصدر قوة للحفاظ على الإيمان. معاشرة الأفراد المؤمنين والصالحين تذكر الإنسان بأنه ليس وحده وأن الآخرين يسيرون على نفس الدرب ويمكنهم أن يقدموا لبعضهم البعض قوة القلب والتوجيه. هذه التفاعلات الإيجابية تمنع الشعور بالوحدة والعزلة التي قد تضعف الإيمان. في الختام، إن الحفاظ على الإيمان في عالم مليء بالظلم هو رحلة مستمرة تتطلب تزكية النفس، التذكير الدائم بالتعاليم القرآنية، والعمل بها. هذا الطريق لا يحافظ على الإيمان فحسب، بل يرفعه إلى درجة من الكمال لا يستطيع أي ظلم أن يزعزله. الإيمان القوي، مثل جذور الشجرة المتينة التي تبقى ثابتة وتثمر حتى في أشد العواصف؛ هذا الإيمان لا يصمد أمام الظلم فحسب، بل يمكنه أن ينشر نور الأمل والعدالة في المجتمع ويساهم في إحداث تغييرات إيجابية. بالتوكل على الله والصبر والاستقامة، يمكننا ليس فقط الحفاظ على إيماننا في عالم مليء بالمصاعب، بل تقويته أكثر من أي وقت مضى.
يُروى أنه في زمن كان فيه الظلم والجور متفشيًا، كان يعيش عابد ورع في زاوية من المدينة. كان الناس يعانون من جور الحكام، وضعف إيمان الكثيرين. ومع ذلك، كان هذا العابد يقف للصلاة كل يوم بقلب مطمئن ووجه مشرق، منهمكًا في ذكر الله. سأله أحد تلاميذه: "يا معلم، كيف نجدك هادئًا ومؤمنًا هكذا في هذا العالم المليء بالظلم؟" فابتسم العابد وقال: "يا بني، لأنني أعلم أن هذه الدنيا ليست دار بقاء، وأن لكل ظلم نهاية، ولكل عدل جزاء. لم أتكئ على جدار الدنيا المتهالك، بل سلمت قلبي لخالق حكمه قاطع ووعده حق. عندما تلجأ إلى الله من ظلم الخلق وتعلم أنه بصير وسميع، لا يمكن لأي حزن أن يزعزعك. هذا هو الإيمان الذي يثبّت القلب في أوج البلاء."